الأقباط متحدون - كتاب جديد: الإخوان والغرب..كيف انتهت الأموال البريطانية إلى خزائن الإخوان؟
  • ١٧:٥٧
  • الثلاثاء , ٢٠ مارس ٢٠١٨
English version

كتاب جديد: الإخوان والغرب..كيف انتهت الأموال البريطانية إلى خزائن الإخوان؟

٢٧: ١٢ م +02:00 EET

الثلاثاء ٢٠ مارس ٢٠١٨

كتاب جديد
كتاب جديد
وثيقة سرية : البنا «حذر» و«ماكر» يختفى وراء قناع من البساطة
الحرب العالمية الثانية كانت حاسمة فى المرحلة التكوينية للجماعة
شبه البريطانيون الشكل التنظيمى للإخوان بالجماعات النازية الفاشية
استبعاد استبدال حزب الوفد بتنظيم «ظلامى ضيق الأفق»
 
يقول مارتن فرامبتون فى كتابه «الإخوان المسلمون والغرب: تاريخ العداوة والإرتباط»، الصادر قبل أيام عن مطبعة جامعة هارفارد الأمريكية، إن سنوات الحرب العالمية الثانية كانت حاسمة فيما يتعلق بالمرحلة التكوينية لتنظيم الإخوان المسلمين. فقد عزز التنظيم وزعيمه حسن البنا اللعب على التناقضات بين القصر والملك فاروق من ناحية، والأحزاب السياسية وعلى رأسها الوفد والسعديين من ناحية ثانية، والسفارة البريطانية فى القاهرة من ناحية ثالثة، والألمان والإيطاليون من ناحية رابعة. وأقام علاقات مع كل هذه الأضداد، بعضها فى العلن وبعضها فى السر، مثل الاتصالات بين البنا ومساعديه مع مسئولين سياسيين أو عناصر مخابرات بريطانية. وفى تحالفاته المتضادة والمتضاربة هذه ضمن التنظيم إبقاؤه بعيداً عن التطويق، و استفاد مالياً وسياسياً من كل هذه الأطراف.
 
ويلقى فرامبتون، عبر المئات من التقارير والوثائق الجديدة، الضوء على الاستراتيجية التى اتبعتها الحكومات المصرية فى الأربعينيات حيال تنظيم الإخوان والتى يلخصها المسئول الوفدى البارز أمين عثمان بـ«قتل الإخوان بالعطف»، أى مواصلة تقديم إعانات للتنظيم وفتح القنوات معهم كوسيلة لمراقبتهم والاستفادة من براجماتية حسن البنا المعروفة.
 
كما يروى فرامبتون أن أمين عثمان أخبر البريطانيين أن «الإعانات المالية المقدمة من الوفد إلى الإخوان المسلمين سوف تدفعها الحكومة سراً وستطلب بعض المساعدة المالية فى هذا الأمر من السفارة البريطانية».
 
 
‎الحرب العالمية الثانية خيمت على التوازنات الداخلية فى مصر
ومع ذلك كان السفير البريطانى فى القاهرة مايلز لامبسون أبعد ما يكون عن الثقة فى الأهداف الحقيقية لتنظيم الإخوان وزادت مخاوفه بسبب التواطؤ العلنى بين التنظيم وحكومة على ماهر باشا، ومقاومة ماهر محاولات تطويق التنظيم الذى كان يستخدمه هو والقصر لضرب حزب الوفد.
 
ومع استمرار رفض الملك فاروق تعيين حكومة جديدة برئاسة زعيم الوفد مصطفى النحاس، لجأ البريطانيون إلى خيار الحسم وفرضوا النحاس فرضاً على الملك عندما حاصرت الدبابات البريطانية قصر عابدين فى أحداث 4 فبراير 1942، اثر تهديد الملك فاروق بالخلع بعدما تمت كتابة خطاب تنحيه وتسليمه للملك فى قصر عابدين بطريقة مسرحية.
 
وفى مواجهة ذلك، تراجع فاروق ووافق على استدعاء النحاس لتشكيل الوزارة. وهكذا، أصبح 4 فبراير 1942 يوم عار لكل القوميين المصريين.
 
لكن منذ اللحظة الأولى لتولى المنصب، واجه النحاس صعوبات. فقد وجد رئيس الوزراء الجديدالملك فاروق فى مزاج عدائي. ودخل الطرفان فى مواجهات دائمة وتحدى الملك الشاب النحاس اينما استطاع. وخرج النحاس منتصراً امام الملك فقط فى المسائل التى تدخل فيها البريطانيون لدعمه بشكل مباشر أو غير مباشر. لكن مقابل هذا الدعم، كان البريطانيون يريدون أن يروا تحركاً من النحاس ضد تنظيم الإخوان الذى بات عسكرياً بشكل متزايد، إلى جانب اعلان الحكومة المصرية بشكل واضح وصريح وقوفها مع الحلفاء خلال الحرب، إضافة إلى تحرك النحاس ضد على ماهر الذى وصفه لامبسون بأنه «جذر كل مشكلاتنا».
 
كانت الحرب العالمية الثانية فى أوجها والقاهرة تشهد تظاهرات مؤيدة لدول المحور،فيما القوات الألمانية بقيادة روميل على مشارف مصر.
 
وفى اعتقاد السفير البريطانى لامبسون كان الوضع شديد الخطورة لا يحتمل التأجيل.فقد كان يرى أن القصر شكل تحالفاً ضد البريطانيين يستخدم فيه تنظيم الإخوان، وأن البنا وتنظيمه يمكن أن يخرجوا من تحت السيطرة لأن لهم حساباتهم الخاصة.
 
وما كان يريده السفير البريطانى من النحاس هو مواجهة هذا الخطر.
 
لكن آمال لامبسون فى النحاس كانت قصيرة الأمد. ففى يومياته قبل أقل من أسبوع من تعيينه رئيساً للحكومة، يصف لامبسون النحاس، فى مذكراته المؤرخة 10 فبراير 1942 بـ«العنيد وصعب المراس».
 
الملك فاروق والنحاس باشا علاقات سادها التوتر
 
 
فقد أراد النحاس، إطلاق سراح بعض المعتقلين من بينهم أحمد حسين زعيم حزب «مصر الفتاة»، لكن البريطانيين رفضوا، كما أثار انزعاجهم أن النحاس لم يحبذ اعتقال على ماهر باشا، بل إبقاؤه رهن الإقامة فى مزرعته.
 
نهج التوفيق والاستمالة
 
لكن المصدر الأكبر للقلق البريطانى كانت التقارير حول ازدياد الاستياء داخل الجيش المصرى بعد أحداث 4 فبراير.فقد اعتبر لامبسون أن الوضع هناك «خطير للغاية»، خاصة بعد تقارير مفادها أن «رابطة سرية» قد نشأت داخل الجيش المصرى رافضة للاحتلال البريطانى، وسط تلميحات بأن الملك فاروق نفسه قد يكون متورطًا فى تأسيسها. وقد أثار لامبسون الأمر بشكل سرى مع النحاس. وأبقى البريطانيون مراقبة عن كثب لضباط الجيش الأصغر سنا، على وجه الخصوص (ص 75).
 
كان السفير لامبسون مقتنعاً «بسوء سلوك الإخوان»،وأعرب عن أمله فى أن النحاس سوف يلعب دوراً فى التصدى لهم. لكنه على غرار خلفه، سرى باشا، بدا النحاس متردداً فى اتخاذ إجراءات صارمة ضد البنا وتنظيم الإخوان.
 
بدلا من ذلك، استقر حزب الوفد على نهج مفاده محاولة التوفيق واستمالة الإخوان. فلم يسمح لحسن البناالبقاء مطلق الحرية فحسب، بل سُمح له فى البداية بالترشح فى الإسماعيلية فى الانتخابات البرلمانية التى جرت فى مارس 1942.
 
وترشح البنا مع 16 عنصراً من الإخوان، ثم سحبوا ترشيحاتهم بعد تفاهم مع النحاس كجزء من صفقة تتضمن اتخاذ بعض القرارات مثل منع بيع الكحول فى رمضان، مقابل نشر البنا رسالة مفتوحة إلى الحكومة فى صحيفة «الأهرام» يعلن فيها الولاء لكل من الحكومة ومعاهدة 1936 بين بريطانيا والحكومة المصرية، وهو ما فعله البنا.
 
لكن صفقة البنا مع النحاس والوفد، أدت إلى سحب القصر والملك فاروق دعمه لتنظيم الإخوان. كما تعرض البنا لانتقادات واسعة النطاق من العديد من أعضاء التنظيم الذين اعتبروه «مستسلماً ومخادعاً». وظهرت تقارير باحتمال حدوث انشقاقات فى التنظيم، لكن البنا سرعان ما عزز سيطرته مجدداً على التنظيم. كذلك كان سخط القصر على الإخوان والبنا عابراً. ففى أبريل 1942، علم البريطانيون أن الملك فاروق قد استأنف دعمه للإخوان.وإلى جانب ذلك ظهرت تقارير حول اتفاق بين البنا ومحمود النقراشى (نائب زعيم الحزب السعدي).
 
وكهذا بحلول أوائل صيف عام 1942 ، بدا أن تنظيم الإخوان قد عزز من تفاهماته مع جميع أطياف المشهد السياسى فى مصر. فقد أقام تفاهمات براجماتية مع الملك والقصر والسعديين وباقى الأحزاب، كما أقامت تفاهمات براجماتية مع البريطانيين والايطاليين والألمان.
 
وكانت الصفقة مع النحاس بمثابة انتصار آخر لنمط السياسة البراجماتية للبنا. وبات بإمكان التنظيم التركيز الآن على توسعه الخاص بعدما بات يتمتع بدرجة غير مسبوقة من الحماية السياسية من القصر والوفد والسعديين وباقى الأحزاب والبريطانيين.
 
 
 
إدوين تشابمان-أندروز
 
 
ويقول فرامبتون إن هذا هو السبب فى أن الإخوان ظلوا محل خلاف بين البريطانيين وحكومة النحاس.
 
أموال بريطانية للإخوان عبر حكومة النحاس
 
وفى منتصف أبريل 1942، التقى السفير لامبسون وموظفوه فى السفارة بالمسئول الوفدى البارز أمين عثمان لمناقشة جماعة الإخوان «النشيطة بشكل خطير».
 
وأوضح عثمان نهج حكومة النحاس فى التعامل مع التنظيم، قائلاً إنها «الطريقة الأكثر حكمة للتعامل مع الإخوان كى لا يعملوا فى الخفاء»، وسعى عثمان لطمأنة البريطانيين بأن الحكومة مستعدة لاعتقال عناصر التنظيم إذا ما تطلب الأمر.
 
ويقول فرامبتون إن الوثائق البريطانية تظهر أن رئيس المخابرات العسكرية البريطانية، البريجادير كلايتون، الذى حضر الاجتماع، اقتنع بهذه الحجة لكنه حذر من أن النحاس «يجب أن يكون حذرا إزاء تقوية التنظيم، بقصد أو بغير قصد، واتخاذ موقف أكثر قوة حياله».
 
ورغم دعوة البريطانيين للتضييق على الإخوان، حاجج السياسى الوفدى البارز أمين عثمان أنه يمكن «قتل الإخوان بالعطف». أى مواصلة فتح القنوات بينهم وبين حكومة النحاس كوسيلة لمراقبتهم والاستفادة من براجماتية حسن البنا المعروفة.
 
وأخبر عثمان البريطانيين أن «الإعانات المالية المقدمة من الوفد إلى الإخوان المسلمين سوف تدفعها الحكومة سراً وستطلب بعض المساعدة المالية فى هذا الأمر من السفارة البريطانية». (ص 78)
 
ويقول فرامبتون إن هذا الأمر مذهل لأنه مرة أخرى يظهر احتمال الدعم البريطانى الفعلى للإخوان مع تدفق أموال لهم عبر الحكومة المصرية. ومع أنه من الصعوبة معرفة حجم المدفوعات، إلا انه يوضح أنه يبدو من المرجح أن الأموال التى قدمها البريطانيون لحكومة النحاس قد انتهى بها المطاف فى خزائن جماعة الإخوان المسلمين.
 
وكان السؤال الرئيسى هو ما إذا كان النهج التوفيقى لحكومة النحاس قد ينجح الآن فى كبح جماح الإخوان. لكن بنهاية عام 1942 ومطلع 1943 شهد البريطانيون أدلة قليلة تدعم مثل هذه الفكرة. ففى سبتمبر، استخدم تنظيم الإخوان ثروته الجديدة لإطلاق صحيفة أسبوعية «الإخوان المسلمون» بدعم من حكومة النحاس.
 
ومع تقدم القائد الألمانى روميل فى صحراء العلمين، شارك طلاب الإخوان فى مظاهرات مؤيدة للألمان.
 
وتقول أحدى البرقيات البريطانية إنه على الرغم من سعى حسن البنا للتعبير بشكل خاص عن أنه «يرغب فى تجنب الصراع مع الحكومة أو معنا» (البريطانيين) إلا أن أنشطة التنظيم السرية كانت مختلفة.
 
كانت هناك تقارير تفيد بأن حسن البنا تفاخر أمام أتباعه بخطط الجماعة للقيام «بتخريب للسكك الحديدية واسع النطاق».
 
وجددت السفارة دعواتها للعمل ضد التنظيم. وكان الدبلوماسيون مسرورين برؤية فرض حظر مؤقت على اجتماعات الإخوان المسلمين والتهديد باتخاذ إجراءات أخري. لكن هذا لم يدم طويلاً.
 
فبعد فترة قصيرة، التقى النحاس مباشرة بحسن البنا وتم ترتيب «تسوية» جديدة بينهما.
 
ويقول فرامبتون إن تقريرا بريطانيا خاصا أعد حول هذا الاجتماع رأى أن حسن البنا أصر على أن حركته حركة دينية بحتة، ولا ترغب فى أن تكون سياسية.
 
ووعد البنا أن الإخوان لن يعقدوا اجتماعات فى القاهرة وتعهد بدعم حكومة النحاس. مقابل ذلك طلب أن يسمح للتنظيم بمواصله ما وصفه بـ « العمل الدعوى».
 
ومع ذلك، وكما أشار البريطانيون، فإن هذا العرض اقترن بتهديد مبطن منه. إذ قال البنا إنه حتى لو رفضت الحكومة الصفقة، فإن تنظيم الإخوان سيواصل أنشطته فى كل الحالات.
 
وفى ديسمبر 1942، أنتجت المخابرات العسكرية البريطانية تحليلاً مطولاً كاشفاًحول التنظيم تحت عنوان «الإخوان المسلمون...إعادة نظر».
 
وتقدم هذه الوثيقة، كما يوضح فرامبتون، قدرا كبيرا من التفاصيل حول الطريقة التى نظر بها البريطانيون إلى التنظيم وتطوره خلال الحرب العالمية الثانية.
 
وتوضح الوثيقة من نواح عديدة، مدى ارتباك تفكيرالبريطانيين حيال التنظيم . كما تتضمن الوثيقة معلومات خاطئة من بينها أن التنظيم تم تأسيسه 1930. وتحتوى أيضاً على أوصاف لاذعة للبنا من بينها أنه «حذر» و«جبان»، و«أولئك الذين التقوا به يكون لديهم انطباع بأنه شخص ماكر طموح يختفى وراء قناع من البساطة».
 
 
ووصفت الوثيقة الإخوان بـ«منظمة متطرفة»، ذات «رؤية متشددة». كما كانت هناك إشارات إلى «الدعم المعنوى والمادى» الذى حصلت عليه من على ماهر باشا والقصر. أيضاً قارن المسئولون البريطانيون الشكل التنظيمى للإخوان المسلمين بتنظيم «الجماعات النازية الفاشية».
 
وكان البريطانيون يعتقدون أن أعضاء الإخوان متورطون فى التخطيط لأعمال تخريبية فى البنية التحتية والاتصالات الحيوية. ولفتت الوثيقة إلى تقارير أن التنظيم طور «فرقا انتحارية»، وذلك بعدما زعم البنا فى سبتمبر 1941، أن لديه 2000 رجل مسلح تحت تصرفه.
 
كما تحدثت الوثيقة عن استعداد التنظيم للعمل مع الالمان والإيطاليين. وتضمنت احتمال صعود التنظيم كمنافس للوفد على السلطة فى المستقبل. لكن هذه النقطة بالذات كانت محل خلاف عميق بين المسئولين البريطانيين.
 
فقد عرض السفير لامبسون وجهة نظر أكثر تشككاً فيما يتعلق بالنظرة طويلة المدى للإخوان. ففى رأيه، بينما لم يكن هناك أى شك فى «جاذبية» التنظيم لـ«المسلمين المتدينين البسطاء»، فإن رؤيته المتشددة لتنظيم المجتمع والسياسة، لا تتناسب مع تيار التحديث الصاعد فى مصر.
 
وكان لامبسون يعتقد أن «جاذبية»التنظيم تعتمد أساساً «على كراهية الأجانب»، واعتبر أنه «من غير المحتمل أن يتم استبدال حزب وطنى كبير مثل الوفد بمثل هذه التنظيم الدينى الظلامى ضيق الأفق».
 
وفى يناير 1943، وتحت ضغط السفير البريطانى أعادت حكومة النحاس فرض حظرها على جميع لقاءات التنظيم فى القاهرة، باستثناء تجمع أسبوعى واحد يمكن من خلاله مناقشة الموضوعات الدينية فقط.
 
لكن البنا أبدى رغبته فى التوصل إلى تسوية جديدة مع الحكومة. وفى الوقت نفسه أعطى إشارات إلى أنصاره لإعلان مواقف أكثر تشدداً كوسيلة للضغط على النحاس.
 
المراوغة التكتيكية
 
ومرة أخرى، بدا أن هذا النهج المراوغ من قبل التنظيم يؤتى ثماره. فقد أشار النحاس لاحقاً إلى استعداده لرفع القيود عن الإخوان، شريطة أن يقدم البنا اعتذاراً علنياً عن انتقادات سابقة لحزب الوفد. كما كان مطلوباً من التنظيم المشاركة فى الدعاية الحكومية، وتقديم تنظيمهم وشئونهم المالية إلى إشراف وزارة الداخلية. ولم تكن هذه الشروط واضحة فى ذهن البنا، ولذا سعى إلى المراوغة من جديد على أمل تأمين مقابلة مع النحاس لتحسين شروط التفاهم. لكن مرض النحاس وخلافات داخل التنظيم نفسه، ثم انتقادات مكرم عبيد باشا للنحاس وإصداره «الكتاب الأسود» حول ممارسات الفساد داخل الحكومة، حالت دون ذلك.
 
ولاحظت المخابرات البريطانية آنذاك أن قادة فروع معينة من تنظيم الإخوان بدوا مستعدين «لأخذ القانون بأيديهم» إذا لم يتم فتح مقارهم.
 
ورغم قلق لندن من ضعف النحاس فى مواجهة التنظيم، ومتاعب النحاس السياسية، شعر البريطانيون بأنهم «ملزمون» بدعم رئيس الوزراء. وحذروا الملك فاروق من محاولة استغلال أزمة «الكتاب الأسود» للإطاحة بالنحاس.
 
ويلاحظ فرامبتون أن الأزمة بين النحاس ومكرم عبيد أعطت حسن البنا فرصة ذهبيةلإنقاذ تفاهماته مع النحاس. فقد أصدر التنظيم «نقداً قوياً» لكل من مكرم و«الكتاب الأسود»، وقدم البنا دعمه لرئيس الوزراء المحاصر.
 
وكان هذا التطور مؤسفاً للغاية بالنسبة للسفير لامبسون. فقد لاحظ أنه من أجل تعزيز موقف حكومة النحاس المدعومة من البريطانيين يجب ان «تسعى الحكومة للحصول على دعم تنظيم رجعى ومعاد للأجانب».
 
وفى النهاية سمح النحاس بإعادة فتح مقار التنظيم فى مصر وواصل تقديم إعانات مالية لهم.
 
وفى 16 مايو 1943، حضر أربعة وزراء فى حكومة النحاس اجتماعا مع الإخوان فى مقرهم بالقاهرة. وتكشف الوثائق البريطانية كما يوضح فرامبتون أن من ضمن ما تمت مناقشته عرض منصب رفيع فى وزارة الداخلية على أحمد السكرى أحد رجال البنا الأقوياء. وبحث منح منصب رفيع لحسن البنا نفسه فى وزارة التعليم. (ص85 -86)
 
وفى لندن، كان البعض صرحاء فى انتقادهم لقرار حكومة النحاس دفع «إعانات مالية» لتنظيم مثل الإخوان. لكن البعض الأخر كان يرى منافع بعيدة المدى فى استمرار الاتصالات مع التنظيم.
 
ففى يوليو 1943، اقترح تقرير من عميل لجهاز المخابرات البريطانية يعمل فى القاهرة أنه فى حين أن البريطانيين يجب أن يستمروا فى دعم حزب الوفد ، يجب عليهم أيضاً «تأسيس علاقات متعاطفة غير رسمية مع حسن البنا».
 
أما هدف المبادرة فهو جمع معلومات وفهم التنظيم بطريقة أفضل. ثم ذهب البعض داخل الحكومة، كما يقول فرامبتون، إلى الترويج لفكرة أن تلك القنوات مع التنظيم يمكن أن تساعد فى تحويل الإخوان نحو الليبرالية السياسية والاجتماعية وتشجعهم على أن يصبحوا أكثر حداثة وعصرية.
 
وبهذه الطريقة، يقدم التقرير مثالاً مبكراً جداً لمفهوم اكتسب قدراًكبيراً جداً من الزخم فى العقود التالية وهو أن الحوار مع الإخوان قد يؤدى إلى تغيير سلوكهم.
 
وتسببت مذكرة المخابرات فى خلافات داخل الوزارات البريطانية. فقد وصفها إدوين تشابمان-أندروز المسئول فى وزارة الخارجية البريطانية بأنها «مثيرة للاهتمام»، لكن نتائجها «سطحية».
 
ووصف محاولات إقامة علاقات مع التنظيم بالمثيرة للسخرية، ناعتاً أعضاء التنظيم بـ«الجاهلين» و«المتزمتين»، و«مجموعة من التعساء» و«ليس هناك «وزن ثقيل واحد» داخل الإخوان.
 
وفى رأيه، كانت الأهمية الحقيقية الوحيدة للإخوان هى أنهم كانوا يصنعون «قتلة جاهزين»، ومن هنا كانت الحاجة لمراقبتهم .
 
وفوق ذلك، استمر تشابمان-أندروز فى رفض فكرة أن التنظيم سوف يصل يوماً ليكون قوة سياسية كبيرة، موضحاً «من الخطورة أن نتنبأ فى السياسة، لكننى أشعر بأن الإخوان لن يكونوا أبداً فى السياسة المصرية كحزب، مثل حزب الوفد».
 
تربية «ثعبان الإخوان»
 
ومع طرد القوات الألمانية من العلمين، أصبحت القاهرة فى منطقة «المياه الراكدة «خلال بقية الحرب العالمية. وفى هذا السياق، بدأ العديد من المسئولين البريطانيين فى التساؤل عما إذا كان ينبغى عليهم مواصلة دعم حكومة النحاس. فعلى سبيل المثال، جادل تشابمان-أندروز بأن على البريطانيين أن يحاولوا التراجع مرة أخرى عن أى تدخل مباشر فى السياسة الداخلية المصرية.
 
لكن السفير لامبسون أصر على أن المصالح البريطانية تُخدم بشكل أفضل من خلال الحفاظ على التحالف مع النحاس لأنه «ليس هناك بديل عملى للحكومة الحالية». وسادت هذه النظرة لبعض الوقت بعد تأييد وزير الخارجية البريطانى أنتونى إيدن ورئيس الوزراء وينستون تشرشل لتقييم لامبسون.
 
وهكذا قيدت يد الملك فاروق مجدداً فيما يتعلق بإقالة النحاس.
 
لكن فى أواخر 1944، جاء التغيير. ففى أكتوبر حانت اللحظة التى طال انتظارها. كان لامبسون فى عطلة فى جنوب إفريقيا، فقام الملك فاروق بطرد النحاس وحكومته. وتم تشكيل حكومة جديدة من قبل زعيم الأقلية السعدية، أحمد ماهر باشا (شقيق على ماهر باشا)، فى خطوة ذكية من جانب القصر بالنظر إلى آراء ماهر المؤيدة لبريطانيا.
 
وكان غياب السفير البريطانى فى إجازة مجرد حجة شكلية لسكوت البريطانيين على إقالة النحاس كما يخلص فرامبتون. فقد رجحت كفة التيار داخل الحكومة البريطانية الذى بات يرى النحاس مسئولاً عن «تربية ثعبان الإخوان» خلال السنوات الأربع الماضية.
 
ويقول فرامبتون إن البرقيات بين الخارجية البريطانية والسفارة فى القاهرة والوثائق تكشف أن سنوات الحرب العالمية الثانية كانت حاسمة فيما يتعلق بتأسيس تنظيم الإخوان.
 
فقد جلبت الحرب أشكالا للمواجهة ضد الإخوان تشمل الاعتقالات وتعطيل الأنشطة والمراقبة، لكن مصاعب الإخوان لم تدم طويلاً. فقد أظهر البنا تكتيكا سياسيا منفعيا بارعا للغاية. وفتح قنوات مع القصر والوفد والسعديين والبريطانيين والألمان والإيطاليين وحافظ على هامش مناورة أعطاه حماية مؤكدة تحت أعين البريطانيين والقصر والحكومة.
 
وفى الوقت الذى تمت فيه إقالة النحاس، كان تنظيم الإخوان المسلمين أقوى من أى وقت مضى باعتراف الدبلوماسيين والمخابرات البريطانية.

 

تنوية هام: الموقع غير مسئول عن صحة أو مصدقية أي خبر يتم نشره نقلاً عن مصادر صحفية أخرى، ومن ثم لا يتحمل أي مسئولية قانونية أو أدبية وإنما يتحملها المصدر الرئيسى للخبر. والموقع يقوم فقط بنقل ما يتم تداولة فى الأوساط الإعلامية المصرية والعالمية لتقديم خدمة إخبارية متكاملة.