بقلم: عماد توماس

أما الجماعة فهى جماعة الاخوان المسلمين التى كانت محظورة بقوة القانون وصارت محظوظة بعد أن حصل حزبها "العدالة والحرية" على أول ترخيص لحزب ذو مرجعية دينية بعد الثورة، والجماعة معروف عنها تاريخها الطويل منذ نشاتها على يد حسن البنا عام 1928 كحركة اسلامية سلفية، وهى حركة سياسية دعوية تخلط الدين بالسياسة.

وأما الجمعية فهى الجمعية الوطنية للتغيير، والتى كان لها السبق فى محاولة توحد جميع الأصوات الداعية للتغيير قبل الثورة في إطار جمعية وطنية بحيث تكون إطاراً عاماً ينطوي تحته جميع الأصوات المطالبة بالتغيير. والهدف الرئيسي من الجمعية هو العمل على التوصل إلى نظام سياسي يقوم على الديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية. وكانت الجمعية فكرة الدكتور محمد البرادعى، الذى يعتبر من اوائل من أشعلوا نيران الثورة فى مصر.

***

العلاقة بين الجماعة والجمعية علاقة ملتبسة، تتصاعد وتنخفض، تقترب وتبتعد، تتفق وتختلف، ففى بداية عمل الجمعية –قبل الثورة-كانت الجماعة بردًا وسلامًا ، فكانت محظورة وانضمامها لاى كيان يعتبر مكسبًا لها، فكانت الأراء والبيانات الصادرة متوافقه، بل اننى عندما اجريت حوارًا قبل الثورة مع الدكتور البرادعى-نشر فى جريدة "الطريق والحق" عن موقفه من الجماعه قال لى انه على مسافة واحدة من كل التيارات السياسية فى مصر بدون اقصاء لفصيل عن آخر.
ولأن الدكتور البرادعى عاش طويلا فى الغرب وتعلم قيم وتحضر الغرب، فلديه من القبول والاحترام للكل بدون مواربه او مناورة. وإن كانت الجماعة لم تحفظ هذا الجميل للجمعية، فى كونها محظورة تنضم لكيان قائم ، فبعد الثورة اختلفت الصورة تمامًا، وانقلبت الجماعة، فقامت بالتصويت بــ"نعم" على الاستفتاء لعلها تدخل "الجنة" بينما الجمعية صوتت بــ"لا" . وضربت الجماعة اول "كرسى فى الكلوب" بالخروج عن قرار الجمعية بالتصويت بـ"لا" وها هى الجماعة تمارس خروجها عن الجمعية بالمناداة بالانتخابات اولا بينما الجمعية تنادى بالدستور اولا. حتى أن الجماعة أصدرت بيانا وصفت فيه محاولات المطالبة بالدستور اولا ، بالالتفاف على نتائج الاستفتاء الشعبى على الدستور، واعتبرت ما يتم افتئاتا ومصادرة لحق اللجنة التأسيسية المنوط بها صياغة الدستور، قبل أن تتكون، ووصفوا ما يتم بـ"أمر منكر" وإجراء غير دستورى، وغير ديمقراطى، لا يحترم إرادة الغالبية العظمى من الشعب التى وافقت على التعديلات الدستورية. ولست اعلم هل عندما ذهبنا للاستفتاء كان هناك مواد صوتنا عليها تقول ان الانتخابات اولا وان توقيت الانتخابات فى شهر سبتمبر القادم؟ وهل تغيير بعض المواد التى صوتنا عليها ألا يبطل الاستفتاء وهل أخد أحد رأينا فى الاعلان الدستورى الذى يتكون من 62 مادة؟ وهل وجود عضو اخوان مسلمين فى لجنة الدستور ثبت كذبه على الهواء مباشرة يعطى مصداقية ومشروعية للجنة الدستور؟

كما أنى لست أفهم اذا كانت الجماعة فى المحكات الرئيسية والمهمة تخرج عن قرارات الجمعية فلماذا تتمسك الجمعية بالجماعة عضوا فيها !!
ألم تعزل الجماعة عضوا بارزا فيها وهو "الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح" بدعوى خروجة على قرار الجماعة بعد ترشح أحد اعضائها على منصب الرئاسة؟ رغم تصريحات "أبو الفتوح"، بانه سيحصل على جميع أصوات الجماعة بما فيها صوت مرشدهم الدكتور محمد بديع، ويبقى السؤال : لماذا لا تعامل الجمعية الجماعة بنفس المنطق؟!

