الأقباط متحدون - أقنعة البرلمان
  • ٢١:٤٥
  • الاربعاء , ٨ فبراير ٢٠١٧
English version

أقنعة البرلمان

مقالات مختارة | خالد عكاشة

٢١: ٠٩ م +02:00 EET

الاربعاء ٨ فبراير ٢٠١٧

خالد عكاشة
خالد عكاشة

انزعجت بشدة، كغيرى من ملايين المصريين، ونحن نطالع هول أرقام الموازنة المالية الخاصة بمجلس النواب عن عام 2015/ 2016م، ربما كان البند المالى المخصص لشراء سيارات مصفحة للسيد رئيس المجلس ووكيليه هو قمة جبل الجليد الذى اصطدمنا به، لكننا سرعان ما اكتشفنا أن الغاطس من هذا المكون الغامض أكثر تعقيداً واستهانة بعقول تبحث -افتراضاً- عن النجاة. ربما هذا البحث وتلك الأزمة الخانقة أصبحت محل شك، هل هى موجودة أم أن البرلمان يعيش عالماً افتراضياً آخر يجعل التساؤل فى غير موضعه. هكذا بدا البيان الرسمى فى الرد على تخصيص رقم الملايين لشراء المصفحات وسيارات الركوب، فصياغة بيانات من هذا النوع لها فن عتيد فى أضابير البيروقراطية المصرية، وهو ما سار المجلس عليه بدقة متناهية.

فلم يوجه أحد من ملايين المنزعجين، أمثالى، اتهاماً أو إشارة بأن هذه الأموال قد تم الاستيلاء عليها بطريق غير مشروع، أو إنفاقها سراً فى أغراض مخالفة للقانون، حتى يدبج المجلس رداً مغرقاً فى تفاصيل المكاتبات وتواريخها، ويلحقه بأرقام وأعوام واعتمادات وموافقات (المجلس ذاته هو الذى يقوم بها بالمناسبة)، واستلزم بياناً من هذا النوع استخدام لفظ «القواعد المقررة» أكثر من مرة. وهذا بالضبط ما كان يقصده الرأى العام فى أن المجلس ذهب للاستفادة من تلك القواعد فى «أوجه صرف» لم تتسم باللياقة السياسية، وبتوالى الأرقام عن بنود مالية أخرى فى الموازنة ذاتها وصلت لمئات الملايين، تتعلق بالبدلات والتمثيل والانتقالات وغيرها، فقد مثل هذا البيان المذكور معناه، ولم يحصد المجلس سوى مزيد من عدم الثقة لدى المواطن، وخطا بعيداً ورئيسه الدكتور على عبدالعال يهدد الجميع فى ضيق، متوعداً من سيتناول موازنة المجلس بالمراجعة أو بإبداء الملحوظات بالمساءلة القانونية، وفق مرجعية جديدة مدهشة تصف الموازنة المشار إليها بـ«الأمن القومى».

لا أدرى مدى جدية هذا الطرح المذهل، وهل هو موجه إلى أعضاء المجلس أم يشمل الناخبين كافة (رقم بعشرات الملايين) الذين أتوا بهذا المجلس، ربما لم يدرك رئيس المجلس والأعضاء الذين صمتوا ومرروا مثل هذا الأداء حجم امتهان مصطلح «الأمن القومى» بإسباغه على تصرفات مالية لمؤسسة شعبية. على الجانب المقابل لا ندرك أى قناع هنا يرتديه المجلس، فى وقت نفترض فيه أن يلزم المؤسسات التنفيذية كافة، وغيرها، باتباع القدر الأكبر من الشفافية، نجده مرتدياً لقناع موظف ماهر فى استثمار النصوص البيروقراطية لصالحه، ولذات المهمة التى هى رقابية بالأساس يرتدى قناعاً تنفيذياً آخر، فى احتمائه بوزير الشئون القانونية والبرلمانية ليخرج منه بتصريح يخفف من حدة المأزق.

ما يجب الوقوف عنده أن لعبة الأقنعة خلال الفترة المنقضية من عمر المجلس أصابت الجميع، وربما المجلس نفسه، بتشويش فادح، فهل هو مجلس صارم فى أدائه الداخلى فيما يخص شئونه كما يحاول أن يبدو اليوم، إذن أى قناع كان يرتديه حيال مماطلة نائب وإفساحه المجال للتلاعب بالأحكام القضائية وحرمان النائب عمرو الشوبكى من شغل مقعده المستحق؟

الموقفان بالضرورة لا يستقيمان بقناع واحد. فى إطار مهمته الرقابية على السلطة التنفيذية سقط أيضاً فى هذا الفخ، عندما شكل لجنة تقصى حقائق لقضية التلاعب فى الصوامع ومخزون القمح فقامت بدورها على أكمل وجه، وكان وزير التموين السابق خالد حنفى على شفا استجواب برلمانى يستتبعه مساءلة حكومية شاملة، خاصة أن الأمر يتعلق بالسلعة الاستراتيجية الأهم. فإذا بالمجلس يسارع بقناع القادر على عقد الصفقات، ليرتضى باستقالة الوزير فى مقابل إفلات الحكومة، ويحرم الرأى العام من الوقوف على كواليس هذا الجانب من الفساد، ويجهض بالضرورة أى تحرك مستقبلى مماثل حول السلع أو الأسعار، وهى آلية تم دفنها بالفعل ولم ولن تستخدم ثانية على ما أظن طوال عمر هذا المجلس.

القناع الأشهر والحاضر دوماً بالطبع هو قناع «لا أسمع لا أرى لا أتكلم»، فالمجلس يسجل له أن القضايا الأكثر جدلاً وإلحاحاً لم تجد يوماً طريقها لساحة البرلمان، فنحن لم نتابع أى استعراض من النواب لقضية «تيران وصنافير» خاصة مع ما أثارته من جدل وانقسام كبير، استدعاء متخصصين والعليمين بتعقيدات الملف كان وجودهم تحت القبة واستجلاء الحقائق منهم ومناقشتها علناً من الممكن أن يرأب كثيراً من التصدعات التى دفعنا جميعاً ثمناً لها. وربما أداء هذا الدور بالصورة الاحترافية الناجحة كان سيسهم فى تشكيل رأى عام أقرب للتوحد، بديلاً عن شروخ الانقسام الحاد فى الرؤى ووجود الرأى ونقيضه، تماماً كقضية «سد النهضة»، هل نحن أمام كارثة وتهديد أفلت منا زمام احتوائه، أم أن للقضية أبعاداً غائبة تجعل الوصول فيها لحد الأمان ممكناً، ولكليهما خبراؤه من الأسماء المرموقة فى مجالها الذين يقسمون بأدلتهم أنهم على حق. وثالث تلك الأمثلة الجدلية، وعلى القدر نفسه من الأهمية، ما يتعلق بالسياسات النقدية للحكومة والبنك المركزى فيما يتعلق بتعويم العملة والحد الآمن للقروض الخارجية والداخلية. حيث مطرقة الأسعار تدق أعناق شرائح واسعة من المجتمع، فهل الأمر لا يستلزم اليوم طرح مناقشة برلمانية مع الحكومة، تجيب فيه الأخيرة عن رؤيتها العامة للوضع بعد شهور من هذا الإجراء الاقتصادى المعقد، وعلى أى شىء تراهن الحكومة مستقبلاً للعلاج وللسيطرة على أوضاع أشبه بالرمال المتحركة.

قبل هذا، أىّ قناع سيرتديه ويراهن عليه البرلمان مستقبلاً إزاء مساحات هائلة مفقودة من الثقة، الوحيد الذى لا يراها ولا يدرك مداها هو المجلس نفسه. حيث يدرك الجميع أنه لطول ارتدائه وانشغاله بتبديل الأقنعة، فهو يمضى فى طريقه دون أن يرانا أو يرى قضايانا.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع