هاني صبري -  الخبير القانوني والمحامي بالنقض
تعرضت نيرة صلاح طالبة بكلية الطب البيطري جامعة العريش شمال سيناء، لواقعة ابتزاز وتشهير والتي تخلصت علي إثرها من حياتها ، متأثرة بنشر زميلتها صورًا خاصة منسوبة لها بموقع للتواصل الاجتماعي حيث قامت زميلتها بتصويرها خلسة أثناء استحمامها لإذلالها نتيجة المشادة التي وقعت بينهما.

وتباشر النيابة العامة التحقيقات في هذا الواقعة وجار استكمال التحقيقات .

في تقديري أن ما اقترفته المتهمة بحق المجني عليها يعد جناية التهديد المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 327 من قانون العقوبات التي تتوافر إذا وقع التهديد كتابة بارتكاب جريمة ضد النفس أو المال، وكان التهديد مصحوباً بطلب أو تكليف بأمر، ولا يشترط لقيام هذه الجريمة أن تكون عبارة التهديد دالة بذاتها على أن الجاني سوف يقوم بنفسه بارتكاب الجريمة إذا لم يجب إلى طلبه، بل يكفى أن يكون قد وجه التهديد كتابة إلى المجني عليها وهو يدرك أثره من حيث إيقاع الرعب في نفسها وإنه يريد تحقيق ذلك الأثر بما قد يترتب عليه أن تذعن المجني عليها راغماً إلى إجابة الطلب بغض النظر عما إذا كان الجاني قد قصد إلى تنفيذ التهديد فعلاً ومن غير حاجة إلى تعرف الأثر الفعلي الذي أحدثه التهديد في نفس المجني عليها وللاسف الشديد كان إثره عليها رهيب ودفعها إلى الانتحار. ولا عبرة بعد ذلك بالأسلوب أو القالب الذي تصاغ فيه عبارات التهديد متى كان المفهوم منها أن الجاني قد قصد ترويع المجني عليها على أداء ما هو مطلوب.

ويجب معاقبة المتهمة وفقاً لنص المادة 325 من قانون العقوبات كل من اغتصب بالقوة أو التهديد سندا مثبتا لدين أو موجدا لدين أو تصرف أو براءة  أو سندا ذا قيمة أدبية أو اعتبارية أو أوراقاً تثبت وجود حالة قانونية أو اجتماعية أو اكره احدا بالقوة أو التهديد على امضاء ورقة مما تقدم أو ختمها يعاقب بالسجن المشدد .

مفاد نص الماده 325 من قانون العقوبات ان ركن الإكراه فى هذه الجريمة كما يكون مادياً باستعمال القوة والعنف ويكون أدبياً بطريق التهديد و يعد اكراها أدبيا كل ضغط على إرادة المجنى عليها يعطل من حرية الاختيار لديها.

من المقرر ان ركن القوة أو التهديد فى جريمة الإكراه يتحقق بكافة صور انعدام الرضا لدى المجنى عليها فهو يتم بكل وسيلة قسرية تقع على أشخاص يكون من شأنها تعطيل الاختيار أو إعدام قوة المقاومه عندهم تسهيلا لارتكاب الجريمة فكما يصح ان يكون الإكراه ماديا باستعمال القوة فانه يصح ايضا ان يكون أدبيا بطريق التهديد ويدخل فى هذا المعنى التهديد بخطر جسيم على النفس أو المال كما يدخل فيه التهديد بنشر فضيحه أو بافشاء أمور ماسه بالشرف .

نري أنه سيتم إحالة المتهمة وكل من شارك في هذه الجريمة النكراء إلى  إلى محكمة الجنايات لمحاكمة عاجلة وفقاً لنص المادتين 325  ، 327 من قانو العقوبات. ونناشد في حالة ثبوت قبلهم توقيع أقصي عقوبة مقررة وفقاً للقانون وذلك لتحقيق الردع العام والخاص لمنع كل ما تسول له نفسه ارتكاب مثل هذه الجرائم التي تنال من قيم المجتمع.

جدير بالذكر هناك عوامل اجتماعية مختلفة ودوافع عديدة وراء مثل هذه الجرائم ، التي انتشرت في الآوانة الأخيرة، ومن أبرز هذه الدوافع ما يلي:-
(1) تراجع منظومة القيم الاجتماعية الراسخة في المجتمع.

(2) اختزال المرأة في مجرد جسد ، وتغييب المرأة ككائن اجتماعي واع يسهم مع الرجل جنبًا إلى جنب في نهضة المجتمع.

(3) تقلص الرقابة الأسرية إنّ تفاقم مشكلات غياب الرقابة الأسرية، ونقص الوعي والتوجيه، وعدم القدرة على الإشباع العاطفي للأبناء وحتى البالغين، والتربية بالمنع أو العقاب بدلاً من التوعية والإشباع النفسي، وانتشار ثقافة الاستعراض من خلال نشر الصور والمعلومات الشخصية بحثاً عن الاهتمام والانتباه من قبل الآخرين، والفراغ النفسي والعاطفي ، كل هذا قد يؤدى إلى زيادة التحريض على ممارسة الابتزاز والتهديد والتحرش من خلال الانترنت، وبالتالي زيادة إمكانية تعرض مستخدمي الشبكة والأجهزة الالكترونية لهذه الممارسات.

(4) سهولة إخفاء الهوية (القناع الرقمي) على شبكة الإنترنت تساعد في خلق مبتزين جدد، لأن لا أحدًا يعرف شخصيته الحقيقية، بالإضافة إلى الهروب من نظرة المجتمع السلبية تجاه من يفعل ذلك في الواقع على أنه غير منضبطًا اجتماعياً، وهي أمور يتم التخلص منها في العالم الافتراضي الذي لا يستطيع أحد أن يتأكد فيه من شخصية الآخر.

(5 )الحرمان الجنسي. ويرجع الحرمان الجنسي لأسباب مختلفة.

(6) التنشئة غير الصحيحة ونقص الوعي.  والكبت الاجتماعي، والأسري  وغياب "السلطة الأبوية"، حيث ينشأ الابن أو البنت في بيئة خالية من التواصل والود، والبيئة الصحية للنمو.

(7) الانفتاح الاجتماعي (الصدمة الثقافية). لقد أسهم الانفتاح الهائل والمفاجئ على خصوصيات الأشخاص الآخرين، من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، والأجهزة الإلكترونية وسهولة الوصول إلى الآخرين إلي حدوث ما يعرف بالصدمة الثقافية لدى مستخدمي هذه الشبكات، وعدم القدرة على إدارة العلاقات مع الآخرين نتيجة نموه في بيئة خالية من حوافز النمو الصحي.

يجب أن تترسخ في الثقافة الجمعية للمواطنين حماية الحرية الشخصية واحترام خصوصية الآخرين ، وأن يتحمل الجميع مسؤولياته في نشر الوعي و التنشئة الاجتماعية الصحيحة ، والمحافظة علي قيم مبادئ هذا المجتمع الأصيل والعريق.  

كما يجب التعامل بكل حزم وفقاً للقانون لمواجهة مثل هذه الجرائم نظرًا لخطورتها الشديدة على المجتمع وانعكاساتها النفسية على المجني عليهم.