إذا كانت أمريكا تنتوى صراحة عزل إيران وتحريض المجتمع الدولى ضدها بآليات سياسية واقتصادية وعسكرية فى الظاهر المعلن فإن السؤال الذى يطرح نفسه علينا هو: لماذا عادت واشنطن فى الأيام الأخيرة لتخفيف لهجتها ضد طهران وفتح قناة مباشرة للاتصال معها عبر الوسطاء العراقيين بينما تواصل دول الجوار جهود التعبئة استعدادا للمواجهة المباشرة المحتملة مع إيران؟.

أخشى أن أقول أن أمريكا هى آخر دولة فى العالم تريد الحرب ضد إيران وأنها على غرار ما استدرجت صدام حسين لحرب الـ8 سنوات ضد إيران تسعى لتكرار نفس اللعبة باستدراج الدول العربية والخليجية – تحديدا – لسيناريو مماثل يساعد على تلبية أهداف ومقاصد أمريكا فى هذه المرحلة، والمتمثلة فى إجبار إيران على رفع الغطاء عن حزب الله اللبنانى وإبعاد إيران وأذرعها فى المنطقة عن الملف الفلسطينى، وإعادة رسم الخريطة الجديدة للطاقة فى الشرق الأوسط من خلال إقامة شبكة أنابيب مؤمنة ضد الهجمات الإرهابية.

وعلى عكس البراءة السياسية للعالم العربى فإن إيران وواشنطن تتشابهان فى القدرة على ارتداء الأقنعة السياسية وإجادة إطلاق القنابل الدخانية الإعلامية التى تخفى الجوهر وتحجب الخيارات الخبيثة لكليهما عن مساحة الرؤية المكشوفة أمام الآخرين.

وأظن أنه قد آن الأوان لكى يخلع العالم العربى رداء البراءة السياسية وأن نفيق على الحقيقة التى تقول إن طهران يحكمها منذ مجيء الخمينى نظام براجماتى وعملى لا علاقة له على أرض الواقع بالخطاب الراديكالى الأيديولوجى، ومن يراجع ملف السياسة الإيرانية بدقة فى الـ 40 عاما الماضية سوف يتأكد أن السياسة الإيرانية مثل جبل الجليد لا يظهر منه سوى الجزء الطافى والعائم وهو الأقل خطورة.. وهذا ما يعرفه الأمريكيون ويظهر كقاسم مشترك فى أغلب الدراسات البحثية الأمريكية عن إيران، والتى ترى أن الاحتواء الإيجابى شرط أساسى لضمان استمرار الحلم الأمريكى فى بناء الشرق الأوسط الكبير الذى يمتد من البحر المتوسط إلى حدود الصين لاستيعاب الحالة النفطية بالكامل، فيما يشبه طريق حرير موازية لمشروع الصين الحالى بإعادة إحياء طريق الحرير القديم.

والخلاصة أن أمريكا لا تريد حربا مع إيران ولكنها لا تمانع فى حروب بالوكالة يقوم العرب بها نيابة عنها، لأن الأمريكيين يعرفون خطورة الموقع الجيوستراتيجى الإيرانى البالغ الحساسية بين الشرق الأوسط والداخل الآسيوى!.

وظنى أننا لن ننزلق إلى خطيئة حرب الـ8 سنوات التى ارتكبها صدام بسذاجة سياسية مازلنا ندفع ثمنها حتى الآن!.

خير الكلام:
<< سئل بن لقمان.. ممن تعلمت الحكمة قال من الجهلاء.. كلما رأيت منهم عيبا تجنبته!
نقلا عن الأهرام