نشوى الحوفى
ربما لا تجد علاقة بين طلاب الأزهر ورئيس جامعة القاهرة كما فى العنوان، ولكن شاءت الأقدار أن يكون كلاهما سبب حزنى وخوفى على مستقبل جيل سرعان ما سيخرج للمجتمع قائداً له أو متعاملاً معه.

وأبدأ معك من جامعة الأزهر التى كان لى فيها ندوة بين بعض من طلابها الذين امتلأ بهم مدرج كلية التربية يوم الثلاثاء الماضى، بحضور عدد من الأساتذة بالجامعة يتقدمهم نائب رئيس الجامعة الدكتور يوسف عامر. وهالنى حال غالبية الطلاب وأسلوبهم فى التفكير والتعبير عن الرأى حتى مع بعضهم البعض، فحينما بدأت الندوة بتلاوة أحدهم لبعض آيات القرآن ولم يكن مالكاً لموهبة التلاوة وأحكامها، هاجوا وصاحوا وقاموا من مقاعدهم يشوّحون له بأياديهم مطالبين بنزوله عن المسرح بطريقة لا تعبّر عن الاحترام لأى شخص ولا لامتلاكهم قواعد الاختلاف مع الآخر، فإذا كان هذا يحدث مع من يعرفونه فى مسألة ما فماذا يفعلون مع غيره لو اختلفوا معه فى قضايا خلافية؟!

حاولت الحديث معهم عن نظرتهم لأنفسهم، ومعنى الإنسانية وعلاقتهم بالوطن والتاريخ والانتماء، وحجم العثرات التى مرت فى طريق التاريخ المصرى وكيف تغلبنا عليها، وضرورة المقاومة لكل محبط وفاسد فى الحياة، لتستقيم الرؤية والهوية الراسخة فينا، وكيف أن جميعنا (مسلمين ومسيحيين) قبط، بالتاريخ والدين، وحجم التحديات التى تواجهنا، ومسار البشرية فى الصدام باسم العقائد، بينما السياسة والمصالح هى التى تحرك الجميع، وكيف أن عليهم ترك بصمة فى الحياة تمنحهم الذكرى فى الدنيا والجزاء فى الآخرة. ثم طلبت منهم إرسال أى سؤال يتراءى لهم، لتأتى الأسئلة معبّرة عن حجم الهوة فى الفهم والتواصل وتعبّر عما بداخل عقولهم لا عما سمعوه، فأصررت على الإجابة بالدليل لإزالة تشويش يعيشون فيه بين تاريخ يجهلونه، وحاضر لا يتواصلون معه، ومستقبل لا يدركون أبعاده.. حتى ما يظنون أنهم عالمون به من علوم دينية يقتصر على مظاهر لا ترقى لتغيير الفكر والسلوك. هل تصدقون أن أحدهم قاطعنى ليخبرنى أن معنى «سيماهم فى وجوههم» هو «زبيبة الصلاة» التى هى عدوى جلدية لا علاقة لها بالإيمان؟! هل تصدقون أنهم يرون أن النبى يونس لم يترك قومه يأساً من إيمانهم بينما القرآن يتحدث عن ذهابه مغاضباً؟! وغيرها من الأمور التى تؤكد وجود خلل ما علينا الانتباه له والتعامل معه، وبخاصة أن هؤلاء فى كلية التربية سيتخرجون ليعلموا جيلاً آخر من أبناء وطن نحيا فيه. علينا بالحوار معهم وتغيير نظام تعليمهم مع إزالة الحواجز معهم، فهم يؤمنون أن من هو خارج الجامعة يصفهم بالإرهاب. وحين سألت أحدهم: من قال ذلك؟ قال لى: «إعلامكم»! فأجبته أن سلوكه وفكره هما ما يحدد تطرفه من عدمه.

ثم جاءت واقعة فيديو رئيس جامعة القاهرة التى تصوره فى حفلة بحرم الجامعة يعلن فيها عن مفاجآته للطلاب المتعلقة بالإعفاء من مصاريف الجامعة والمدينة الجامعية لشهر رمضان ومنح 5% درجات رأفة، بينما يردد بين كل قرار وآخر كلمة «تحيا مصر»! فظهرت وكأنها رشوة للطلاب بشكل مسىء لأسباب كثيرة. أولها هيبة رئيس الجامعة الذى لم يكن بحاجة لحفل لإعلام طلابه بالقرارات «المفاجأة»، وكان يستطيع إصدارها وإعلام الطلاب بها فى كلياتهم والمرور عليهم فى المدرجات من باب الحوار والطمأنه والمتابعة، وثانيها أن هتاف «تحيا مصر» يجب ألا يرتبط بقرارات ذات علاقة بمصلحة شخصية لأى إنسان. فتحيا مصر بدون مفاجآت ومصالح واستفادة.. لتدرك حاجتنا لمسئولين يدركون معنى القيادة وكرامة المكان والانتماء لوطن بدون 5%.

نعم أدركت فى جامعة الأزهر خللاً فى تعليم يمنحنا عقولاً لا علاقة لها بالمجتمع، وأدركت مع رئيس جامعة القاهرة خللاً فى قيادات تعلم أجيالاً، فزاد خوفى على بلادى وأهلها ومستقبلهم.
نقلا عن الوطن