Εμείς καί οί Θειές Ακτίστες Ενεργιές
(حينما تهدأ الأوجاع الناسوتية في الصوم السيدى الكبير ’ وقتها تنحدر علينا نعم الطاقات اللاهوتية واللمسات الروحية)

الاب اثناسيوس حنين
المسيحيون الأوائل ويتقدمهم الأنبياء والرسل والأساقفة والمؤمنين في الكنيسة الناشئة استلموا ثقافة لاهوتية لفظية أي قائمة على الكلمة التى يرسلها الله على لسان الأنبياء في القديم (الله بعد ما كلم الأباء بالأنبياء قديما )عب 1 . بينما هم يعيشون في ثقافة لاهوتية صار الكلمة فيها جسدا في المسيح يسوع ( في الأيام الأخيرة كلمنا في ابنه ...)عب 1 ’ أي فى جسده ’ وبالتالي جسدنا ’صار هيكل ومنبر الله الأب هنا على الأرض وموضع راحته . وهكذا سكنت فينا أي في جسدنا المائت ’الكلمة الألهية الحية بغنى حسب الحبيب يوحنا والرفيق بولس .وفى ترجمة أخرى اقام الكلمة خيمته وسطنا أي أنه وبينما الخيمة القديمة قامت بالكلمة الشفاهية ’ فالخيمة الجديدة صارت هي الكلمة هي جسد المسيح . لقد صار المسيح خيمة اجتماعنا الجديدة وحسب بولس فان الخيمة تشير الى الجسد. الفارق شاسع بين القديم والجديد والمسافة كبيرة والهوة عميقة بالرغم من كل محاولات تضييق الهوة بالتأمل والبحث اللاهوتى في العهد القديم .السؤال الذى شغل المسيحيين بعوامهم وعلمائهم ’ وما زال ’ هو كيف نقيم علاقة مع الله في العهد الجديد بعد أن عرفناه بعض المعرفة في العهد القديم ؟. كان لابد للكنيسة المسيحية من خمس قرون من الصراع والدرس والبحث وأربع مجامع مسكونية غير المجامع المكانية  لكى ما تصل الى تعريف لاهوتى لمن هو اله المسيحيين وما هي مداخل ومخارج علاقة المؤمنين به وعلاقته هو بالمؤمنين وغير المؤمنين ؟.

لم يكن الهم الاساسى هو إعطاء تعريفا نظريا فلسفيا لله او للثالوث ’ حتى ولو للضرورات التبشيرية والرعوية استخدموا اللغة الفلسفية السائدة ’بل جل همهم وشغلهم الشاغل هو الخبرة والعشرة والعبادة والقداسة أى ان السؤال كان ما هي علاقه كل ذلك بنا نحن البشر .هل لنا علاقة ما مع الثالوث ’ مع المسيح ’ مع الروح القدس ؟ وما هي حدود هذه العلاقة ؟ هل هي علاقة لفظية وكلامية وعاطفية وناموسية أي قانونية ؟ أم علاقة كيانية ووجودية واتحادية وافخارستية ؟ قدم بدايات الحل لهذه المعادلة الصعبة اللاهوتى يوحنا (الله لم يره احد قط ’ الابن الوحيد الذى في حضن الأب هو خبر أو شرح وفسر حسب النص اليوناني).لقد شغلت هذه القضية المفصلية في حياة المسيحيين اللاهوتيين والاباء الرعاة والأساقفة زمنا طويلا.

