بقلم : د. فكرى نجيب أسعد 

كان القديس الأنبا أبرآم يحب الفقراء محبة فائقة حتى أنه لقب بصديق الفقراء ، فكان لا يميز نفسه عنهم ، وكان يعامل بحزم كل من يفرق بين الرعية على أساس الأمور المادية ، وتحول كل مكان يذهب إليه إلى ملجأ للفقراء ، وكانت جلسته المفضلة معهم على أريكة خشبية أمام دار المطرانيةولم يجلس فى الكنيسة على كرسى خاص بل على كرسى كسائر أولاده ، ولا يسمح لأحد ان يدعوه : " سيدنا الأسقف " . وكان يسر بدعوة أولاده له : " ابينا الأسقف " وكان شعاره : " الديانة الطاهرة النقية عند الله الآب هى هذه : إفتقاد اليتامى والأرامل فى ضيقتهم وحفظ الإنسان نفسه بلا دنس من العالم " ( يعقوب 1 : 27 ).

وكان رجل عطاء يعطى لآخرقرش لا يتحجج فى عطاءه بضعف الأمكانيات وزيادة الاحتياجات ومشاريع المستقبل ، يأخذ بالشمال ويعطى باليمين . وإن عطاءه لم يقتصر على خدمة الماديات فقط بل إلى ما هو أفضل بكثير وهو بناء النفوس روحياَ حتى أنه لقب أيضاَ برجل العطاء . فأن التعليم النقى السليم الذى تسلمناه من الكتاب المقدس دستور المسيحية يقتضى أن نهتم ببناء النفوس روحياَ ، وعمل الرحمة مع اليتامى ، والمساكين ، والأرامل ، والمرضى ، والجياع ، لأن فى ذلك إتمام لوصايا المحبة التى هى أعظم الفضائل .وتؤكد الأحداث بأن الله كان كثيراَ ما يرسل إلى القديس الأنبا أبرآم الكثير من العطايا ليوزعها على المحتاجين وكان الرب يرد أحياناَ ماسبق أن أعطاه وأكثر منها لينتهى الأمر بمزيد من العطاء وهو ما سأخصص له مقال بمشيئة الله .
 
وكان يتعامل مع الرعية على نفس منوال آبائنا الرسل الأوائل القديسين وعلى نفس منوال القديس الأنبا باخوميوس أب الشركة مع الرهبان الذي كان لا يميز نفسه عن الجماعة ولا أن يتميز أي فرد عن الآخرين فى شىء ويعمل على إزالة أسباب الانقسام والحسد ، فعاشت الكنيسة فى الفيوم والجيزة التى كان أسقفاَ عليها مثل العصور الأولى فى المسيحية وكما عمل المؤمنون قديماَ فى أيام الرسل ، إذ كانوا يأتون بأموالهم ويضعونها تحت أقدام الرسل ليأخذ كل مؤمن حسب احتياجه . وإذا تعارضت إحتياجات الرعية مع احتياجاته الشخصية كان يقدمهم عن نفسه . وكان يعيش أفقر فقراء عصره فى الفيوم والجيزة رغم أنه كانت تجرى بين يديه من أموال أكثر من معاصريه فى كل من الفيوم والجيزة . وأن تركته التى تركها بعد نياحته تؤكد بأنه كان غنياَ فى الروح فقيراَ اختيارياَ فى الماديات . وذاع صيته خارج مصر لدرجة أن أحد الأجانب جاء إلى مصر خصيصاَ لينال بركة هذا القديس ، لأن سيدة قابلته فى فرنسا وقالت له : " هل تعلم انه يعيش الآن فى صعيد مصر رجل قديس من طراز رسل المسيح القديسين ! " .
 
كان يحب قراءة الكتاب المقدس وقد شهد له الكثيرون بأنه كان عالماَ فى شرح آيات الكتاب المقدس ، وكان يجمع الشعب يومياَ ويقرأ لهم الكتاب المقدس ويفسر لهم الآيات التى تحتاج إلى تفسير وكان يردد مراراَ بابتهالات حارة كلمات داود النبى " قلباَ نقياَ اخلق في يا لله ، وروحاَ مستقيماَ جدده فى أحشائى . لا تطرحنى من قدام وجهك وروحك القدوس لا تنزعه مني " ( مز 51 : 10 – 11 ) ومن أقواله : " إذا صعب عليك فهم بعض الآبات من الكتاب المقدس فعليك بالصلاه ، فالروح القدس الذى كتب الكتاب هو الذى يفسره لك " .
 
كان صريحاَ إلى أقصى الحدود فى أبداء رأيه لا ينظر فيما يقول إلا إلى الحق ذاته . فتضائل عنده هيبة العظماء ومقامات الكرام أما هيبة الحق وجلاله . ولذلك كان مطارنة الكنيسة واساقفتها يتقون غضبه ويتمنون رضاه .
- عاش اشتراكياَ كسيده متمماَ وصية الإنجيل : " من له ثوبان فليعط من لس له ، ومن له طعام فاليفعل هكذا " ( لو 3 : 11 ) وكالأباء الرسل القديسين الذين كان كل شىء مشتركاَ بينهم .
 
أجرى الرب على يديه الكثير من المعجزات ، كالتى أجراها على يد أبائنا الرسل القديسين مثل : شفاء المرضى واخراج الشياطين ، واعتاد شعبإيبارشيته أن يأخذوا مناديل ولفائف القديسين من تلميذه لنوال بركة الشفاء بدون علمه بذلك . وأن حادثة حنانيا وزلوجته كثيراَ التى حدثت فى الكنيسة الأولى (اع 5 : 1 – 11 ) قد تكررت كثيراَ في عهده فكل من يأخذ شيئاَ من القديس بجدون استحقاق أو بكذب عليه يصيبه مكروهاَ .
تتلمذ على يديه الكثيرون من الأباء المشهورين ومن بينهم القمص عبد المسيح المسعودي الذى تتلمذ على يديه البابا كيرلس السادس الذى نحبه جميعاَ وصاحب المعجزات العديدة الباهرة والذى اعترفتبه الكنيسة مؤخراَ بأنه قيساَ مذكوراَ فى مجمع القداس الإلهى مع القديسين  فى عهد البابا تواضروس الثانى .
 
منحه الرب الكثير من الفضائل والمواهب الروحية وكان عابداَ على طراز عالى من المسيحية الحقيقية يجمع بين حياه الشركة وحياه الوحدة ، وقد سما إلى السياحة الروحية . ولقد وضعنه الكنيسة من ضمن صفوف القديسين ولقداسته أقامت الكنيسة كنائس ومذابح على اسمه المبارك داخل وخارج مصر ولقبته بقديس القرن العشرين .
سيوافق بمشيئة الله يوم 10 يونية من العام القادم 2014م العيد المئوى على نياحته ، وأنه يستحق فى هذه الذكرى العطرةأن نكرمه مع الرب فى إتحاد تكريماَ عظيما فمن يكرم الرب يكرمه الرب . 
ليت كل فرد منا يقطف ثمرة من ثمارحياه القديس العظيم الأنبا أبرآم ويعيشها بالعمل الصادق ، فبذلك نكون قد مجدنا الله من خلال قديسيه وونرفع قلوبنا إلى الرب بأن يكثر الرب من أمثاله .
بركة صلوات القديس العظيم أنبا أبرآم قديس القرن العشرين ورجل العطاء وصديق الفقراء فالتتحد مع صلواتنا جميعاَ آمين .