الأقباط متحدون - مينا ميشيل.. قصة مهندس كفيف عبقري قهر المستحيل
  • ٠٤:٢٧
  • السبت , ٤ نوفمبر ٢٠١٧
English version

مينا ميشيل.. قصة مهندس كفيف عبقري قهر المستحيل

٥٧: ٠٢ م +02:00 EET

السبت ٤ نوفمبر ٢٠١٧

مينا ميشيل
مينا ميشيل

كتب – محرر الأقباط متحدون
مينا ميشيل، شاب مصري قهر المستحيل، أكد أن لا شيء يمكن أن يقف عائقًا أمام إرادة الإنسان، حيث تمكن مينا ميشيل من الحصول على درجة علمية رفيعة من ألمانيا، كما نجح أيضًا في دراسة الهندسة المعمارية، رغم كونه كفيفًا لا يرى سوى خيالات مزعجة من الأضواء الساطعة.

يقول مينا لـ المصري اليوم، أنه مواليد عام 1986 لأسرة متوسطة الحال من المنصورة، وأب مهندس وأم ربة منزل، وأخ يصغره بعامين، مشيرًا إلى أن الوالدين اكتشفوا أن ابنهم الأصغر يعاني من مشكلة في النظر وبالكشف تبين أنه مصاب بمرض Retinitis Pigmentosa، وهو مرض يؤدي إلى ضمور خلايا الشبكية بالتدريج مع مرور الأيام.

وبالوقت تبين أن الشقيقان يعانيان ذات المرض، إذ يواجهان ضعف الرؤية في الليل وكذا في الضوء المبهر.

ويستطرد في حديثه قائلاً، كانا والداي دائما الدعاء لنا بحدوث المعجزة ومن ثم الشفاء ولكنه كان يرد عليهما قائلاً: إن ما أطلبه من الله هو أن يعطيني القوة والقدرة كي أعيش حياتي كما هي وأحقق كل أحلامي بالإمكانيات التي قدرها لي سبحانه». اعتبر ميشيل هذه الظروف الخاصة بمثابة التذكرة التي سيصل بها إلى رحمة الله في يوم القيامة.

تفوق دراسي رغم الإعاقة البصرية
يقول ميشيل: «كنت أنا وأخي متفوقين في الدراسة وحصل كلانا على 100% في الثانوية العامة. كنا لا نجد مشكلة في القراءة حيث إن النظر في مركز مجال الرؤية وتحت الإضاءة المتوسطة كان جيدًا إلى حد كبير».

ودخل ميشيل الهندسة، وكانت الجامعة الألمانية في القاهرة فتحت أبوابها لأول مرة لاستقبال طلاب دفعة «ميشيل» وكانت تقدم منحة دراسية كاملة لمن حصل على مثل مجموعه في الثانوية العامة: «ولكني لما علمت أن قسم العمارة لم يكن بعد قد تأسس هناك، صممت أن ألتحق بجامعة المنصورة. وأيضًا كان الوضع كذلك بالنسبة للجامعة الأمريكية. استمتعت كثيرًا جدًا بالعام الدراسي الأول لي في كلية الهندسة وهو عام إعدادي قبل التخصص في أحد أقسام العمارة».

حصل على تقدير امتياز، مشيرًا إلى أن اللوحات كانت تستغرق منه وقتًا مضاعفًا، ويضيف: حين تم إعلان النتيجة وكان ترتيبه الثاني على الدفعة وسط ألفي طالب، توقع أساتذة الكلية أنه سيتخصص في قسم ميكانيكا أو مدني مثلاً: «ولكني صممت أن أدرس العمارة. ذكّرني والدي وقتها أن دراسة العمارة مرهقة جداً بصرياً وأيضاً فعل كذلك أستاذ مادة التصميم المعماري في أول يوم دراسة لي في القسم حينما لاحظ مشكلتي، ولكن ردي كان دائماً أنه طالما في إمكاني إنجاز رسوماتي بكل الصبر بما أتاحه الله لي من نظر، فأنا لن أترك حلمي أبدًا».

تدرج «ميشيل» من عام لعام ليتكيّف على تحديات ضعف الرؤية، من استخدام أقلام الرصاص الثقيلة، ثم استخدام ألوان الحبر مباشرةً، مما لا يعطي أي فرصة لتصليح أي خطأ، ثم استخدام ألوان الفلوماستر وأخيرًا استخدام ألوان السبورة: «من حسن الحظ أيضًا أن استخدام الكمبيوتر في الرسم كان مسموحًا، مما أعطاني الفرصة في إظهار أفكاري بوضوح أكبر.

تخرج ميشيل بتقدير جيد جدًا وكان الأول على دفعته، وتم تعيينه معيد بالقسم، وتخصص المهندس المعماري الكفيف أثناء دراسة الماجستير في استخدام أدوات المحاكاة للوصول إلى مبانٍ ذات أعلى كفاءة في استهلاك الطاقة والحفاظ على البيئة. في هذا الإطار حصل على العديد من المنح التنافسية قصيرة الأجل، كان أهمها التدرب لمدة ثلاثة أشهر في ألمانيا ولفترة مماثلة في الولايات المتحدة على استخدام تلك التكنولوجيا.
وحصل على الماجيستير وترقى لدرجة مدرس مساعد.

الحصول على الدكتوراه:
على مدار خمس سنوات التي تلت تخرجه وعمل خلالها معيدًا، كان «مينا» يلاحظ تدهور مستوى النظر بشكل كبير بصورة أكبر مما يتوقع، إذ كان هو وشقيقه من النسب الصغيرة التي تصاب بتدهور حاد في النظر في سن صغيرة، وأعرب عن مشاعره المرتبكة إزاء علمه بهذا الأمر، ما بين حزن وحيرة وخوف وصدمة، إذ حرمه ضعف نظره من استخدام تلك البرامج التي كان قد تعلمها في ألمانيا والولايات المتحدة وتخصص فيها والأهم أنه بدأ يؤثر على حريتي في التنقل من مكان لآخر.

وتابع، قرأت إعلان على الإنترنت عن ورشة عمل تنظمها كلية العلوم بجامعة المنصورة ضمن أكبر مشروع بحثي على مستوى العالم في مجال إدارة المياه المستدامة.
وكان بصره قد كف تمامًا، إلا أنه تقدم بورقة بحثية في الورشة وتم قبولها، كي تُفتح أمامه أبواب الحصول على منحة الدكتوراه من جامعة «براون شفايج» في مجال التنمية العمرانية على الأنهار الدولية، وكانت دراسة الحالة هي حوض نهر النيل.

يتابع المهندس العبقري الكفيف: «دخلت في مغامرة جديدة أصعب مما أتخيل بمراحل، المنحة المقدمة لمدة ثلاثة أعوام فقط في حين أن الدكتوراه تحتاج إلى أربعة أعوام ونصف العام على الأقل في ألمانيا كي يتم الحصول عليها».

مضيفًا أن والدته رافقته خلال جولته بألمانيا، لتمر السنوات ويتمكن المهندس الكفيف العبقري من إنجاز كتابة الرسالة في الوقت المحدد وبالمستوى المطلوب: «لم أكن لأصل إلى هذا بالتأكيد لولا مشرفي الألماني الذي آمن بي من أول مرة التقينا في ورشة العمل بالمنصورة في مارس 2012، وأيضًا لولا مشرفتي الألمانية الثانية التي ترأست القسم بعد خروج المشرف الأول على المعاش بعد عام ونصف العام من بداية منحتي»، يقول المهندس العبقري.

يقول مينا إن هذه الفترة ضمت عدة مشاهد لا تُنسى أبداً، منها مقابلة مع وزراء المياه الثلاثة من مصر والسودان وإثيوبيا والتقاط الصور معهم، وحصوله على جائزة المركز الثاني في مسابقة للشعر في براون شفايج وسفره لإنجلترا لتمثيل مجموعة الشعر في المدينة، وأيضًا اختياره لتمثيل طلاب الدكتوراه في المشروع البحثي خلال المؤتمر الختامي للمرحلة الأولى والذي حضرته وزيرة البيئة الألمانية ومديرة الهيئة الألمانية للتبادل العلمي.

طيلة الوقت، يرتدي «مينا» نظارة طبية، يحتفظ بها كي يتجنب نظرات الشفقة من الآخرين ويتحاشى كلمات العطف ذات المخارج الرنانة، وأيضًا كي يواجه البشر في أعينهم: «أنظر مباشرة إلى عين من يتكلم معي، ألون الخيالات المزعجة بألوان نابضة بالحياة، أرسم في خيالي صورة عن الأشخاص، كوني لا أري نعمة. قيدني الظلام لكنه منح لخيالي العنان».

الكلمات المتعلقة