وبينما أقامت وقدست المؤمنين الساجدين بالروح ’ فقد أسقطت الهراطقة المتشامخين بالذهن .حينما أصر الأباء على إنسانية المسيح الكاملة ولاهوتيته التامة ’ لم يكن هذا جدلا بيزنطيا ولاوجع راس فلسفيا ’ بل كانوا يبحثون عن مكانا تسند عليه البشرية رأسها على صدر السيد .حينما أصر مكسيموس المعترف في القرن الخامس ’ودفع رأسه ثمنا ’على كمال ناسوت المسيح بمشيئة إنسانية تامة بل وكل ما هو انسانى انوجد فيه في اتحاد مع كل ما هو الهى اى مشيئة الهية تامة ’ كان يشغله العلاقة التي سيقيمها المسيحيون مع مخلصهم ورب نعمتهم. تنتج عن هذه الخرستولوجية نتائج كبيرة على السلوك الانسانى في الحياة والكنيسة والواقع اليومى .من أين لبولس أن يفتخر أنه قد حارب وحوشا في أفسس الا اذا كان متحدا وملتحفا ولابسا لاهوت المسيح القائم من خلال جسده أي ناسوته (راجع كورنثوس الأولى 15 )’ من أين للأباء القدرة على تنظير العلاقة بين المسيحية والدولة وقضايا المجتمع وثقافته بدون ادراك كامل لحقيقة العلاقة بين الناسوت  واللاهوت . رأى الأباء الهرطقة على أنها تخريب لقضية خلاص الانسان وشركته في اللاهوت في المسيح بالروح القدس. الهرطقة تفسير عقلانى لخبرة وجودية ومصيرية  .هذه هو التفسير الوحيد والبسيط للثالوث .

وهنا وفى وقت متأخر أنار الروح الكنيسة وبعض أبناؤها من العلماء والاباء لكى ما يطرحون قضية الطاقات اللاهوتية المنحدرة من اللاهوت من فوق من عند أب الأنوار من خلال ناسوت المسيح المتحد باللاهوت والروح القدس الذى هو طاقة السوط الذى طرد به المسيح الباعة من الهيكل حسب الأباء . على من تنحدر هذه الانيرجيات اللاهوتية ؟ على ناسوت المسيح وبالتالي علينا نحن الذين صرنا فيه ’ أي أعضاء من لحمه ومن جسده بالمعمودية والمسحة والافخارستيا والزواج والنسك والبحث والحوار .ناسوتنا صار ناسوت المسيح ولاهوت المسيح صار لاهوتنا .ولأن المسيح هو الانسان الوحيد االذى حل فيه ملء اللاهوت جسديا حسب بولس في غلاطية فقد صار حلول اللاهوت فينا أمرأ حقيقيا وليس خيالا دوكوتيا أي شبه له فينا كما قال الهراطقة قديما وحديثا . وهنا يأتي الروح القدس ليأخذ من الله الاب في المسيح طاقات ومواهب وعطايا وهمسات ولمسات وأنات ويسكبها علينا .هنا لا وقت عند المؤمنين للانشغال بقضايا عقلانية وفذلكات ذهنية وخرافات عجائزية مثل التي نسمعها ونراها ’ بل هم في سعى دائب لتشغيل الطاقات اللاهوتية فيهم لتنتج ابداعات لاهوتية ولياقة روحية وترتيب كنسى والهامات ثقافية وانسانية .يسميهم التاريخ (المتألهون العقول) والتعبير ورد في كتاب (التريويدون) الدليل الروحى واللاهوتى الذى يصلى به الروم في الصوم الكبير ص 126 .

لا يوجد وقت ولا  طاقة لطرح الأسئلة التافهة التي لا طاقات لاهوتية فيها ولا إعلانات ’والتي صارت تاج خجل كبير على رؤوس المسيحيين كبيرهم وصغيرهم . الطاقة حسب قاموس لامبى الابائى هي الحركة الكامنة في الجوهر وهى التي تعلن عن قوة الجوهر وحضوره . اكليمنضس في المربى يرى ان الطاقة هي الايمان الذى دعينا اليه نحن المسيحيون ولا يوجد تناقض بين الاوسيا والبراكسيس أي بين الجوهر والعمل الخارج منه وفى الرسالة الى سيرابيون يثبت اثناسيوس وحدة الاوسيا اللاهوتية في الثالوث  ووحدة الانيرجيا فلا فارق بين عمل الاب والابن والروح بل هم واحد في الانيرجيات وبالتالي واحد في الجوهر (قاموس لامبى ص 470-471 ). بعد التجسد ’ صرنا نثبت اللاهوتيات من الناسوتيات وليس العكس.لا فارق ولا مسافة بين الجوهر والطاقة عند الإباء وعند باسيليوس الطاقة هي قدرة الثيؤريا في النفوس النقية أي رؤية اللاهوت ظاهرا في كل حركات الحياة وهمسات الكنيسة وأنات النساك ومخاضات اللاهوتيين ومنابر الوعاظ والمبشرين واطلالات المثقفين .تصير الحياة كلها  لنا هي المسيح كله حسب بولس . شكلت وحدة اللاهوت بالناسوت في شخص المسيح أهم القضايا ليس من اجل دقة الالفاظ   الفلسفية ’ فنحن لسنا عبيد اللفظ كما كان يكرر دائما طيب الذكر اللاهوتى المختبر والذى حول طاقات الروح فيه الى شهادات وابداعات وحوارات ومحبات ومحجات واقصد الدكتور الطيب الذكر جورج عوض إبراهيم ’ بل من أجلنا ومن أجل خلاصنا لابد أن يكون المسيح واحد يجمع فيه كل طاقات الله النازلة وكل طاقات الانسان الناهدة.

والتطبيق الليتورجى خير دليل حينما تدعو الكنيسة على لسان الكاهن الشعب أن (نضع قلوبنا فوق ) ويجيب الشعب بثقة ( هي عند الرب ) ولهذا نحن نخرج من الليتورجيا كالأسود حسب الذهبى الفم  .وهنا يأتي الأثر الاجتماعى لهذه الرؤية للطاقات اللاهوتية النازلة على الانسان ’ فهى ليست حكرا على المسيحيين ’هنا سيغير موقف المسيحيين من قضايا المجتمع والانسان ’ سيرون كل انسان مشروع لعمل طاقات الله فيه بحكم انه مخلوق على الصورة الإلهية حسب سفر التكوين . سيستأئرون كل فكر لطاعة المسيح .سينسكبون حبرا خلاقا على الورق (حينما تكتب مقالا أو تؤلف او تترجم كتابا وتقرأئه انت مع القراء ’ أليس هذا اطلالة نعمة وطاقة الهية غير مخلوقة نازلة عليك في الكلمة المكتوبة !) فالله في المسيح يعمل إنسانيا والانسان في المسيح يستجيب لاهوتيا ’ وهذا هو دور الطاقات أو النعم أو المواهب او العطايا وقد سماها الكتاب المقدس أسماء كثيرة . ولكنها بعد التجسد لم تظل أسماء ’ معلقة في الهواء ’بل صارت افعالا وطاقات وتنازلات . نستطيع في هذا السياق ان نقول ان الاسرار الكنسية هي أيضا طاقات لاهوتية منحدرة على الكنيسة جسد السيد ’ وهنا تسقط كل الأسئلة الساذجة عن ماذا نأكل في الافخارستيا ؟ او ماذا يتم في المعمودية والاكليل ؟ أو هل صلاتنا لأجل الراقدين لها فائدة أ, كيف نتصرف في شئون الدنيا وهموم العلاقات  وغيرها من الاسئلة التي تملا الفضاء أو العالم الافتراضى حسب تعبير الصديق كمال زاخر ’تملأ الفضاء والميديا فراغا وحيرة !؟وغيرها من الأسئلة السطحية التي غالبا ما تخلوا من طاقات اللاهوت النازلة علينا من فوق ’ كما تهمش عمل الروح القدس  المبدع والخلاق !فى غياب طاقات اللاهوت النازلة علينا يصير تقديس الجهل أمرا حتميا مقدسا حسب كتاب أندرى روى الفرنسي (الجهل المقدس) وكما يغيب عنا أن الكتب المقدسة هي أنفاس وطاقات اللاهوت حسب الانطاكى اغناطيوس .وبدلا من أن نقرأها لنأخذ حياة وانيرجيا لاهوتية ’ نقرأها لنستجوبها باسئلة مفذلكة  لا تلمس الروح ولا تتوافق مع السياق اللاهوتى والناسوتى للكلمة الالهية ونخلط بشكل فج بين لاهوت الكلمة وناسوت النص !. يدرك كاتب هذه السطور  الصعوبة التي تواجه الاقباط علماء وعوام في فهم هذه القضية بسبب الانقطاع القهرى مرة والطوعى مرات عن مسيرة ونمو وتطور الفكر اللاهوتى بعد 451  . ولكننا نرى باقة من الشباب الواعد يبحثون ويتسألون ويسعون للحاق بقطار الفكر اللاهوتى السريع للفهم ولهم منا كل التحية والاجلال والدعاء ان يذوقوا قوة ونعمة وابداعات طاقات الله الغير الخلوقة واللاهوتية والنازلة علينا في المسيح بالروح القدس مصدر الابداع.