الأقباط متحدون - «غذاء البطون» إذ يتقدم على «غذاء العقول»
  • ١٢:٥٣
  • الجمعة , ١٥ ديسمبر ٢٠١٧
English version

«غذاء البطون» إذ يتقدم على «غذاء العقول»

مقالات مختارة | غسان الحبال

٠٢: ٠٨ م +02:00 EET

الجمعة ١٥ ديسمبر ٢٠١٧

صوره  تعبيريه
صوره تعبيريه

 يمكن أياً كان أن يرصد ثلاث ظواهر لبنانية لافتة ومثيرة للقلق:

 
الأولى تحول خمس مكتبات في منطقة الحمراء وصولاً إلى شارع بلس إلى مطاعم ومحلات لبيع الملابس، ثلاث منها كانت مكتبات يمكن وصفها بالكبرى وتحولت الى فروع لمطاعم معروفة.
 
والظاهرة الثانية تراجع حضور معرض بيروت العربي والدولي للكتاب في دورته الـ٦١ التي شهدتها العاصمة اللبنانية مؤخراً، على أكثر من صعيد سياسي وفكري وإنتاجي، وإن كان القيمون عليه يقولون إنه شهد بعض تقدم في مبيعاته عن العام الماضي.
 
أما الظاهرة الثالثة والأخطر فتتمثل بمؤشرات واضحة إلى توجه رسمي أكيد للحد من الحريات الإعلامية التي طالما شكلت تمايزاً لبنانياً عن محيطه العربي، وكونت للبنان سمعة إيجابية ليس على الصعيد العربي فحسب، بل على الصعيد الدولي أيضاً.
 
في الظاهرة الأولى وإن كنا قد أشرنا إلى مؤسسات لا يتعدى عددها عدد أصابع اليد الواحدة في منطقة واحدة، فإن مما لا بد ذكره أن سجلات البلديات وغرفة التجارة والصناعة تشير إلى تحول عشرات المكتبات في بيروت الكبرى إلى مطاعم او غيرها من مؤسسات بيع المواد الغذائية او بيع الملابس، بما يشي بأن المقولة الشعبية «ما في شي ماشي إلا الأكل والشرب» باتت تفرض ذاتها على بيروت التي حملت يوماً لقب «عاصمة الثقافة العربية»، لا بل ان «الأكل والشرب» باتا يفرضان ذاتهما على بيروت وغيرها من المناطق والمدن التراثية والسياحية على طول الساحل اللبناني من صور إلى طرابلس، بدليل مئات، لا بل آلاف المطاعم والمقاهي والملاهي الليلية، المنتشرة بكثافة في هذه المدن، والتي تزدحم صيفاً وشتاء بروادها المحليين أكثر بكثير من روادها السياح.
 
وتأتي الظاهرة الثانية، ظاهرة التراجع الذي يشهده معرض بيروت العربي والدولي للكتاب عاماً بعد عام، لا سيما على صعيد حضوره الفكري والإنتاجي، لتؤكد ما سبق ذكره حول تقدم «غذاء البطون» على حساب «غذاء العقول». وتشير جولة سريعة على أرقام المعرض الإحصائية إلى أن عدد رواده تجاوز ستة آلاف زائر يومياً خلال عطلة نهاية الأسبوع، بينهم حوالى ثلاثة آلاف من طلاب المدارس الذين لا يمكن اعتبارهم قوة شرائية، كما تشير الإحصاءات الأولية إلى تراجع هذا العدد إلى ما دون ألفين وخمسمئة زائر يومياً، وبالتالي إلى تراجع عمليات الشراء، خلال الأيام الثلاثة الأخيرة للمعرض، فيما تشير لوائح المبيعات إلى الإقبال على الكتب الأدبية والدينية مقابل تراجع نسبة الإقبال في شكل ملحوظ على كتب السياسة والفكر والفلسفة والمجتمع وسائر الكتب العلمية والفكرية.
 
كما جاءت التقنيات الحديثة لتساهم في هذا التراجع، وليدخل إنتاج الكتاب بدوره، إلى جانب الإعلام المكتوب والمطبوع، وإن بنسبة أقل، في حالة تنافس مع النشر والإعلام الإلكتروني، ما بات يهدد الكثير من دور النشر بالتوقف عن العمل، إن لم تلتحق بعالم التكنولوجيا الحديثة، وإن لم تخضع لشروط هذا العالم الواسع بمختلف فروعه وشبكاته.
 
وكان للسياسة أيضاً دور في تراجع معرض الكتاب، فسجل هذا العام مشاركة ١٦٠ دار نشر لبنانية، إلا ان عدد دور النشر العربية والأجنبية لم يتجاوز ٦٥ دار نشر بتراجع ملحوظ عن العام الماضي.
 
وتعتبر الظاهرة الثالثة أخطر الظواهر الثلاث وأكثرها تأثيراً في الحياة عموماً في لبنان، وقد بدا فيها إصرار السلطة على التحكم بمفاصل السلطة الرابعة وإبقاء الإعلام تحت سيطرتها المباشرة عبر وزارة العدل التي يتولاها رجل العهد القوي الوزير سليم جريصاتي، وليس عبر وزارة الإعلام المعقودة أمورها لـ «القوات اللبنانية» بشخص الإعلامي المتسامح الوزير ملحم رياشي.
 
وفيما أخذت ملامح توجهات السلطات اللبنانية ومشاعرها تجاه الاعلام تتضح عبر ضيقها بمداخلات إعلاميين على وسائل التواصل الاجتماعي وملاحقاتها القضائية لعدد من الإعلاميين «المغردين» على تويتر والناشرين لتعليقاتهم على «فيسبوك»، وصولاً إلى الاعتراض، ودائماً عبر القنوات القضائية، على مذيعين وبرامج تلفزيونية سياسية يتنافس سياسيون على الظهور فيها، ظهرت حقيقة أهداف هذه الحملات الاستباقية ضد الإعلام بعد عودة رئيس الحكومة سعد الحريري عن استقالته وإقرار الحكومة مبدأ «النأي بالنفس»، الذي تم اختراقه مراراً وتكراراً، حيث بلغت ذروة هذا الاختراق مع زيارة قائد «عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي باللباس العسكري للحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة برعاية «حزب الله»، وإطلاقه تصريحات تهدد إسرائيل بالرد على أي عدوان تشنه ضد لبنان، فيما تولى إعلام «عصائب أهل الحق» الرد على بيان اعتراضي على زيارة الخزعلي غير الرسمية للمناطق اللبنانية الحدودية.
 
وقد بدت السلطة في كل هذه التطورات أنها نجحت في ترويض الإعلام الذي خفت صوته الاعتراضي مكتفياً بالتعليقات الرسمية على ما جرى من انتهاكات واضحة للقرارات الحكومية.
 
وتشكل هذه الظواهر الثلاث مؤشرات واضحة إلى متغيرات باتت تطاول البنى السياسية والاجتماعية للبنان الذي يعيش ناسه العاديون ضغوطات اقتصادية، فيما يعيش مغتربوه تهديدات يومية بقطع أرزاقهم بسبب سياسة رسمية لا رأي لهم فيها.
نقلا عن الحياه
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع