الأقباط متحدون - ما بعد داعش والإخوان
  • ١٣:٣٣
  • الاربعاء , ٢ اغسطس ٢٠١٧
English version

ما بعد "داعش" و"الإخوان"

مقالات مختارة | ماهر فرغلي

٢٢: ١٠ ص +02:00 EET

الاربعاء ٢ اغسطس ٢٠١٧

ماهر فرغلي
ماهر فرغلي

نشر "داعش" عقب خروجه من الموصل أن (الخلافة ليست في المدن بل في العقول)، وتحدث عن تنظير جهادي أطلق عليه (مناكفة الأنظمة)، فيما أكدت المجموعة المسلحة التي ترجع في نسبها للإخوان بمصر (حسم)، في بيان لها الأسبوع الماضي على اعتمادها مبدأ «المقاومة الإيجابية» أو النوعية، وهنا هو الالتقاء الذي جرى ما بين داعش والإخوان في الإستراتيجية، وتبديل التكتيكات بحسب وقائع هزيمة أحدهما في الموصل، وتأثيرات فريق محمد كمال، على جناح ليس بالقليل داخل الإخوان في الداخل المصري، فيما يسمى بـ(التأسيس الثالث للجماعة) الذي يعني أن الحل الوحيد للتعاطي مع الدولة هو تفكيكها، وإعادة بنائها على أسس جديدة بعيدًا عن منطق الموائمات والمساومات.

سيتحول داعش من (إمساك الأرض) إلى حروب النكاية والمناكفة، وهنا سيحدث اندماج لديه بين الأبعاد الإقليمية والعالمية، والمحلي العنقودي، والمنفرد، للرد على تراجعه، بما يعني أن خطة التنظيم، هي الانتقال من جهاد التمكين، إلى جهاد البقاء والاستنزاف، وهو الذي أطلق عليه في بيان بأحد المواقع المقربة منه (المنازلة).

التحول لدى داعش من (إمساك الأرض) إلى إستراتيجية مناكفة الأنظمة، يعني بوضوح عمليات إرهابية مسلحة، تحدث في فترات متقاربة، أكثر بكثير، من المرحلة الماضية، والتحول إلى أماكن التوتر، فالتنظيم لا يستطيع العيش والعمل والتخطيط إلا في بيئة مضطربة ومنقسمة علي نفسها أو مرشحة للانقسام، أو مناطق فوضى ومعازل اجتماعية وسياسية، أو ضمن تجمعات مذهبية أو طائفية، أو ذات نزاعات مسلحة واضطرابات سياسية، ثم اعتماد إستراتيجية بناء السرايا الصغيرة ذاتية النشأة والتكوين والدفع والمنقطعة عن بعضها، والعمل بصورة منفردة حتى بعيدا عن الأمير المؤسس لها، ثم القيام بضربات متسلسلة للأنظمة لإسقاط هيبتها.

تلتقي الإخوان الآن تحديداً في مصر، مع الإستراتيجية السابقة لداعش، فكلاهما يرى العمل على تشتيت جهود وقوات الأنظمة، واستنزاف قدراتها المالية والعسكرية، والعمل بإستراتيجية إعلامية تستهدف وتركز على فئتين؛ فئة الشعوب، بحيث تدفع أكبر عدد منهم للانضمام للجهاد والقيام بالدعم الإيجابي والتعاطف السلبي ممن لا يلتحق بالصف، والفئة الثانية الجنود لدفعهم إلى الانضمام للتنظيمات أو على الأقل الفرار، وهذا يؤدي إلى التقوقع حول الأهداف الاقتصادية لتأمينها، وتطوير الإستراتيجية الإعلامية بحيث تصل وتستهدف بعمق القيادة الوسطى من الجيوش لدفعهم للانضمام للتنظيم، وفى كل هذه المراحل يبررون عقلياً وشرعياً لماذا تكون عملياتهم الإرهابية.

الإخوان الذين يطلق عليهم الآن (الكماليون)، نسبة إلى القيادي الراحل محمد كمال،  كانوا هم الأقدر على التشكل والتلون، نظراً لأن الجماعة بكل أطيافها تملك ما يعرف باسم (سياسة التجميع) أي قدرتها على جمع كل الأفكار في بوتقة واحدة، وفق قاعدة أطلق عليها القاعدة الذهبية، وهي (يعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه، ونجتمع فيما اتفقنا عليه)، وهذا ما أعطاها القدرة على إعادة التشكّل في كل مرة تمر فيها بمحنة، والقدرة على المناورة، والتحرك بين الدفتين السلفية الجهادية، والجماعة السياسية، وطرح تحولات جديدة.

طرحت الجماعة الآن وفق هذه التحولات، وإدارة الصراع مع النظام المصري الحالي مبدأ «المقاومة الإيجابية» أو النوعية، واعتماد المبدأ الفقهى حق الدفاع عن النفس، وأن أدوات الرد يجب أن تكون مفتوحة وبدون سقف، وتغطية هذه الأعمال باسم «المسار الثوري» الذى يشمل، «الدفاع عن النفس»، و«تعطيل أجهزة الدولة ومؤسساتها»، واعتماد ما أطلقت عليه "المنهج الثوري المبدع"، أي أن السلمية هي كل ما دون القتل.

بدأ هذا التحول في يناير 2015، حينما دعا الفريق الكمالي، إلى اجتماع لمناقشة سيناريوهات ذكرى الثورة، أقروا فيه أهمية تحول الجماعة لاستخدام العنف كخيار استراتيجي، واعتمدوا مجموعتين جديدتين لتبني هذه الإستراتيجية الجديدة، هما العقاب الثوري، وجبهة المقاومة الشعبية، وفيما بعد أصبح للجماعة مجموعة حسم، ولواء الثورة.

الأهم أن الجماعة بكامل تياراتها، وصنوفها، أقرت بما جرى، وأعطت فرصة لمحمد كمال وفريقه، أن يكملوا إستراتيجيتهم مع النظام، فلما شعروا بفشل الخطة، ظهر محمود عزت، وبدأت التموجات حول الاستراتيجيات بين الفريقين، وحول قضايا عديدة أهمها شكل إدارة الجماعة ولوائحها وشكلها والقيادات القديمة ومسئوليتها.

جسم الجماعة الحالي للتنظيم أصبح مضطربًا بالفعل، فهناك خليط من الأفكار القطبية العنترية، التي أطلقوا عليها (الثورية)، ومجموعة من القيادات تم عزلهم، وفقدوا مناصبهم داخل الجماعة، فارتدوا عباءة المصلحين، وتيار من التشدد في العنف، ومسار الانفصال عن الواقع والصدام المتواصل مع الدولة.

على الناحية الأخرى، وعقب تناقص حدود داعش، وتقلص التنظيم، وانحساره، بحث التنظيم عن حل جديد للتحديات، كان منها هذا الطرح الجديد، وهو مناكفة الأنظمة، عن طريق ضرب اقتصادها، وأمنها، وجيوشها، وإذا راجعت رسالة أبو الودود الهرماسى، القيادى بالتنظيم، فستجده اعتبر أن الدولة المصرية، والدول القريبة منها هى الهدف الأسمى، وهى المكان الأمثل، المرشح وبقوة لضربات التنظيم، نظرًا لتأثيرها بالكامل على المحيط، ومن هنا تركز مجموعات الإخوان النوعية، مثل لواء الثورة وحسم على نفس الطرح، فالإسلام السياسي هو شبكة واحدة، ودوائر متداخلة كل منها تخضع للأوسع، التي تعتبر هي جزءًا منها، فالفكر الجهادي هو فرع عن الفكر السلفي، والسلفي متداخل مع الإخواني، وأى تأثّر لأحدهم هو تأثير على الآخر، وما بعد داعش الآن عقب خروجه من الموصل، من المؤكد أنه يتشابه إلى حد ما مع ما بعد الإخوان الذين كانوا يمارسون السياسة، بل ووصلوا إلى السلطة يوماً ما.
نقلا عن eda2a

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع