الأقباط متحدون - معايدةُ العيد من ألدّ خصومى!
  • ٠١:٢٨
  • الاثنين , ٤ سبتمبر ٢٠١٧
English version

معايدةُ العيد من ألدّ خصومى!

مقالات مختارة | بقلم : فاطمة ناعوت

٤٩: ٠٣ م +02:00 EET

الاثنين ٤ سبتمبر ٢٠١٧

فاطمة ناعوت
فاطمة ناعوت

 لماذا أكتبُ هذا المقال؟ ليس وحسب لغرابة الحكاية، بل أملاً فى أن يحدث ما حدث لى، لغيرى ممن تعرّض للظلم، من التنويريين الذين طالتهم يدُ الدعاوى الكيدية، فأُلقى بهم فى غياهب السجون، أو ينتظرون، أو طالهم حكمُ الإدانة مع إيقاف التنفيذ، مثلى.

 
فى صباح يوم عيد الأضحى المبارك، وصلتنى مئات المعايدات والمباركات والزهور والدعوات الطيبات، من قرائى وأحبتى، صخرتى التى أعتصمُ بها من ويلات المتربصين. لكنْ، من بين تلك المئات، وصلت صفحتى الرسمية المعايدةُ الأغربُ، والأكثر إدهاشًا، الكاسرةُ لكل توقع. جاءت المعايدةُ من ألدّ خصومى وأشرسهم!
 
وعلّ القارئ يندهش من كلمة «خصم»! ذاك أننى أعلن دائمًا أن «لا خصومَ لى»، و«أننى لا أكره أحدًا، حتى مَن آذانى». وتلك حقيقة لا أنكرها. لكن الشاهد أن الخصومةَ أمرٌ ثنائى، لأنها تقع بين طرفين. فقد أختصِمُ، وقد أُختَصَم. فحين أقولُ: «خصمى» هنا، فإنما أعنى: مَن اختصمنى، لا مَن اختصمتُه.
 
هو ذلك المحامى الذى رفع ضدى قبل ثلاثة أعوام دعوى قضائية بتهمة ازدراء الأديان، لأننى استنكرتُ أن تتم شعيرة نحر الأضاحى على غير أصولها الكريمة التى تأبى تحقير الأضحية أو تعذيبها أو التنكيل بها قبل نحرها. وانتهت الدعوى بالحكم علىّ بالسجن ستة أشهر، مع إيقاف التنفيذ.
 
بدأت الحكاية الأسبوع الماضى حين نشرتُ على صفحتى صورًا من شرفتى الحاشدة بعشرات العصافير التى تزورنى كل يوم لتأكل وتشرب من الطعام والماء الذى أعلّقه لها فى أغصان أشجارى. ومع الصور ناجيتُ العصافير بهذه الكلمات: «بكامل الحرية تملأون بيتى زقزقةً وغناءً وصدحًا. من دون قفص. فأنا لا أقايضُ حريةً.. بماءٍ وقمح. شرفتى محطُّ العصافير. شكرًا للموسيقى والشدو».
 
ومن بين مئات التعليقات الجميلة على البوست، وجدتُ هذا التعليق من خصمى اللدود:
 
«مدام فاطمة، كل عام وأنت والأسرة بخير وصحة وسعادة. ‫معايدة أبتغى بها استرضاء الله. إن كان فى قلبك منى غصّة فسامحينى. وأنا لا أخجل أن أشكرك على كثير أمام الناس. مررنا بمحنة شديدة أنا وأنت. أسال الله العظيم ألا يعيدها لأى منا. ممكن المعايدة دى متعجبش ناس كتير. وممكن متعجبكيش أنتِ؛ الله أعلم. لكن كما قلت إنها استرضاء لله».
 
وكان ردّى:
 
«سامحتك منذ زمن. وعلّك لا تصدقنى إن أخبرتك أننى لم أكرهك يوًما رغم ما مرّ بى من مرار واغتراب، ولم أدعُ عليك بسوء رغم شعورى اليومى لعامين بالظلم والغبن. فقد علّمتُ نفسى منذ طفولتى ألا أكره وألا أدعو اللهَ إلا فى خير. حزنتُ؟ بالطبع نعم. بكيتُ كثيرًا واندهشتُ مما يحدثُ لى بسببك؟ دون شك. لكننى حتى لم أقل (آمين) لمن كان يدعو عليك بالويل أمامى من ذوى قرابتى أو قرائى. ‫وعلّك لاحظت أننى شكرتك فى مقال بالمصرى اليوم، بعد الحكم. لأن تلك المِحنة العسرة جعلتنى أكسب كنزًا من الأصدقاء الذين ساندونى، ولولا تلك المِحنة ربما ما كنت أعرف قدر رحمة الله الهائلة بى ولا قدرى ومكانتى لدى قرائى: كنزى وصخرتى. أُثمّن كثيرًا أن معايدتك علىّ واعتذارك لى، بل وشكرك لى كان علنيًا، وليس فى رسالة خاصة. لهذا أشكرك وأسامحك على الملأ اليوم، وقد سامحتك بينى وبين نفسى وبين الله منذ دهرٍ. ‫بارك الله لك فى أسرتك ومبروك افتتاح مكتب المحاماة الذى لولا مخافة سوء الظن لكنت أرسلتُ لك يوم افتتاحه باقة من الزهر. كل عام وأنت فى خير وفرح ونور وبركة».
 
فجاء ردُّه:
 
حق علىّ أن أعتذر لك سيدتى عن كل قطرة دمع خانتك عيناك وأسقطتهما رغما عنك لأمر كنت أنا مسببه، ولأسرتك الطيبة كل التقدير وأخص الخلوق نبيل بك بارك الله لك فيهم جميعًا. والأكيد أن شكرى لك؛ سببه معان وحقائق أبصرتُها أثناء تلك التجربة. ربما أخبرك بها إن قدرت لى الأقدار شرف لقاك. وأشكر لكِ جميلَ ردك الذى لن أستطيع أن أسطر أبدع منه مهما حاولت. وقطعا أنا أحب الزهر فلا حياة دون ورود. وورود فاطمة ناعوت تذكار عظيم الشأن؛ أنتظرها فى جميع الأحوال».
 
وكان ردّى:
 
أشكرك كثيرًا. ومنّى ومن نبيل ومازن وعمر، خالص الاحترام والمحبة. ودعنى أعترف لك بأن معايدتك هذه، كانت الأكثر إدهاشًا لى، والأعلى إثلاجًا لصدرى. لماذا؟ لأننى أكره أن أنام ليلى وثمة مَن يختصمُنى. كلمة أخيرة: أنا مدينة للعصافير التى تحطُّ على شرفتى بالشكر؛ لأنها كانت سببًا على نحو ما فى معايدتك تلك. شىءٌ من الفرح يغزونى أن جاءت معايدتك مع سرب العصافير. تحية لك».
 
وجاء ردُّه:
 
«دائمًا فى فرح وسرور. ويشرفنى أن أكون ضمن حضور صالونك الشهرى. ‫كل الاحترام والتقدير لك».
 
أرجو أن تكون تلك الرسالةُ من «خصمى اللدود»، بدايةَ حملة اعتذارات وندم من ظالمينا الذين زجّوا وراء القضبان بتنويريين أرادوا الإصلاح. أتمنى أن يندم أيضًا المحامى الذى اختصم «الشيخ محمد عبد الله نصر»، فذاق بسببه ظلمة السجون التى لا تليق به، بل تليق بالذين يشوهون الأديان ويشيعون الطائفية وروح البغضاء بين الناس.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع