د. محمود خليل
على مدار عدّة عقود تتجاوز الثمانية تركز فكر الإخوان المسلمين حول شعار «الإسلام هو الحل»، بما يرتبط به من أفكار أساسية وتأسيسية. وبعيداً عن مسألة الجدل حول هذا الشعار، فقد دأبت الجماعة على تجميع مريديها حول مفهوم الدولة الإسلامية، التى تطبّق الشريعة وتتمثل التاريخ الإسلامى فى مراحله الأولى، وظلت الجماعة تُظهر هذه الأفكار الراسخة حيناً وتُبطنها حيناً طوال ما يزيد على ثمانين عاماً، تبعاً لتطور الظروف. فقد كان أفرادها، خصوصاً من القيادات، حريصين أشد الحرص على تطبيق مبدأ التقية. وربما فسر هذا الأمر حالة التلون وتمييع المواقف التى ميّزت أداء الجماعة. وقد ظل هذا التلون والتمييع سارى المفعول، حتى قامت ثورة الخامس والعشرين من يناير، فشاء الله أن تتبدّل بالأحوال القديمة، غيرها أخرى جديدة.

تمثل الجديد الذى أفرزته الثورة فى إخراج جماعة الإخوان من دائرة الملاحقة إلى دوائر صناعة القرار، ومن العمل فى الظلام إلى العمل فى النور، وبالتالى لم يعد هناك معنى للتلون فى تقديم الأفكار أو التمييع فى الإجابة عن الأسئلة التى تطرح عليهم حول تصورهم للمجتمع والدولة. فقد خلقت الثورة زخماً جديداً تعالت فيه كل الأصوات وأتيحت من خلاله مساحة لكل القوى لكى تعبر عن نفسها وعن أفكارها. وأمام هذا الاختلاف المرتكن إلى معادلة زمنية جديدة شرع رموز الإخوان فى طرح أفكارهم حول الدولة المدنية (فى الفترة من 2011 - 2013)، رغم تناقض ذلك مع فكرة الدولة الإسلامية التى تحلّقت الجماعة حولها سنين طويلة، وبدأوا يتحدثون عن الديمقراطية، رغم ما سبق وكالته أقلام بعضهم من نقد للديمقراطية كاختراع غربى يعطى الحكم للشعب ويرفض الانصياع لقاعدة «إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ». كل أو جل هذه الأفكار أصبحت تتكرر ليل نهار على ألسنة رموز وقيادات جماعة الإخوان المسلمين عبر وسائل الإعلام المختلفة. وهى أفكار تتناقض بالإجمال والتفصيل مع ما كانت تؤكده الأدبيات التقليدية للجماعة.

وفى ظل المعادلة الزمنية الجديدة التى أفرزتها ثورة يناير، لم يكن لعاقل أن ينظر إلى الأفكار الجديدة للجماعة كتعبير عن حالة التلون والمراوغة أو إعمال للمبدأ الإخوانى القديم فى التقية، كما يصعب القول إن الأفكار الجديدة تُشكل تحولاً أو تطوراً فى أسلوب أو منهجية الجماعة. إنها أفكار وجدت الجماعة نفسها مضطرة لتأكيدها فى زخم لم يعد يقبل الكلام الإنشائى والشعارات العامة التى احترف الإخوان توظيفها فى ما سبق. ظن بعض المغرورين فى الجماعة أن بإمكانهم إمساك العصا من المنتصف واللعب على كل الحبال فى سبيل تحقيق أهدافها فى التربّع على كرسى الحكم، لكنها لم تفلح وكل الذى حدث هو تآكل الشعار الذى تمحورت حوله الجماعة سنين عدداً، شعار «الإسلام هو الحل».

لقد أصبحت معادلة «الإسلام هو الحل» مجرد ذكرى، وبات الكثير من الأفكار التى تماسكت حولها جماعة الإخوان سنين طويلة مجرد تاريخ. ومن الطبيعى أن يؤدى تفكك الأفكار فى الزمن الجديد إلى تفكك البنى التنظيمية للجماعة، لأن تفكك الفكرة أخطر بكثير من تفكك التنظيم. لقد وضعت معادلة «الإسلام هو الحل» تحت الاختبار بعد أن وصل الإخوان إلى الحكم منتصف عام 2012، وأثبتت الجماعة فشلاً غير مسبوق فى إدارة دولاب الدولة، بعد سنين طويلة ظلت تنعى فيها على واقع سياسى يحتفى بالاشتراكية والليبرالية والرأسمالية، دون أن يفكر فى تجريب معادلة «الإسلام هو الحل». والتجربة كانت خير برهان على فشل الجماعة.
نقلا عن الوطن