بقلم: هند مختار
 دائمًا ما تشغلني فكرة الأصالة في الفن، بمعنى ما هو المعيار الذي يجعل من هذا الفنان نجمـًا أو تلك الفنانة نجمة مهما مر الزمن، وما الذي يجعل العمل الفني -أي عمل فني متجدد- لايبلى يحقق المتعة في كل مرة نشاهده؟؟

 أعتقد أنه لا يوجد معيارًا محددًا، ولكن توجد شروط في اعتقادي لو تحققت للقائمين على العمل لحققوا الأصالة، وهذه الشروط هي الثقافة، وسعة الأفق، وفهم واحترام لقيمة الفن المُقدم، وأن تكون للفنان القدرة على أن يرى ما لا يراه الآخرون، وفي النهاية أن يعبر عن الناس فيقدم الفن منهم ولهم.

 فناننا اليوم هو ملك مملكة الفن المصرية الممتدة في الزمن، هو القدير الرائع "فريد شوقي"، الذي استطاع خلال أكثر من نصف قرن من الفن أن يحافظ على نجوميته وتوهجه الفني، وأن يظل ملأ السمع والبصر، وحتى بعد وفاته ترك لنا فراغـًا لا يستطع أحد أن يملأه؛ لتظل مملكة الفن المصري بملك واحد فقط حيـًا وميتـًا.. هو "فريد شوقي".

 "فريد محمد عبده شوقي" المولود في 1يوليو سنة 1921م، بحي "السيدة زينب" بالقاهرة، وعلى الرغم من ملامحه المصرية الشديدة، وخفة الدم المصرية الصرفة؛ إلا أننا لو دققنا في ملامحه جيدًا لوجدنا فيها الأصل التركي؛ فجديه لأبيه وأمه من أمهات مصريات وآباء أتراك، فجده لوالده "عبده بك شوقي" كان موظفـًا في قصر عابدين، وهو من أب تركي وأم مصرية، وجده لوالدته هو "محمد بك أسعد" المهندس بالسودان، أيضًا من أم مصرية وأب تركي، ولهذا نلمح فيه الأصل التركي حيث الجسد الضخم، والشعر الناعم، والهيئة التي تميز الأتراك، هذا بخلاف حركته الأرستقراطية والتي تلمحها طبيعية في الأفلام التي كان يؤدي فيها دور الشرير وإبن الذوات.

 أما عن خفة الدم المصرية والروح المصرية المأخوذة من أصله المصري؛ فتجدها في ملامحه وقفشاته "وشرف أمي"، ورفعة الحاجب الشديدة المصرية.

 في بداية المقال تساءلت عن سر الأصالة في الفنان وذكرت الثقافة كأساس هام، وقد حقق الفنان العظيم "فريد شوقي" هذه الثقافة، فـ"فريد شوقي" تعلم في "مدرسة الناصرية"، التي حصل منها على الابتدائية ثم التحق بمدرسة "الفنون التطبيقية" وحصل منها على الدبلوم، هذا من ناحية الدراسة.

 أما من ناحية الثقافة فوالده "محمد عبده شوقي"، والذي كان يعمل مفتشـًا بمصلحة الأملاك الأميرية بوزارة المالية؛ فقد كان خطيبـًا مفوهـًا من أعضاء الوفد المصري المتحمس لـ"سعد زغلول"، حتى أن "سعد زغلول" أطلق عليه لقب "بلبل السيدة زينب"؛ بالإضافة إلى أن سجلات أول معهد حكومي للتمثيل في مصر يوجد بها اسم "محمد عبده شوقي" سنة 1930.

 وعلى هذا يكون الطفل "فريد" قد تلقى ثقافة سياسية عالية، وثقافة فنية، بالإضافة إلى التعليم الفني أيضًا وحياته الإنسانية وسط حي شعبي مصري يضم جميع الطبقات الاجتماعية، مما سنراه واضحـًا بعد ذلك على أداءه لمحتلف الشخصيات.

 تعلم "فريد شوقي" التمثيل وتذوق جمالياته على يد والده، ومن خلال فريق تمثيل مدرسة الفنون التطبيقية، والتي كان يشرف عليها الفنان "عزيز عيد"، وقد عمل "فريد شوقي" في فرق مسارح الهواة، وعمل ككومبارس في فرق "نجيب الريحاني"، و"جورج أبيض"، و"فاطمة رشدي"، و"علي الكسار"، هذا بحلاف أنه كان يعمل موظفـًا مع والده في مصلحة الأملاك الأميرية بعد أن حصل على الدبلوم.

 وحتى وإن كان يعمل موظفـًا فإن هذا لم يمنعه من أن يؤسس مع أصدقاءه "أحمد الجزيري" والأخوان "علي وعبد الرحيم الزرقاني" و"كمال إسماعيل" و"عبد الحميد جاويش" -هواة اليوم ونجوم الغد- فرقة "تارتبطة القومية" لهواة التمثيل في مكان من غرفة واحدة في شارع "الشيخ البقال"، وتكون أول مسرحية لهم بعنوان "الضحية"، من تأليف "علي الزرقاني"، وقد عُرضت المسرحية في على مسرح "بريانتانا" بشارع "عماد الدين"، وقدمت الفرقة مسرحية أخرى من إخراج "أنور وجدي"، واشترك في تمثيلها "زوزو حمدي الحكيم" و"إحسان الشريف".

 واستكمالاً منه لفكرة الثقافة التحق "فريد شوقي" بالمعهد العالي للتمثيل، والذي أُفتتح سنة 1945، وكان في أول دفعة التحقت بالمعهد، وحصل على الدبلومة في التمثيل؛ فاستقال من الوظيفة ليتجه للبحث عن الاحتراف.

 رشحته شخصية "الجلف" التي نال عنها الدبلومة من معهد التمثيل، والتي نجح فيها أن يقدم أدوار الشر، ويقوم "يوسف بك وهبي" بترشيحة للقيام بأدوار الشر التي كان يقوم بها "محمود المليجي" في مسرحياته.

 "فريد شوقي" ليس فقط ممثلاً كبيرًا.. بل منتجـًا أيضًا ومؤلفـًا، ولأنه كان يرى ما لا يراه الآخرون؛ فقد كتب وأنتج فيلم "جعلوني مجرمًا" من إخراج "عاطف سالم"؛ ليحدث إنقلابًا في القانون المصري، وليصدر قانونًا بإلغاء السابقة الأولى من تاريخ مرتكبيها.

 أول أعمال "فريد شوقي" السينمائية كان فيلم "ملاك الرحمة" مع "يوسف وهبي" سنة 1946، وكان من إخراج "يوسف وهبي"، ثم فيلم "ملائكة في جهنم" سنة 1947 من إخراج "حسن الإمام".

  قدم "فريد شوقي" أدوار الشر وأدوار مكافح الشر وأدوار الكوميديا؛ مثل "صاحب الجلالة الحب" مع "فطين عبد الوهاب"، وقدم أفلام الأكشن والأفلام التاريخية مثل "عنتر بن شداد"، و"أمير الدهاء"، والأفلام الاجتماعية، وقدم المسلسلات التليفزيونية مثل "البخيل وأنا"، و"صابر"، وقدم مسرحيات عديدة مثل إعادته لتراث "الريحاني" في مسرحية "الدلوعة"، و"30 يوم في السجن" وغيرها.

 حتى الآن لو سرت في شوارع وسط البلد، وبالتحديد 36 شارع "شريف" سوف تجد مكتب أفلام "فريد شوقي"، والذي خرجت منه العديد من الأفلام القيمة، على رأسها "باب الحديد" من إخراج "يوسف شاهين"، والذي أصبح الآن مكتب لابنته المنتجة "ناهد فريد شوقي"، ولكنها لم ترفع يافطة "أفلام فريد شوقي" من على المكتب.

 بعد نكسة يونيو توجه جميع الفنانين إلى لبنان، أما هو فقد توجه لعمل أفلام في تركيا، وقد نجح فيها نجاحـًا باهرًا.

 من الألقاب التي خصل عليها لقب "ملك الترسو"، وكان يعتز به كثيرًا، و"وحش الشاشة"، و"أبو البنات"؛ فقد تزوج ثلاث مرات الأولى من السيدة "زينب عبد الحميد" أم ابنته "منى"، والثانية من الفنانة "هدى سلطان" وأنجب منها "ناهد" و"مها"، والثالثة من "سهير ترك" والدة ابنته الفنانة "رانيا" و"عبير".

 كان "فريد شوقي" لا ينتظر النص الجيد؛ فإذا لم يأتيه يبحث عنه؛ فإذا لم يجده كتبه، وليحترم "فريد شوقي" مراحل عمره المختلفة ليظل وهو في السبعينات ملك النجوم، حتى يخلو عرش الفن من ملكه في نفس شهر ميلاده في 27 يوليو سنة 1998.

 ويظل السؤال المعلق؛ هل يوجد بين نجومنا مَن يستطيع أن يصل لهذه الدرجة من الأصالة؟