الأقباط متحدون - معركة الأزهر والرئاسة
  • ٠٠:١٣
  • الأحد , ١٢ فبراير ٢٠١٧
English version

معركة الأزهر والرئاسة

مقالات مختارة | بقلم : سامح عيد

٥٢: ١٠ ص +02:00 EET

الأحد ١٢ فبراير ٢٠١٧

 وجود الشيخ الحبيب علي الجفري في الدورة التثقيفية رقم 24 دون حضور شيخ الأزهر أو أحد مشايخه كان مثيرًا للدهشة، هل وصل الأمر بين الأزهر والرئاسة إلى هذا المستوى من التدهور، أم أننا نبالغ في تفسير الأمر، وأن الأمر بسيط وتلقائي.

أحمل تقديرًا كبيرًا لشخص الحبيب علي الجفري، في طريقة إلقائه وفي علمه وفي هدوئه، وفي ثقافته المتعددة وقدرته على الحوار والاستيعاب، ولكن الأمر هنا يمثل حرجًا، فهو في النهاية يمني، يحضر في برامج التليفزيون المصري أهلًا به وسهلًا، ولكن هذه المرة الأمر له طابع سياسي واجتماع رسمي يحضره كبار رجالات الدولة، واتضح من كلامه أنه يجوب الكتائب في إطار حملة للشئون المعنوية، هل غضب الأزهر من أسامة الأزهري فصدَّر إليهم الحبيب الجفري. بخصوص قضية الطلاق الشفهي، مبدئيًّا أنا متحفظ من طرح الرئيس هذا الأمر بشكل علني في خطاب، ومطالبته بتشريع بخصوص هذا الأمر، وفي نفس الوقت وجه كلامه  للإمام الأكبر معاتبًا بكلمات قاسية، كان من الممكن أن يقال في اجتماع مغلق.

أنا شخصيًّا متحفظ على الأزهر في كثير من الأمور وأوجه انتقادات لأدائه وأداء مشايخه على صفحات الجرائد، أو بعض البرامج ولكني في النهاية مجرد مواطن أقول رأيي ربما يقرأه العشرات، أما كلام الرئيس فهو كلام من ذهب، يسمعه المصريون والعالم أجمع ويُترجم بكل اللغات، خاصة الكلمات المثيرة للجدل، وتوجيهه العتاب بالشكل العلني يفهمه البعض بأنه الضوء الأخضر لانتقاد الإمام، وتبدأ حفلة على الإمام (بمصطلح العامية المصرية) من الجرائد والبرامج في آن واحد.

ولكني متحفظ في نفس الوقت على البيان وليس على الفتوي، من حق أي شيخ أن يقول فتواه، وقبل البيان صدرت فتاوى متعددة، من الشيخ صبري عبادة والشيخ أحمد كريمة ضد رغبة الرئيس وفي اتجاه الطلاق الشفهي، وصدرت آراء أخرى للدكتور سعد الهلالي والشيخ خالد الجندي والشيخ مظهر شاهين، تماهت مع رؤية الرئيس، ولكن إخراج البيان بهذا الشكل، وحشد هيئة كبار العلماء لإنتاج هذا المشهد، فأنا متحفظ على الإخراج للمشهد، وتبع بيان هيئة كبار العلماء، مجمع البحوث الإسلامية، بما يوحي بأنها معركة بين الأزهر والرئاسة.

والغريب أن أسامة الأزهري وهو مستشار الرئيس الديني لم ينبس ببنت شفة، خرس تمامًا، وهو المفروض أنه مندوب الأزهر في الرئاسة، والمقرب الشخصي للرئيس.

المشكلة التي لا يعيها البعض، أن الفتوى التزام فردي بين العبد وربه، ولا رقيب عليه إلا الله، أما القانون فهو التزام المواطن أمام القانون وسلطة الدولة، ولذلك فسنجد فتاوى كثيرة مثل تحريم السجائر، أو حتى الخمور، أو حتى مشاهدة المشاهد المثيرة، ورغم ذلك فلا يلتزم بها الأفراد غير الراغبين في الالتزام بهذا الأمر، ويمارسونها علانية أحيانًا في القهاوي وغيرها من الأماكن بلا حرج، مما أطلق عليه الفقهاء لاحقًا عموم البلوى، وهناك قوانين أيضًا لا يلتزم بها بعض الأشخاص إذا خالفت قناعتهم، فمثلًا الزواج العرفي، فكثير من القرى والنجوع تزوج بناتها قبل سن الـ18 بشكل عرفي لعدم قبولهم بالقانون، ونفس الأمر بالنسبة لقضية الختان. المشكلة أن الفقهاء لم يناقشوا الأمر العكسي وهو الأكثر تمثلًا الآن، وهو أن يوثق الأشخاص الطلاق على الورق دون وقوعه في الواقع، هل يظن البعض أني أقول كلامًا غريبًا؟

هذه هي الحقيقة، ففي ظل الأوضاع الخانقة من الناحية الاقتصادية، تفاجئ الأسرة الناشئة الصغيرة أنها غير قادرة على تلبية احتياجات تلك الأسرة الصغيرة، الكشف الطبي على الأطفال، أو تلبية احتياجاتهم الغذائية، والحفاضات وخلافه، وفجأة يخسر رب الأسرة عمله في القطاع الخاص لسبب أو لآخر، وفي ظل تخلي الدولة عن هؤلاء، تضعهم في موقف شديد الحرج، يكون الحل الذي يلجأ إليه البعض أحيانًا، وتتزايد معدلاته الآن، هو لجوء الفتاة إلى تسجيل الطلاق على الورق (التوثيق) في ظل أنهم في حالة زواج فعلية، والغرض من هذا الأمر، أن تلك الفتاة تكون قادرة على الحصول على معاش والدها ووالدتها المتوفيين، وتكون أحيانًا بعشرات الآلاف إذا كان أبوها أحد رجال القوات المسلحة، أو الهيئات القضائية أو حتى البنوك، ولا يعرف الجيران شيئًا عن هذا الأمر الورقي، ماذا سيقول الفقهاء في هذا الأمر مع الأخذ في الاعتبار وضع هذه الأسرة البائس وتخلي الدولة عنهم، هل سيُحرِّمون، فليحرموا كما يشاؤون، فالأفراد قادرون على أخذ الفتوى بقلوبهم وعقولهم، وستتسع الفجوة بين الفقهاء والأفراد تباعًا، ومعدلات الثقة بين المواطن وشيوخ الأزهر تتراجع.

الأمر أخذ معركة وكأنها ماتش ملاكمة، من سيسدد اللكمة الترجيحية ـالقاضية كما يقولونـ في المباراة، فتجد أحد شيوخ الأزهر يحاول إحراج الشيخ مظهر شاهين، وكذلك الشيخ خالد الجندي، بأن يطلب منه أن يطلق زوجته على الهواء ويعاشرها لاحقًا، مع عدم التفريق بين التحيز للآخر مع عدم الاتفاق معه، فمن الممكن أن أدافع عن حق الآخرين في التظاهر، حتى لو كانت قضيتهم المدافعون عنها ضد قناعاتى، فمن الممكن أن يطالب أحدهم بأن من حق الملحد أن يأخذ حقوقه كاملة، من منطلق المواطنة والدستور والدين أيضًا من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، ولكن ليس معنى هذا الرأي أن الشخص ملحد.

وكلمة الطلاق هي كلمة جارحة للمرأة ونحن نتحدث عن حالة نفور بين رجل وامرأة وصلت إلى الطلاق، ولكنهم راغبون في استكمال الحياة معًا، والتغاضي عن هذا الأمر.

إدارة الأمر من منطلق المعركة هو إدخال لمؤسسات الدولة في خلاف حاد، وإرباك للمواطنين في نفس الوقت، وإدخال المجتمع في جدل عميق وتحويلها إلى معركة بين فريقين، كل له مكانته ونفوذه، وهي معركة صفرية يخسر فيها الجميع.

النقطة الأخرى أن البيان اتجه للغة الهمز واللمز، ولم يكن لائقًا على بيان لهيئة كبار العلماء أن يلجأ لهذا الأسلوب. قالت في الفقرة الأخيرة: «وتتمنَّى هيئةُ كبار العلماء على مَن "يتساهلون" في فتاوى الطلاق، على خلاف إجماع الفقهاء وما استقرَّ عليه المسلمون، أن يُؤدُّوا الأمانةَ في تَبلِيغ أحكامِ الشريعةِ على وَجهِها الصحيح، وأن يَصرِفوا جُهودَهم إلى ما ينفعُ الناس ويُسهم في حل مشكلاتهم على أرض الواقع؛ فليس الناس الآن في حاجةٍ إلى تغيير أحكام الطلاق، بقدر ما هم في حاجةٍ إلى البحث عن وسائل تُيسِّرُ سُبُلَ العيش الكريم".

 فهم يلمزون على مناوئيهم في الفتوى سواء الهلالي أو الجندي أو مظهر شاهين ويتهمونهم ضمنيًّا بخيانة الأمانة ومخالفة إجماع الأمة، مع التنبيط على الدولة وأجهزتها بشكل سياسي عن أحوال المعيشة. لا أصادر رأي الشيوخ في الحديث عن الشأن العام، فهذا حقهم، ولكن ليس ضمن هذا البيان، فقد صدر البيان في شأن محدد، وكان لزامًا عليه ألا يتجاوزه، ويترك الأمور الأخرى لمواقف أخرى. لأن الأمر صنع استقطابًا حادًّا، خاصة أن البيان أيضًا تطرق إلى أمور التشريع، وهذا ليس مجاله، فهناك برلمان وله لجنة دينية موجودة داخل البرلمان، والبلد في وضع مزر ولا تتحمل استقطابًا في تلك اللحظات الحرجة والصعبة التي تمر بها البلاد، لا وقت لدينا لمعارك من هذا النوع.

أيضًا حديث الحبيب الجفري كان مؤشرًا جديدًا لخلط الدين بالسياسة، والحديث عن الجيش الغربي الذي سيسلم، لمغازلة المصريين، واستدعاء أحاديث أقل ما يقال عنها إنها ضعيفة وهشة، في وقت النبوة لم تكن مصر فتحت، وكانت تحت الاحتلال الروماني وكانت قبله تحت حكم الفرس، فعن أي جيش غربي يتحدث الجفري، عن جيش الفرس أم جيش الروم أم الإسكندر الأكبر، فمصر تاريخ طويل من الاحتلال.

خلط الدين بالسياسة أمر خطير وفخ لا يجب أن تقع فيه الدولة المصرية، لأن الآخرين أيضًا لديهم أحاديث، ولديهم تأويلات للقرآن يستطيعون استخدامها، فلا يجب أن نستدرج لملعبهم، يكفينا أن نكون مؤمنين بقضيتنا الوطنية وعقيدتنا القتالية، وهي الدفاع عن الأرض ووحدة الوطن. لأننا لو خلطنا الدين بالسياسة، فكتب التراث تعضد موقفهم أكثر، لأنها كانت تؤسس للخلافة والخليفة بدعم ديني، كانت تصوغ نصوصًا وفقهًا، لدعم إمبراطوريتها، وفقهاء سلطانهم ما زال يمثل بريقًا عن فقهاء سلطانكم، فلا تلعبوا هذه اللعبة الخطرة.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع