حمدى رزق
قالت الكنيسة الكاثوليكية، إن تقبيل البابا فرنسيس أقدام كل من رئيس جمهورية السودان «سيلفا كير»، ونائبه السابق، الذى تحول إلى زعيم للمتمردين «ريك مشار» وثلاثة نواب آخرين، علامة يطلب بها البابا السلام من أجل جمهورية جنوب السودان.
 
 قداسة البابا بهذه الانحناءة التاريخية يلغى كل أنواع البروتوكول الفاتيكانى فى تعبير على رغبة عارمة فى إحلال السلام الذى هو هم من أى اعتبارات بروتوكولية أخرى.
 
جد مذهل وصادم مشهد انحناء بابا الفاتيكان فرنسيس يقبل أحذية قادة جنوب السودان ليحثهم على وقف الاقتتال ونزيف الدماء ونشر السلام فى غابات الجنوب، التى تعانى شظفا وجوعا ومرضا وتموت الأطفال فى أحضان أمهاتها وهى تتضور للحليب الذى جف فى الصدور العجفاء.
 
صورة تاريخية تعيد رسم صورة السيد المسيح عليه السلام يغسل أقدام تلاميذه قبل العشاء الأخير، صورة ستظل عالقة فى الذاكرة الإنسانية طويلا، صورة تفوق الخيال نفسه، حتى خيال رسامى الكنيسة فى العصور الوسطى، صورة تستاهل تخليدا فاتيكانيا، وقبلها تخليدا إنسانيا، ترشح هذه الصورة العظيمة البابا فرنسيس لجائزة نوبل للسلام.
 
لعلهم يفقهون، بابا الفاتيكان يرسم صورة مغايرة لرسالة رجل الدين فى عالم ينتحر حربا، وينزف دماء، ويزهق الأرواح، انحناءة فى وجه آلة الحرب الصماء، التى تقتل فينا أعز ما فينا، فى وجه ريح صرصر عاتية تهلك الحرث والنسل، والله لا يحب الفساد فى الأرض.

لا يستويان، شتان بين صورة بابا الفاتيكان يقبل الأحذية طلبا للسلام، وصور التهديد والوعيد والترهيب الذى يمارسه نفر ممن يرتدون مسوح الدين، وينشرون البغضاء والكراهية ويحضون على الانتقام والثأر والقتل باسم الأديان، والأديان من كراهيتهم براء، الأديان رسالات سلام ومحبة وتواضع واتضاع ورحمة واسترحام.
 
البابا رسم بصورته صورة لرجل الدين الحقيقى الباحث عن السلام ولو كلفه الأمر تقبيل الأحذية فى مشهد تاريخى، صورة لرسالة الدين رحمة بالبشر، يبلغ البابا فرنسيس الرسالة فى صورة صادمة، غير متخيلة، لعلها تغير عالم يقتات الكراهية، ويتبضع الحروب، ويحصد الأرواح، وينفق على انتصاراته الموهومة المتوهمة إنفاق من لا يخشى الفقر.
 
جد صادمة صورة البابا فرنسيس لأصحاب العقول الضعيفة، فطفقوا رافضين، مذهلة لأصحاب النفوس الشريرة فتجمدوا حائرين محيرين، ما هذا الذى يصنعه رجل ضعيف بانحناءة أمام آلة الحرب، ومبهرة للمؤمنين برسالة الأديان فى سعادة الإنسان.
 
لمن يظن فى نفسه بعض من خيلاء، فليتضع اتضاع البابا وتواضعه نموذج ومثال، صنع بصورته طريقا مرصوفا أمام رجال الدين فى كل الأصقاع، أن يتنزلوا رسل سلام إلى الأرض، وأن يتمثلوا الرسل والأنبياء يمشون بين الناس، داعين بالسلام، مبشرين بالخصب والنماء، ويقولون فى الناس حسنى وزيادة.
 
ما أقدم عليه البابا نعم فوق خيال المتخيلين، فوق خيال المتحاربين، فوق خيال حتى رجال الدين المعتمدين فينا، خيال ما أقدم عليه البابا فرنسيس اتساقًا مع تعاليم السيد المسيح عليه السلام، لو تفرغ رجال الدين لرسالة السلام ما أصابت طلقة كبدا، وما نزف إنسان، ولعم السلام أرض السلام.
 
البابا فرانسيس الذى جبل على غسل الأقدام المتعبة من وعثاء طريق الحياة فى طقس موقوت وتسجله الكاميرات، يقبل أقدام أمراء الحرب حتى يتوبوا عن سفك الدماء، ويقلعوا عن الحرب، ويستقيموا على الطريق السليم لسعادة البشرية، التى أنهكتها الحروب وأحالت الحياة إلى شقاء فى غابات الجنوب.
نقلا عن اليوم السابع