بقلم : عماد توماس
في مثل هذا اليوم 25 يناير 2011 منذ عام بالتمام والكمال، خرجت في التاسعة صباحًا، ولأن اليوم إجازة رسمية بمناسبة ما أسموه بعيد الشرطة، فالشوارع كانت خالية والميادين هادئة، وكان الانطباع العام أن اليوم سيمر بدون أية مشاكل او تغيير، سيتجمع عدد من النشطاء الذين اعتدنا ان نراهم في كل مظاهرة وتأتى الشرطة لتفريقهم ويتشتتون وينتهى الامر عند هذا الحد ما بين القبض على البعض او الاعتداء على البعض الاخر.

كان موعد التجمعات في القاهرة الساعة الثانية ظهراً، ونشرت صفحة "كلنا خالد سعيد"، اماكن التجمعات في مصر كان ابرزها في دوران شبرا والمطرية ودار القضاء العالي وأمام مقر نقابة المهندسين بشارع رمسيس.

اتفقت مع مجموعة من المهندسين معظمهم من تجمع "مهندسون ضد الحراسة"، على ان نبدأ نقطة تظاهرنا من أمام مقر النقابة من أجل إثبات حق المهندسين في تحرير نقابتهم ورفع الحراسة المستمرة منذ 16 عاماً، والدعوة إلى عقد جمعية عمومية. كان عدد الحضور محبطاً، فلم يحضر أكثر من 20 مهندساً، من بينهم كان المهندسين : مجدى عبد الحميد، عماد عطية، ممدوح حبشي، ايمان علام، معتز الحفناوى...وغيرهم ، ولم يكن بالمناسبة من بينهم مهندس ينتمى لجماعة الاخوان المسلمين. ولم يكن هناك أفراد شرطة عندما وصلنا الى مقر النقابة. إلى أن وصلنا حتى جاء إلينا مجموعة من المخبرين والضباط يسألوننا عن ماذا ننتوى أن نفعل وما هى المدة التي سنمكثها في التظاهر، وقام أحد الضباط بالاتصال بقياداته وفى خلال دقائق وصلت ثلاث عربات أمن مركزي ونزل الجنود واصطفوا بجانبنا، وحدثت مفاوضات بين قائد مسيرة المهندسين والشرطة من أجل فض التظاهر في أسرع وقت، لكننا رفضنا ذلك وقلنا نحن نقف أمام نقابتنا وعندما نقرر أن نمشى فالقرار لنا، وبعد أن مكثنا ما يقرب من نصف ساعة قررنا الرحيل بسبب عددنا القليل والانضمام إلى أية مجموعة أخرى، قمت بالاتصال بصديقي في مظاهرة "شبرا" وعلمت منه أن هناك عدداً كبيراً من المتظاهرين، وان الشرطة بدأت في الاعتداء على المتظاهرين والقبض على البعض الآخر، وأخبرنا أحد المهندسين أن هناك تجمعاً كبيراً أمام دار القضاء العالي بالإسعاف فبدانا ان نتوزع تلقائيا ، اتجه البعض إلى "شبرا" والبعض الآخر إلى "دار القضاء العالي".

قبل أن نصل إلى "دار القضاء" وجدنا المتظاهرين قد تحركوا بأعداد كبيرة في اتجاه رمسيس والبعض الآخر في اتجاه التحرير، وجاءتنا بعض الأخبار عن القبض على بعض النشطاء والصحفيين من مظاهرة "شبرا" ومن أمام مجلس الوزراء ومن ميدان "التحرير".

كانت الهتافات في ذلك اليوم "يا حرية فينك فينك.. حسنى مبارك بينا وبينك"، "يا حرية فينك فينك.. الطوارئ بينا وبينك"، "مش هنخاف مش هنطاطى.. احنا كرهنا الصوت الواطى"، "واحد اتنين.. الشعب المصري فين"، "ثورة ثورة حتى النصر" ، "يا أبو دبوره ونسر وكاب احنا اخواتك مش إرهاب"، "ارحل ارحل زى فاروق.. يسقط حسنى مبارك.. باطل.. باطل" وهذا عكس ما ردده البعض من أن المظاهرات والهتافات كانت تهدف لإصلاح اقتصادي واجتماعي فقط، وهو ما كان يركز عليه الإعلام الحكومي المزيف في ذلك الوقت. ولم تكن اللافتات في هذا اليوم قد ظهرت بوضوح.

معظم المتظاهرين في هذا اليوم كانوا من حملة "كلنا خالد سعيد" من الفيس بوك، وحملة "دعم البرادعي" وحركة "6 أبريل" و"حركة العدالة والحرية" وحركة "كفاية". ولم يكن للسلفيين ولا الاخوان المسلمين تواجدا في ذلك اليوم.
 

بدأت قوات الشرطة تطاردنا، انطلقنا من دار القضاء في شارع رمسيس حتى التقينا بمظاهرة شبرا، في شارع الجلاء وحاصرتنا الشرطة في ميدان عبد المنعم رياض حتى تجمعنا عفويا في ميدان التحرير بدون تخطيط مسبق.

وفى نهاية هذا اليوم، أعلنت "الحملة الشعبية لدعم البرادعي" عن اعتصام في ميدان التحرير ومبيت في الميدان حتى الصباح، بالإضافة إلى تشكيل وفد من كل القوى الوطنية للتفاوض مع النظام، ودعت الحملة جميع المصريين إلى التظاهر في اليوم التالي.

الآن وبعد مرور عام على الثورة، التى تشبه ربة منزل قامت بطهى طعام فاخر، استيقظت منذ الصباح الباكر في اعداده، وتعبت الليل كله، وفجأة حضر ضيوف واكلوا الطعام وتركو الفتات لأصحاب البيت.
شبع الضيوف وملؤا بطونهم الجائعة، لكنهم بالتأكيد سيجعون مرة اخرى وقتها ربما لن يجدو الفتات الساقط من المائدة!!