(لعازر صديقنا قد نام) يوحنا 11
(Λάζαρος , ό φίλος ήμών κεκοίμηται)
(Our friend Lazarus sleeps)
(Lazare , notre ami , dort )

الأب أثناسيوس حنين -اليونان
وقعت على القرعة ’ مع نفر من أصدقائى الخوارنة اليونانيين  ’ أن نقوم بالخدمة الطقسية في المراقد كما يسميها العرب أو المنامات كما يسميها حكماء الصعيد .المدفن اليوناني ’ لمن لم يعاينه ’ يثير فيك شهوة الانطلاق مع المنطلقين مع سمعان الشيخ ’ جمال ما بعده جمال وتنسيق رائع بأيقوناتها الفصحية دوما ’  والكنيسة تتوسط المدفن في شموخ القيامة والحياة ’ , وأنت في ذهول ودهش تتأمل بل تشتم رائحة المدى واللانهائى  . يبدوا أن استقامة الرأي تظهر في كيفية التعاطى مع الأصدقاء الراقدين قبل الأحياء. ومن هنا نفهم السبب وراء تمسك المسيحيين الأوائل بذكر الموت الدائم والذى صار لهم مصدر حرية وحياة. لقد صار الراقدون  أصدقائى وتعزيتى وفشة خلقى أحيانا وصراعاتى وأنينى من أجل حياة العالم ’ لأن أفضل مكان تطل منه على العالم هو القبر ! ولهذا اختاره الله لخلاص العالم .. ألعل هذا انعكاسا لايمانهم التراثى الأصيل  بأن الجسد أيضا يحمل صورة الله وليس النفس فقط ولهذا وقف اليونانيون وقفة رجل واحد أمام بدعة (حرق الموتى ). اناجيهم ويناجونى ويحاكونى وأحاكيهم وأستلهمهم ’ فيستكتبونى ’ لأنهم ان لم يستكتبونى فأنا أشقى جميع الناس ’ كما كتب يوما المطران الرائى والمخطوف دوما جورج خضر .

  أتأمل ما كتبه الأهل والأصدقاء على المنامات. أذكر ما أستطعت عمالقة اللاهوت ممن علمونا وعاشرناهم وشركاء الدرب الذين رحلوا (بكير) حسب تفكيرنا .اللافت هو أنك تجد كافة الأعمار ’ فهناك من رقد أو نام شبعان أيام (مائة سنة وفوق )’ وهناك من نام في ريعان الشباب وهناك الأطفال الصغار الذين لم تتفتح بعد أذهانهم على الدنيا ومباهجها ودناياها . معظم حالات الرقاد بين الشباب والصبايا في عمر الزهور وريعان الصحة والجمال الرومى الذى جعل المحتل العثمانئ يفقد صوابه .نقول معظم الأسباب وضعية وهى حوادث السير وتصادم السيارات أو مرض الملكوت كما يسميه الأقباط .حقا لقد تعددت الأسباب والموت واحد كما يقول العرب .ولكن ما كتب الموت علينا حسب التراث المستقيم ولهذا فلا معنى لصبغ صبغة الهية على الموت العارض ’ فالله لا يميت أحد . يتفق فقهاء المسيحية شرقا وغربا على أن الله لم يصنع الموت بل دخل الموت الى العالم بالحسد والغواية والخطيئة حسب العهد الجديد والليتورجيات  .رأينا اليوم في رقاد لعازر وعلى لسان السيد أن السبب العرضى أي المرض ’ ليس للموت ’ بل لأجل مجد الله ’ ومع ذلك مات لعازر بعدها بقليل ’ اذن حتى الموت هو تمجيد لاسم الله . لقد قدم بولس الرسول الحل اللاهوتى والخرستولوجى والناسوتى لمعضلة الموت رابطا أياها بموت المسيح وسكنى روحه فينا أي روح الحياة وعربون القيامة (وأن كان روح الذى أقام الذى اقام يسوع من الأموات ساكنا فيكم فالذى أقام المسيح من الأموات سيحيى أجسادكم  المائته أيضا بروجه الساكن فيكم )رومية 8 :11 ومن هنا فان من يموت في حادث ليس أقل قداسة ممن يموت على سريره ولا مبرر للحزن اليأس في الحالة الأولى ولا في الفرح الشامت في الحالة الثانية ’(نسمع من يقول يا بخته أو يا بختها مات أو ماتت على سريرها !!!) لأن جميعهم رقدوا في الرب.

وحينما نقول (جميعهم ) لا نقولها من قبيل المحسنات البديعية ’ بل هي حقيقة لاهوتية وناسوتية اذا جميع البشر أغصان في الكرمة حسب شرح كيرلس الكبير ليوحنا الحبيب . هناك من يقبل عصارة الكرمة فيحيا ويثمر ’ وهناك من يرفض عصارة الحياة فيموت قبل أن يقطع ويلقى في النار .المسألة مسألة حرية اختيار وليس اجبار .هذا اذ لم نذكر من يقضوا في حوادث الطائرات والحروب!.هذا لا يلغى بأي حال الحزن الشفوق والمعتدل والقارئ لعلامات الزمان الأنى والاتي والعاكف على كلمة الحياة .لأن يسوع بكى على صديقه لعازر . الله لم يخلق الموت لأنه حياة ’ الموت دخل الى العالم بحسد أبليس أي بالخطيئة. يسألك الناس في المدفن ’ ليه ؟ أشمعنا ؟ يلجأ بعض الوعاظ الى العهد القديم ’ وينسبون لله جهالة ويصورونه الها غاشما وطاغية يميت من يشاء ويحيى من يشاء ! العهد القديم لا يفيدنا هنا كثيرا ’ أولا لأن القيامة فيه قليلة أو منعدمة وثانيا لأنه يؤمن بالسببية الشمولية أي أن الله سبب كل شيء ’ ولم يتعاطى نظريات النسبية الفلسفية وحرية الانسان في الاختيار التي أعلنها العهد الجديد والتي تعاطى معها المسيحيون وبسببها قاوموا حتى الدم الهرطقات التي تعبث بحرية الانسان وكرامة نفسه وجسده ورصانة عقلة وحريته وتسلمه الى اله مونوفيزيتى غاشم وأحول العينين! لا يوجد مجال للمقارنات أو التذمرات والعتابات ’لأن هناك رجال عظماء دينا ودنيا ولاهوتا وناسوتا وسيدات وصبايا فاضلات وزوجات وازواج أثمانهم تفوق اللألى ’ قضوا أو رحلوا في حوادث عادية ويومية ولم ينسب ذويهم الى الله جهالة ’ بل شكروا وسجدوا وسلموا. أذكر ’ على سبيل المثال لا الحصر ’ أستاذنا ومدرس  الباترولوجى في جامعة أثينا ستليانوس بابادوبلوس والذى رحل عنا ’ فجأة ’  نتيجة حريق شب في البيت وهو يعد القهوة ويعيش حالة أختطاف في معية الأباء واللاهوت يقرأ ويكتب ويخرج لنا جددا وعتقاء ’ نام في عز عطائه ونشاطه وتم دفنه في جبل أثوس وأعطوه اسم جراسيموس الراهب !’ والبروفسور نيقولاؤس نيسيوتس ’ من أكابر اللاهوتيين الأرثوذكس في العالم والذى رجل نتيجة حادث مروع بسيارته الجاوار .ولا أنسى البطريرك بتروس بطريرك  الروم الارثوكس في مصر وأفريقيا والذى مات في حادث طائرة هليكوبتر سينوك وهو في طريقه للسجود في جبل أثوس ورئيس أساقفة اليونان السابق خرستوذولوس والذى سافر الى السماء  ببطاقة سفر مرض الملكوت وغيرهم من العشرات بل والالاف من الذين تقدسوا بالآلام الفصحية. وكما لا يفرق الموت بين الأعمار والمناصب والفقر والغنى ’ فهو لا يفرق بين البشر والمواهب  فالعظماء ممن غيروا وجه الحياة وأضافوا لمسات الهية بابداعاتهم وأسهارهم ’ رقدوا’ ولكن ابداعاتهم صارت لنا حياة ولهم خلودا وقيامة ! ويرى المطران خضر بأننا ورثة هؤلاء’ أيا كانت ركائبهم ومللهم وعشائرهم ’  هؤلاء الأدباء والمفكرين والعلماء الذين يمدوننا بتراث وصلوا اليه بالتنقيب والبحث والتعب والسهر والشعر والأدب وكل أنواع الفنون والثقافة. ومن هذا المنظار ’ يرى سيادته’ بأن يحل لنا أن نقول أن المتنبى وشكسبير وبتهوفن وأمثالهم ما ماتوا’ لهم تعبيرهم في الملكوت وامتداد تعبيرهم في الأرض.(راجع ’ وجوه غابت ’ رؤى في الموت . بيروت 2009).

يتبقى أن نؤكد أننا نحن المسيحيون لا نؤمن بخلود النفس ’ هذا ايمان فلسفى يونانى قديم دخل خلسة ’ مثله مثل الكثير من الأفكار ’ الى الفكر المسيحى بينما المسيحيون نيام !. نحن نؤمن بقيامة الجسد ( ونترجى قيامة الموتى وحياة الدهر الأتى ) كما ترتل الكنيسة  قانون الايمان النيقاوى. ويلاحظ الذين يصلون بالروح والحق أن قانون الايمان يبدأ بشكل شخصى (أؤمن  باله واحد ...) ومن ثم ينتهى  باندماج الأنا في شركة الجماعة ’جماعى (وننتظر قيامة الموتى ...) الايمان الشخصى ليس مبرر للانفصال عن روح الجماعة وشركة الكنيسة ’ كما أن الايمان الجمعي في الكنيسة ’ ليس مبررا لقمع المواهب وسيطرة القلة ! الغير الموهوبة في الكثير من الأحيان والتي لها صورة الحياة ’ وهم أموات! بلا إله عنده يرزقون! لأنه في هذا وذاك  موت روحى وأجهاض لمشروع ملكوت الله على الأرض .  الطريق ’ كما بشر به يسوع ’  هو طريق حياة الشركة وشركة الحياة معا في انتظار الملكوت الأتى والذى نعاين عربونه في الافخارستيا (هنا والأن ).ويظهر هذا الغنى الروحي والإنساني واللاهوتي من خلال صلوات الجنازة والتريصاجيون والتذكارات والتي ينادى بعض الجهلاء منا بإلغائها !هنا يتحول الكون والدنيا والخليقة من مكان النوح والعويل والشوك والحسد والدود الذى لا يموت ’ كما نسمع من ندابين وندابات  اليوم على الفضائيات ’ نقول يتحول ويتجلى الكون والخليقة الى (افخارستيا ) حسب المطران يوأنس زيزيولاس مطران برغاموس فى كتابه (الخليقة كأفخارستيا).ويصير الانسان الجديد هو كاهن الخليقة الجديدة وعربونها (هنا والان ).