بقلم  المطران أيروثيؤس، مطران نافباكتوس وأجيوس فلاسيوس
نقلها الى العربية البروتوبرسفيتيروس أثناسيوس حنين

تشير ليتورجيا (قداس) القديس باسيليوس إلى "أنشقاقات الكنائس"، ويصلي  باسيليوس فى قداسه من أجل "كف شقاقات الكنائس". يذهب بعض اللاهوتيين المعاصرين، وانطلاقا من هذا النص الليتورجي ليؤكدوا ويجدوا تبريراً لإطلاق تعبير "كنيسة" على الجماعات غير الأرثوذكسية، هذا، في نظر اللاهوتيين المسكونيين الجدد، يعطيهم الحق في أن يلقبوا ويسموا ويقبلوا  كل المسيحيين، الذين هم خارج الكنيسة الواحدة والجامعة والرسولية على أنهم كنائس قانونية. يبدوا هذا الرأي، ولأول وهلة، على أنه منطقي.

لكن حينما نحلل القضية ونفحص الأمر سنجد أن مثل هذه التفسيرات لفكر باسيليوس، الوارد في القداس المعروفة باسمه، قد جانبها الصواب تماماً. أولاً وقبل كل شيء فإن نص صلاة "كف شقاقات الكنائس"، يتبعها فى نفس السياق تكملة الصلاة وهى: "أقمع سريعا ثورات البدع بقوة روحك القدوس". هذا يعنى أنه هنا فى النص ذاته يوجد تمييز وتمايز بين "الشقاقات" وبين "الإنشقاقات". من ناحية "الشقاقات" هي أوجاع وقتية ويمكن معالجتها و يجب أن تتوقف وتنتهى. ومن الناحية الأخرى "الإنشقاقات" هي نتيجة قيام البدع والهرطقات والتي يجب أن تنحل ويتولى قمعها الروح القدس بكل قوته، هذا لأن الهرطقات هي من انتاج الروح الشرير والقوات الشيطانية.

ومن ثم تتابع الصلاة في قداس القديس باسيليوس، بالقول: "من أجل تجميع المشتتين، وعودة الضالين والمخدوعين، وتثبيت الكنيسة الجامعة الرسولية". هذا يعنى أنه يوجد كنيسة واحدة مقدسة جامعة ورسولية، وأنه على "المخدوعون والضالون والمضللون والذين ابتعدوا عنها" أن يعودوا إلى أحضانها الدافئة. ومن لا يقدر أو لا يريد أن يميز بين الإنشقاقات والهرطقات، لن يقدر على فهم كلام  باسيليوس العظيم. وبهذا الشكل يُسيء تفسير كلام الاهوتي الكبير ويظلمه، كما يسيء تفسير ويظلم كل تراث الكنيسة الجامعة الواحدة.

يظهر تأكيد باسيليوس الكبير على وجود فارق كبير بين الإنشقاقات والبدع من القوانين التي وضعها والتي صارت قوانين الكنيسة الجامعة، وخاصة قانونه الأول الذى تم قبوله في مجمع بنثيكتوس المسكوني، وهذا معناه أن للقانون سلطة جامعة.

يميز باسيليوس الكبير، فى هذا القانون، بين الإنشقاقات الداخلية والهرطقات الخارجية والجماعات المتمردة التى تتكون خارج الكنيسة وبارادة شخصية ومزاجية. ويشرح قائلاً: "لقد لقب الآباء القدامى  أولئك الذين انشقوا وانفصلوا عن الكنيسة بشكل قطعي وتغربوا عن الإيمان الواحد بالهراطقة؛ بينما الإنشقاقات هى أولئك، وهم مسيحيون ارثوذكس، الذين تشاجروا فيما بينهم بسبب قضايا مختلفة يمكن حلها بالتواضع والتفاهم وإنكار الذات. أما فالجماعات المنفصلة هي أن يقوم قس متمرد أو اسقف متفذلك بتجميع قطيع من الناس الغير المتعلمين، غالبا، خارج الكنيسة وإيهامهم بأنه أسقف او كاهن قانوني ويمثل الكنيسة الجامعة".

حينما يصلى القديس باسيليوس الكبير في الليتورجية من أجل "توقف  انشقاقات الكنائس"، هو يقصد حالة الانقطاع المؤقت للشركة الكنسية بين بعض الكنائس داخل الكنيسة الجامعة والواحدة، لأسباب قانونية أو رعوية يمكن حلها وقابلة للشفاء، بينما  يصلى وبشكل مختلف تماما من أجل الهرطقات.
يؤكد هذا التمييز حينما يكتب بأن الآباء القدامى قد علّموا بعدم قبول معمودية الهراطقة، بينما يجب قبول معمودية المنشقين لأنهم لا يزالون في الكنيسة وقد انشقوا بسبب قضايا ومسائل يمكن شفائها.

يقدم باسيليوس العظيم التبرير الاهوتي لعدم إمكان اعتبار الهراطقة على أنهم أعضاء في الكنيسة ولهذا لا يمكن قبول معموديتهم، بالقول: "إن الذين أنشقوا عن الكنيسة وضلوا عنها، لاهوتياً، لا يملكون نعمة الروح القدس بسبب انقطاع الاستمرارية التاريخية فى علاقتهم بالروح العامل في مسيرة الكنيسة الواحدة".