«الدوحة»، العاصمة القطرية، كانت على موعد بين المسئولين القطريين وقيادات من الإخوان المسلمين، منهم «الغريانى» مفتى ليبيا المعزول، والمقيم حالياً فى تركيا، لتنظيم دخول فلول الدواعش والتنظيمات الإرهابية العائدة من سوريا والعراق إلى ليبيا.

انتصارات الجيش الليبى بقيادة «حفتر» وسيطرته على الشرق والجنوب الليبى، وبسط نفوذه وهيمنته على مساحات كبيرة من الحدود الجنوبية الجزائرية ومنها مدينة «غات» ومنطقة «العوينات»، تجعل عرقلته وتعطيله من حكومة «السراج» فى طرابلس ومن النظام فى قطر والإخوان فى تركيا أمراً مهماً وحيوياً، وإلا سيمتد نفوذه ويبسط سيطرته على كامل الأراضى الليبية، ومنها آبار النفط التى تسيطر عليها حكومة الوفاق الوطنى فى طرابلس. دخول «حفتر» إلى طرابلس الغرب ونجاحه فى ضمها إلى مناطق سيطرة الجيش الليبى، يعنيان إقامة الدولة الليبية دون حكومة الوفاق المعترف بها رسمياً، ونهاية الإرهاب فى ليبيا الذى يسيطر على طرابلس وما حولها، وهى جيوب فى متناول يده بعد سيطرته على طرابلس، باستثناء «مدينة مصراتة»، أكبر القلاع الإرهابية فى ليبيا. وهى «المربع الذهبى للإرهاب»، تبعد عن طرابلس مائتى كيلومتر مربع، ومعقل الجماعات الإرهابية التى تتعايش مع بعضها على بركان خامل هادئ، وتنظم وتنسق صفوفها وقواتها معاً، تمهيداً لشن غاراتها على كامل ليبيا، رجال المخابرات من دول شتى تنتشر فى مصراتة، من الروسية والإيطالية والفرنسية والبريطانية والأمريكية والعربية، أموال وسلاح الإرهاب يتدفق على التنظيمات الإرهابية فى مصراتة، يطلقون على مصراتة «إدلب ليبيا» آخر وأصعب قلاع الإرهاب فى سوريا، وكانت آخر المعارك هناك. دخول طرابلس وفتحها يحرض الميليشيات فى مصراتة على اللحاق بقوات السراج «بركان الغضب» الذى يرد على هجوم «حفتر»، ويحاول عرقلته من الدخول إلى طرابلس، القتال يدور حول المطار وحول طرابلس ولم تحسم هذه الجولة بعد. لماذا لم يبدأ حفتر بقلعة الإرهاب فى «مصراتة» وهى معقل ومدد الإرهاب إلى طرابلس؟

وللإجابة عن هذا السؤال، الأمر الأول: طرابلس العاصمة، ودخولها والسيطرة عليها انتصار سياسى، يدفع الجيش إلى السيطرة على أنحاء البلاد بسهولة ويسر، الأمر الثانى: تفريغ مصراتة من الميليشيات المقاتلة، وسحبهم خارج حدود مصراتة، عند خروجهم وانضمامهم تدريجياً إلى قوات السراج، الأمر الثالث: ضم مقاتلين جدد من قوات السراج إلى قوات حفتر بعد السيطرة على طرابلس، وهو أمر أكيد، فالمؤيدون لـ«حفتر» فى طرابلس من مقاتلى السراج أعداد لا بأس بها.

ليبيا، للأسف، إن لم ننتبه، مهيأة جغرافياً لضم كل الإرهابيين العائدين من سوريا والعراق، مأوى واسع شاسع فى وسط العالم العربى يهدد الجميع، هى «أفغانستان العرب» المقبلة، لو خرجت لن تعود كأفغانستان، يتم تجهيز مسرحها لهذه المهمة، مساحات شاسعة، كثافات سكانية محدودة، يمكن زرع مدن إرهابية كاملة دون اعتراض، أموال من بيع النفط لا حصر لها، ولم يكن أمام الجيش الليبى سوى دخول معقل الإرهاب وتجمعاته فى طرابلس وما حولها، لوقف هذا المسلسل الرهيب والمصير المدمر. الجماعات الجهادية تعلن عن نفسها صراحة «سرايا الدفاع عن طرابلس» وتخرج من مخابئها فى مصراتة وما حولها، وتعلن انضمامها إلى قوات «السراج» فى مواجهة الجيش الليبى. مجلس الأمن يدعو الأطراف المتقاتلة إلى وقف القتال، ووقف هجوم حفتر على طرابلس، بريطانيا تعلن غضبها من حفتر، ولطالما كانت غاضبة دوماً من كل الضربات الموجهة والموجعة إلى الإخوان الابن المدلل على الحق أو على الباطل، فرنسا مؤيدة لحفتر فلطالما واجهت ضربات موجعة من الإرهاب المقبل من ليبيا، أمريكا تعلن سحب جنودها من ليبيا، والمتحدث باسم الجيش الليبى يعلن عن مفاجأة، وجود قوات أمريكية عسكرية فى طرابلس، لكنه لم يعلن عن اشتراكها فى المعركة الدائرة، إلا أن مطلب وقف القتال ينطبق عليه مَثل «سبق السيف العذل»، اللعب بين جميع الأطراف على المكشوف، فإما حفتر وإما السراج، إما ليبيا خالية من الإرهاب، أو حكومة الوفاق فى طرابلس وقلعة الإرهاب فى مصراتة، إما دولة مستقرة أو حرب أهلية أو التقسيم، كل ما يدور فى المنطقة الآن مرتب ومجهز ومعد سلفاً، وليس من خيار أمامنا سوى اعتبار الحدود بيننا وبين ليبيا حداً واحداً، والجبهات بيننا جبهة واحدة، والأجواء جواً واحداً، ومن قال إنه تدخُّل فى الشأن الداخلى الليبى فهو مضلل ولا يعرف أن أمن البلدين واحد، ووقوع ليبيا فريسة للإرهاب تهديد واضح ومدمر لأمن مصر، ومنها إلى دول أخرى، وإذا كان المصير واحداً فإن القرار واحد ويظل كذلك، دون مهادنة أو مسايسة، لن نلتفت لما يقال فنحن ماضون فى دحر الإرهاب هناك كما ندحره هنا، ونمنعه من الدخول هناك كما نمنعه من الدخول هنا.. هنا طرابلس من القاهرة.
نقلا عن الوطن