لم يهبط التوكتوك علينا من السماء، أو حملته الجن إلى بلادنا على جناحها من الفضاء، أو استيقظ الناس من النوم ليجدوه منتشراً فى أنحاء المعمورة، شوارعها وحواريها وأزقتها، القرى والحضر، الطرق السريعة والبطيئة، الدائرى والمستقيم، الدولى والمحلى، حتى وصل إلى مداخل العمارات والبيوت، ويوماً سنجده رفيق الناس تحت غطاء واحد، التوكتوك ولادة شرعية من زواج مسجل ورسمى وعقد بين شعب وولى، التوكتوك لم يتسلل من المنافذ الرسمية تحت اسم مستعار، أو لبس طاقية الإخفاء، أو دخل متخفياً فى الجيب السحرى لشنط الركاب، بل دخل باسمه ورسمه، توكتوك طويل عريض وبعجل يسير عليه، ويمر أمام كل الموظفين وضباط الجوازات ومأمورى الجمارك، ويسدد الرسوم والجمارك المستحقة كاملة وبإيصال رسمى، شهادة ميلاده ليست مزورة أو مضروبة بل ممهورة بخاتم النسر المصرى، واضح وفى منتصف المستند وغير ممسوح، ولن ترد الشهادة لعدم وضوح النسر بمخالبه القوية الفتاكة، التوكتوك يباع فى معارض مرخصة على شوارع رئيسية تراها عيون المسئولين ليلاً ونهاراً، تتراص فى مداخل ومخارج المعارض، تسد عين الشمس، وتسدد عن بيعه الضرائب المستحقة وضريبة المبيعات والقيمة المضافة، محلات بيع قطع الغيار والورش ومصانع التجميع المحلى كلها ليست تحت بير السلم، بل كلها على شوارع ومبان عالية ومناطق صناعية، ومحلات مرخصة من الجهات الرسمية، ظاهرة للعيان وتحاسبهم مصلحة الضرائب على أرباحهم على أنها محلات ومصانع للتوكتوك، وليست مصانع ومحلات بيع طرشى أو مخلل. التوكتوك يا سادة موجود، وحى يرزق، ويعيش من تعبه وكده ملايين الأسر، ويساعد على انتقال ملايين البشر إلى أعمالهم ومصالحهم المختلفة، هذه حقيقة مؤكدة.

والحقيقة الثانية والمؤكدة أيضاً وعلى نفس المستوى، أن التوكتوك له من البلاوى والمصائب والكوارث ما يهدد أمن المجتمع وسلامته، وأضحى خطراً على شبابنا وسلامتهم، يدعونا إلى وقفه فوراً حفاظاً على الناس، وإعدامه فى ميادين عامة فوراً، أو حبسه مؤبداً فى السجون لا يرى الشمس يوماً، نختصرها فى هروب الأطفال من المدارس للعمل عليه وسط مباركة الأهل، تسلل الحرفيين وأصحاب المهن إلى العمل عليه وتركهم للحرف الهامة للمجتمع لسهولة الحصول على الدخل فى يسر وسهولة، السرقة والتحرش والاغتصاب وخطف الأطفال والكبار واستخدامه فى تجارة المخدرات والأعمال المنافية للآداب، والكثير من البلاوى التى لو فتحت للناس مجالاً لسردها كل واحد من الناس بمصيبة غير الآخر، ويكفيك أن تستقله لمرة واحدة لتعرف حجم الكارثة والمصيبة التى وصلنا إليها، التوكتوك يا سادة موجود وحى يرزق ويحول المجتمع إلى فوضى وعشوائية، وينذرنا كل يوم بكارثة تهدد أمن المجتمع.

نحن بين حقيقتين لا ثالث لهما، الحقيقة الأولى: أنه وسيلة المواصلات لقطاع عريض فى المجتمع وفى أماكن لا غنى عنها، وملايين الأسر المصرية تعتمد عليه فى حياتها ومأكلها ومشربها، والحقيقة الثانية: أنه مصدر للفوضى والعشوائية وتحت مظلته ترتكب كل الجرائم والموبقات، فما هو الحل؟ إذا كان الأمر بيدى فأنا بين خيارين كليهما مر، إلا أن الخيار الأول أمر وأقسى، الأول: إما التخلص من التوكتوك حفاظاً على المجتمع من الفوضى والعشوائية المفرطة، مع تعويض أصحاب الشأن التعويض المناسب وهو أمر فى غاية الصعوبة ويستحيل تنفيذه وهو حل صدامى مع الملايين من أصحاب المصالح والمنافع الشرعية، الثانى: ترخيص التوكتوك ووضع الضوابط المنظمة له فى قيادته وأماكن وجوده ومروره وتحصيل الرسوم والضرائب المستحقة عليه، وهو الحل الأمثل فى الوقت الراهن، إلا أن هذا المقترح يحتاج إلى دراسة أعم وأعمق، ومعرفة جوانبه وأبعاده وتداعياته وإيجابياته وسلبياته، حتى يكون القرار عاماً وشاملاً ومحدداً لا يترك فيه واردة أو شاردة إلا وأحاطها، أدعو إلى مؤتمر يضم نخبة من رجال الاقتصاد والاجتماع والأمن وغيرهم حسب الاحتياج، ويضم فى تشكيله ممثلين عن هذه القطاعات التى أشرت إليها، أصحابه، وأصحاب المحلات والمعارض والمصانع والمستوردين، على أن يطرح الأمر للنقاش العام ويخرج الجميع برأى يراعى فيه مصلحة الأمة أولاً، ومصلحة كل أصحاب الشأن ثانياً، لا يمكن ترك أمر التوكتوك على هذا النحو، الميت الحى، الصحيح العليل، الطيب والقبيح، الواقع والخيال، اللقيط وابن الناس، إما أن نذبحه ونشيعه إلى مثواه الأخير ونقيم له العزاء، وإما أن نرفع عنه غطاء القبح والفوضى والعشوائية ونفتح له باباً شرعياً للعمل والوجود حسب ما يقرره القانون بانضباط صارم، والأخير هو محل البحث والدراسة.
نقلا عن الوطن