***
دائمًا وأبدًا تخرج جماعة الاخوان عن الأغلبية الوطنية لتشق الصف وتغتنم مغانم طائفية لها وحدها، تستكين حتى تتمكن، تمارس "التقية" بان تظهر ما لا تبطن وتبطن ما لا تظهر، تستخدم اساليب وطرق ملتوية لحشد الجماهير البسيطة والفقيرة، فيكفى قليل من مواد التموين من سكر ورز وزيت وقافلة طبيبة وإعانة شهرية وشعارات دينية كل هذا يكفى لحشد المغيبين من الشعب فمن لا يملك "زيته وسكره ورزه" لا يملك صوته الانتخابى، فما أسهل حشد هؤلاء الفقراء فى طوابير –عن كذب متعمد- من أجل "الاسلام" و"الجنة" و "المادة الثانية".

تقول لك الجماعة بانها ستشارك ب 30% من مرشحىها فى الانتخابات القادمة، ثم ترتفع النسبة الى 35% حتى تصل الى 50% وكأننا فى مزاد فاكهة فى سوق العبور، يتلونون ويكذبون فى رابعة النهار وكأن الشعب المصرى أبله لا يفهم مكرهم واكاذيبهم، وكأنهم يمنون علينا بعدم الدخور بمرشحين بنسبة 100% ، يحاولون خداعنا بأنهم لا يريدون أغلبية فى البرلمان ولو كانوا قادرين على ذلك ما كانوا استكانوا لحظة واحدة فى الترشح على نسبة 100%. فالحرب خدعة، وكفى المؤمنون شر القتال.
ثم يأتى الخداع الأخر لهم، بأنهم لا ينتون الترشح على منصب رئيس الجمهورية، ولا تفهم لماذا هذا الإصرار فاذا كان لديهم فرص للترشح والفوز فلماذا لا يتقدمون وهذا حقهم ؟ ام انهم يريدون اغلبية فى البرلمان عن طريق انضمام المستقلين لهم مثلما كان يحدث مع الحزب الوطنى المنحل!!
وتسعى الجماعة الى نظام سياسى برلمانى تكون السلطة فيه لمجلس الشعب وتتقيد فيه صلاحيات الرئيس، ويصبح منصب الرئيس منصبًا شرفيا ، فهل لهذا السبب الغير معلن لا ترغب الجماعة فى الترشح على منصب الرئيس!!

اعلنت الجماعة انها ستشارك اليوم فى جمعة "الثورة أولا" بشرط الخروج من الميدان الساعة الخامسة مساءً، فى إشارة الى عدم الاعتصام بالميدان، بعد أن رفضت المشاركة قبلا، لكنها ستشارك بهدف "استراتجيى" وليس "مبادئى" ، فالجماعة نالت من تورتة الثورة ما يزيد عن طموحاتها وتوقعاتها، وتريد ان تغلق صفحة الثورة للتفرغ لمزيد من مناغم الثورة فى انتخابات النقابات ومجلس الشعب، لكنها ستشارك "مضطرة" حتى لا تبدو وكأنها الوحيدة الخارجة عن الاجماع الوطنى.

***
فى النهاية يبقى السؤال : لماذا لا تتحول الجماعة من "محظورة" الى "قانونية" وتتحول الى "جمعية" تقدم أوراقها الى وزارة التضامن الاجتماعى وتحصل على رخص العمل القانونى فى مصر؟ الاجابة لن تفعل الجماعة ذلك لأن تمويل الجمعيات يخضع للرقابة ، وما ادراك كم التمويل الذى ياتى للجماعة ومن أين ياتى؟ كما أن أحد شروط إشهار الجمعيات عدم الاشتغال بالسياسة. فهل تتحول الجماعة الى جمعية؟ اشك فى ذلك كثيرًا!!