الأقباط متحدون - من يحمى الأقباط؟ (2-2)
  • ١٢:٠٨
  • الاثنين , ٢٧ مارس ٢٠١٧
English version

من يحمى الأقباط؟ (2-2)

مقالات مختارة | د. عماد جاد

٠٧: ٠٩ ص +02:00 EET

الاثنين ٢٧ مارس ٢٠١٧

د. عماد جاد
د. عماد جاد

إن تاريخ الأقباط يؤكد بجلاء أنهم لم يبحثوا فى يوم من الأيام عن مصدر حماية من خارج الوطن، مهما كانت الروابط والصلات، فالأقباط رفضوا على مرّ التاريخ طلبات غربية وشرقية بالحماية؛ رفضوا عروضاً غربية للحماية من منطلق دينى، وحملوا السلاح مع أشقائهم المسلمين ضد «الفرنجة» الذين اتخذوا من الصليب شعاراً لحملتهم، ورفضوا أيضاً عرضاً روسياً بحماية الأقباط من منطلق الوحدة المذهبية على أساس اشتراك الروس والأقباط فى اتباع المذهب «الأرثوذكسى». والحقيقة يرجع رفض الأقباط لأى نوع من الحماية الخارجية إلى سببين، الأول سبب إيمانى دينى يلوذ به رجال الدين والمتدينون من الأقباط ينطلق من الإيمان بالمشيئة الإلهية وعدم الاتكال «على ذراع بشر»، والسبب الثانى وطنى خالص، حيث يؤمن الأقباط إيماناً تاماً بالوطن، فلا توجد فى الأدبيات القبطية ولا فى تراث الأقباط ما يعطى قيمة لقطعة أرض تتقدم على أرض مصر، لا يوجد لديهم ما يقول لهم إن أرض فلسطين، حيث ولد المسيح وبشّر بدعوته، أكثر قداسة من أرض مصر، بل لديهم فى تراثهم ما يعطى القداسة لأرض مصر، فقد لجأت العائلة المقدسة إلى أرض مصر هرباً من «هيرودس» الملك، وعاش المسيح والعائلة المقدسة ثلاث سنوات على أرض مصر، ومكتوب فى الكتاب المقدس «مبارك شعبى مصر». الإحاطة بهذه الخلفية أمر مهم جداً لمعرفة وفهم وتوقع سلوك الأقباط تجاه كل ما يتعلق بالوطن وما يمكن أن يُطرح من قضايا، ومنها قضية الحماية، فهى مرفوضة تماماً ولا تفكير فيها، وهى التى تفسر لنا ما قاله قداسة البابا تواضروس الثانى تعليقاً على مطالبة البعض بتدخل القوات المسلحة لحماية الكنائس بعد عمليات حرق ونهب وتدمير عشرات منها إبان ثورة الثلاثين من يونيو، حيث قال إن ما يُهدم من كنائس سوف يعاد بناؤه، أما انكسار القوات المسلحة فلا يمكن تعويضه ويؤدى إلى ضياع الدولة، فقد قدم مصلحة الوطن على مسألة تأمين الكنائس.

وطوال فترة الثورة وما شهدته من حرق وتدمير للكنائس لم يتطلع الأقباط إلى حماية خارجية ولم يطلبوا من أحد خارج مصر توفير الحماية لهم ولم يكلفوا أحداً من الخارج بالحديث مع القوات المسلحة لتوفير الحماية للأقباط والكنائس. أيضاً لم يشعر الأقباط إبان ثورة الثلاثين من يونيو أنهم منفصلون عن المجتمع المصرى، فلا ينظرون لأنفسهم كأقلية ولا كجالية تحتاج إلى الحماية الخارجية. قدّم الأقباط طوال هذه الفترة تضحيات كبيرة وتحملوا تجاوزات أبرزها حرق ونهب وتدنيس عشرات الكنائس، محاصرة منازلهم ضمن حصار قرى فى صعيد مصر، وطوال هذه الفترة كان التطلع إلى الدولة المصرية فقط، كانوا يتطلعون إلى مؤسسات الدولة المصرية كى تُنهى مآسيهم، وهو نفس الأمر الذى يحكم رؤيتهم تجاه المستقبل، فقد احتفلوا بسقوط حكم المرشد والجماعة وعودة مصر التى يعرفونها أملاً فى بناء دولة مدنية حديثة تنهض على حكم القانون والمساواة وقيمة المواطنة. وفى ذروة المأساة، إبان حرق الكنائس ونهب الممتلكات وحصار البيوت فى القرى، لم يتطلع الأقباط إلى مصدر حماية من خارج حدود البلاد، مشاكلهم مصرية وتُحل على أرض مصر، همومهم مصرية خالصة، لا يتطلعون لحماية خارجية ولا يمكن أن يستقووا على وطن يمثل لديهم قيمة عليا، فلا توجد قطعة أرض فى الدنيا تعادل لديهم أرض مصر. لكل ذلك نقول: لا بد من الإسراع بالتعامل الجدى مع مشاكل الأقباط وحلها على أرضية وطنية خالصة، فالوطن هو السقف وهو ما يسكن القلب ومنه تأتى الحماية والشعور بالأمان.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع