بقلم: هند مختار
"يا من تذهب سوف تعود"
"يا من تنام سوف تصحو"
"يا من تمضي سوف تبعث"

إنه فيلم يستحق أن نقف عنده طويلاً جدًا، ونركز فيه جيدًا، ونستوعبه، ونجعله دليلاً ومرشدًا لنا في فهم معنى كلمة "فيلم سينمائي عالمي"... ففي نظر الأغلب الأعم من المتلقين للسينما، الفيلم العالمي هو الفيلم الهوليودي بنماذجه الخارقة للعادة، وفتياته الجميلات، ومناظره الساحرة، وأجوائه الأجنبية..

ولكن العالمية لها مفهوم آخر، ومفهومها هو الآصالة، وإنه حينما نتحدث نتحدث بلغة واحدة عالمية هي لغة المشاعر التي يفهما كل البشر.. بالأبيات السابقة بدأ "شادي عبد السلام" رائعة السينما في العالم "فيلم المومياء"، أو كما يطلقوا عليه عند عرضه في الخارج (ليلة  عد السنين ) .. بسبب هذا الفيلم أُختير "شادي عبد السلام" من أهم مائة مخرج في تاريخ السينما من رابطة النقاد العالمية في "فيينا".

فيلمالمخرج شادي عبد السلام "المومياء" أُنتج سنة 1970 ، من تأليف وإخراج "شادي عبد السلام"، وعلى الرغم من مرور أربعين عامًا على إنتاج هذا الفيلم، الإ إنه لا يزال من الأفلام التي ترفع اسم "مصر" عاليًا في المحافل السينمائية الدولية والعالمية، ولا يزال الجمهور، ملهوف لمتابعة كل ما كُتب عنه، وكل ما يتعلق به من أخبار، ومن رؤية تصميماته ولوحاته، وكل ما فعله "شادي عبد السلام" الذي مات كمدًا مرة، وبالسرطان مرة ثانية سنة 1985؛ لأن وزارة الثقافة ظلت لمدة خمسة عشر  عامًا ترفض إنتاج تحفته الثانية "أخناتون" لتكلفته العالية..

هذا الفيلم جعل هناك ما يسمى بالسينما الإفريقية،  ووضع لها مكانًا على خارطة السينما في العالم.
 
لن أحكي هنا قصة الفيلم، فهي معروضة ومتاحة للجميع، بالإضافة إلى ان الفيلم عُرض فعليًا في التلفزيون، ويعرض من آن لآخر على القنوات الفضائية..
حينما حصل "نجيب محفوظ" على جائزة نوبل، كانت إبداعاته مستمده من الواقع المصري، ومن أجواء الحارة المصرية التي عاش بها، كان حصوله على الجائزة العالمية نابعًا من محليته الشديدة، وأصالته. وهذا ما فعله "شادي عبد السلام"، فقد استمد قصته من "مصر"، ومن الأجواء المصرية، ومن التاريخ المصري، على الرغم أن الفيلم حكايته تدور في نهاية القرن التاسع عشر..

و"شادي عبد السلام" من مواليد "الإسكندرية"- كالعادة تأتي المدينة الإستثنائية بالمبدعين الإستثنائيين- في 15 مارس سنة 1930 ، وتخرج من كلية "فيكتوريا"، والتي تخرج منها "عمر الشريف" والملك "حسين"..

  دخل "شادي" كلية الفنون الجميلة؛ لأنه كان يرغب في دراسة السينما، ولم يكن في "مصر" وقتها مكان يعلم السينما، هذا بالإضافة لإحتقار أهله لمهنة الفن عمومًا. وتخرج منها سنة 1955 قسم العمارة، كما درس أيضًا الدراما في جامعة "أوكسفورد"...

وكانت بدايته في العمل السينمائي مع "صلاح أبو سيف" في فيلم الفتوة، وكان دوره هو تدوين زمن كل لقطة فيتم تصويرها بالفيلم، وتحول إلى العمل في هندسة المناظر (مهندس ديكور في السينما) حينما عمل بالصدفة أيضًا مع "حلمي حليم" في فيلم "حكاية حب"، حينما تغيب مهندس المناظر لسبب ما فقام "شادي" بعمل الديكور الذي لفت الأنظار، وتعاقد معه الجميع بعد ذلك كمهندس ديكور للأفلام..

بعدها عمل "شادي" في العديد من الأفلام كمهندس ديكور، ومن الأفلام المصرية "وا إسلاماه"، و"رابعة العدوية"، و"شفبقة القبطية"، و"ألمظ وعبده الحامولي"، و"أمير الدهاء" ، و"بين القصرين" و"السمان والخريف"، و"الرجل الثاني"، و"صلاح الدين".

ثم جاءت له الفرصة ليعمل مساعدًا لمصمم الديكور "جوزيف مانيكيفتش" في فيلم "كليوباترا" إخراج "سيسيل دي ميل"، كما عمل كمستشار فني للمخرج البولندي "جيري كاواليروفيتش" في فيلم "فرعون".

حينما جاء الإيطالي "روبرتو روسيلليني" إلى "مصر"؛ ليصور أحد أجزاء فيلمه "صراع الإنسان مع الحياة"، عمل معه "شادي" كمستشار في هذا الفيلم عن هذا الجزء، وتوطدت العلاقة بين "شادي" و"روسيلليني"، والذي لولا الضغط الأدبي الذى مارسه "روسيلليني" لم يكن ليخرج هذا الفيلم للنور..

من العجائب على أرض العجائب "مصر"،  الموظفون المصريون، فلقد رفض القائمون على وزارة الثقافة المصرية عرض فيلم "المومياء"،  الذي أنتجوه في دور العرض التي يملكوها؛ بحجة أن هذا الفيلم غير جماهيري، ولن يحقق النجاح المرجو.

"نادية لطفي"، نجمة النجوم آنذاك، ولأنها فنانة فعلا، وافقت أن تلعب دورًا صغيرًا في هذا الفيلم،  وبدون أجر؛ تشجيعًا ودعمًا لهذا المخرج الموهوب، وكان معه على المستوى الحرفي مدير التصوير "عبد العزيز فهمي" صاحب الخبرة في فن التصوير والإضاءة، ومعلم الإجيال العبقري هو الأخر، ووضع الموسيقى التصويرية للفيلم الإيطالي "ماريو ناسكيمبين"..

قام "شادي عبد السلام" بإخراج أفلام أخرى،  ولكن قصيرة.. أشهرها فيلم "الفلاح الفصيح"،  والمأخوذة قصته عن قصة حقيقية للفلاح الذي أخذ يشكو للفرعون كيف أنه سرق، ويريد منه العدل، وقد نُشرت القصة في كتاب فجر الضمير لـ"جيمس هنري برستيد"..

ومن أفلام "شادى" الأخرى، "أفاق" و"جيوش الشمس"، وفيلم "الكرسي" عن ترميم كرسي الملك "توت عنخ آمون"، وفي يونيو سنة 1985 يموت "شادي عبد السلام" في "سويسرا" نتيجة عملية إستئصال ورم خبيث..

جاء له هذا الورم في إعتقادي نتيجة البيروقراطية التي مورست معه في أفظع أشكالها، بعد أن رفضت وزارة الثقافة لمدة خمسة عشر عامًا أن تُنتج له فيلمه الثاني عن الملك "أخناتون"، وها هي الآن وزارة الثقافة تستخدم فن "شادي عبد السلام" في الدعاية عن الفن السينمائي المصري..وعجبي!!