بقلم: عماد توماس
لم أندهش من رد الفعل العنيف من المسلمين في عدد من الدول العربية؛ اعتراضًا على الفيلم المُسَمَّى بـ"براءة المسلمين"، الذي اعتبروه مسيئًا للإسلام ولرسوله.
 
ومنبع عدم اندهاشي ليس كون الفيلم غير مسيء للإسلام، لكن لاختلاف القيم الحضارية والثقافية بين الشرق والغرب، ففي الولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا، قيمة الحرية والمساواة تأتي على رأس القيم الأساسية التي لا يمكن التنازل عنها، ولا سيما في حرية الرأي والتعبير. وقديمًا عندما اختلف الفيلسوف الملحد "فيولتير" مع الفيلسوف الفرنسي "جان جاك روسو"، قال له الأخير "اختلف معك في الرأي تمامًا، لكني مستعد أن أموت في سبيل الدفاع عن رأيك"! لكننا في الشرق، خاصة في الدول العربية، لا نعتبر حرية الرأي والتعبير من أولويات القيم التي ندافع عنها. ولأن الشرق بطبعه متدين، ومنبع الديانات، فلا يقبل أن يقترب آخر من عقيديته، أو دينه حتى لو بدافع النقد البناء.
 
وقيمة المساواة من القيم الأساسية عند الغرب، بينما التمييز بشتى أنواعه تجده حاضرًا في الشرق. فعندما يعرض الشيخ "خالد عبد الله" الفيلم على قناته الإسلامية، ويُمزق الشيخ "أبو اسلام" الإنجيل أمام السفارة الأمريكية، ويسب المدعو الشيخ "وجدى غنيم" المسيحيين، يمر الأمر مرور الكرام، بينما عندما يضع شاب مسيحي يُدعى "ألبير" رابطًا للفيلم على صفحته على "الفيسبوك"، تقوم الدنيا ولا تقعد، ويُقبض عليه، ناهيك عن الحكم الصادر بسجن مدرس مسيحي يُدعى "بيشوى البحيري"، بتهمة ازدراء الأديان؛ لنشره رسومًا مسيئة للرسول، وإهانة رئيس الجمهورية على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي - فيس بوك - بالسجن 6 سنوات، مع الشغل والنفاذ. فنرى هنا الكيل بميكالين، فلدينا أربع حالات لأقباط متهمين بازدراء للإسلام، وليس كما يقولون ازدراءً للأديان.
 
لعلك تتذكر أزمة الرسوم الكارتونية، ونفس رد الفعل العنيف، حدث بسبب بعض الرسومات لرسام كاريكاتير مغمور في صحيفة غير معروفة وبلغة غير مشهورة، لكن الحماس الديني والعاطفة الجياشة، جعل من الرسوم حديثا للعالم أجمع، وهو نفس الشيء الذي حصل مع مؤلف لم يكن أحد يسمع عنه في الشرق يُدعى "سلمان رشدي"، عندما نشر كتابا بعنوان "آيات شيطانية"، وقامت إيران بإهدار دمه حتى الآن، مقابل مبلغ مالي كبير. وإذا تابعت موقع "يوتيوب"، ستكتشف أن فيلم "براءة المسلمين" الذي ظهر على الإنترنت في شهر يوليو، لم يتعدَ عدد مشاهديه 500 مشاهد، وبعد الضجة الإعلامية للفيلم في شهر سبتمبر، وصل عدد مشاهديه لأكثر من 50 مليون مشاهد!!
 
على الجانب الآخر، سوف تجد أسوأ رد فعل عند المسيحيين، كان بسبب ما اعتبروه إساءة لرموز دينية، ففي عام 2002، عندما خرجت إحدى الصحف الأسبوعية يتصدر صفحتها الأولى صورًا مسيئة لراهب قالت الكنيسة عنه إنه "مشلوح". خرج آلاف من المسيحيين أمام الكاتدرائية المرقسية بالعباسية؛ للتظاهر والاحتجاج، وهو نفس رد الفعل الذي حدث في قضية "وفاء قسطنطين"، زوجه أحد كهنة كنيسة بالبحيرة!
 
فالوازع الديني في الشرق لا يختلف كثيرًا بين المسلمين والمسيحيين، لكنه يأخذ طابع العنف، جانب المسلمين، مثلما شاهدنا في الاعتداء على السفارة الأمريكية في القاهرة، ومقتل السفير الأمريكي بليبيا. بينما في جانب المسيحيين، لا يتعدى الأمر كونه عنفا لفظيًّا. ولعلك لاحظت ردة فعل المسيحيين إزاء تمزيق وحرق المدعو "أبو إسلام" للإنجيل أمام السفارة، فكان الرد المسيحي غاضبًا لكن دون عنف.
 
إن الفجوة الحضارية بين الشرق والغرب، هي التي تدفع إناسًا غاضبين إلى الحرق والقتل والنهب، وهي التي تدفع شبابًا صغيرًا في السن، للتظاهر أمام السفارة، و"سب الدين" لجنود الأمن المركزي، ثم الهتاف "إلا رسول الله". والفجوة الثقافية هي التي تدفع عددًا من غير الفاهمين إلى مطالبة الولايات المتحدة الأمريكية بمنع عرض الفيلم، أو مطالبة شركة "جوجل" بحذف فيديو مشاهد الفيلم "تريلر". فهم لا يدركون أن الدستور الأمريكي ينص على حرية التعبير والصحافة والإعلام، فمن ضمن مواد الدستور، يحظر على الكونجرس أن يصدر أي قانون خاص بإقامة دين من الأديان، أو يمنع حرية ممارسته، أو يحد من حرية التعبير، أو الصحافة. فحرية التعبير قيمة عُليا لا يمكن لأحد أن يقترب منها أو يمسها، فدولة فرنسا لم تسطتع أن تمنع إحدى الصحف "الهزلية" من نشر رسوم مسيئة للرسول، رغم عواقب فعل هذا، بل إنها قامت بتأمين مبنى الصحيفة؛ لمنع الاقتراب منها.
 
فى الغرب، صدرت عدة أفلام اعتبرها البعض مسيئة للمسيح وللمسيحية، منها فيلم "الإغواء الأخير"، و"شفرة دافنشي"... إلخ. لكننا لم نرَ مظاهرات حاشدة تدين وتشجب وتندد، ليس لأن الغرب أقل غيرة على الدين، بل أزعم أن هناك من المؤمنين المسيحيين في الغرب أكثر تدقيقا وتحفظا من الشرقيين. لكننا نرى اكتفاء بعض المعترضين على تفنيد هذة الأفلام، إما بالكتابة في شكل مقالات، أو كتب، أو عمل أفلام تظهر وجهة النظر الأخرى. وهو الوجه الحضاري للغرب الذي يختلف عن الشرق في طريقة التعبير. فالحرية قيمة عُليا في الغرب، بينما الاستبداد والإقصاء والتمييز، مازالوا على رأس قيم الشرق.
 
الحل في رأيي، هو سيادة دولة القانون، وعدم الكيل بمكيالين، وإصدار قانون لتجريم التمييز الديني. أما الدعوى لقانون لازدراء الأديان، فهو قول حق يُراد به باطل، فالفكر لا يُرد عليه إلا بالفكر، ولا يمكن مهما حاولنا أن نمنع رأيًا او فيلمًا أو كتابًا، خاصة في ظل مواقع "الإنترنت"، والتواصل الاجتماعي، والفضائيات المفتوحة.
 
"سياسة الحجب والمنع" لن تُجدي ولن تفيد. افتحوا نوافذ الحرية على كافة الآراء والأفكار.. فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ.