محرر الأقباط متحدون
في موقف لافت يعكس قلقًا متزايدًا داخل الدوائر الكنسية الدولية، أكّد الفاتيكان رفضه لأي إجراءات تهدف إلى فرض عقوبات جماعية على الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية، معتبرًا أن المساس بالبنية الكنسية كلها بسبب أخطاء أفراد أمر لا يتوافق مع المبادئ الكنسية ولا مع القيم الإنسانية. 

وجاء هذا الموقف خلال لقاء عُقد في 18 نوفمبر 2025 في مقر الكرسي الرسولي، حيث استقبل الكاردينال كلاوديو غودجيروتي، رئيس دائرة شؤون الكنائس الشرقية في الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، وفدًا أوكرانيًا رسميًا ضمّ رئيس هيئة سياسة الإثنيات والأديان فكتور يلنسكي وسفير أوكرانيا لدى الفاتيكان أندريه يوراش، بحسب ما أعلنته الهيئة الأوكرانية.

وخلال اللقاء شدّد الكاردينال غودجيروتي على تفهّمه لضرورة محاسبة الأفراد الذين يثبت تورّطهم في خرق القوانين أو التعاون مع جهات معادية للدولة، بمن فيهم بعض رجال الدين إذا ثبتت إدانتهم، إلّا أنه أوضح بوضوح وحزم أنّ تحميل الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية ككل مسؤولية جماعية هو أمر غير مقبول ولا يمكن تبريره لا كنسيًا ولا قانونيًا. وفي المقابل أكد يلنسكي أن الدولة الأوكرانية، بحسب تعبيره لا تتجه إلى معاقبة الكنيسة بكاملها، وأن الحديث عن عقاب جماعي «ليس مطروحًا».

وقد سبق لهذه القضية أن أثارت اهتمامًا واسعًا في الأوساط الكنسية العالمية، إذ ناقشت وفود أرثوذكسية في الولايات المتحدة ملف حماية الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية مع أعضاء في الكونغرس الأمريكي، في ظل تزايد المطالبات الدولية بالدفاع عن حرية العبادة وحماية الأوقاف والرهبان والإكليروس من أي استهداف غير مبرّر.

وفي سياق متصل يعزّز ما ذهب إليه الفاتيكان، أصدرت المرصد الأوروبي لعدم التسامح والتمييز ضد المسيحيين في أوروبا (OIDAC Europe) تقريره السنوي لعام 2025، والذي حمل عنوان «عدم التسامح والتمييز ضد المسيحيين في أوروبا»، وجاء فيه توثيق موسّع للوضع المتعلق بالكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية، مؤكّدًا أن الحرية الدينية لهذه الكنيسة تتعرض لقيود وانتهاكات متصاعدة خلال العامين الأخيرين. 

ويعدّ هذا التقرير من أبرز التقارير الحقوقية في أوروبا، نظرًا لاعتماد المنظمة، ومقرّها فيينا منذ عام 2010 على منهجية دقيقة ترصد آلاف الحالات التي يتعرض فيها المسيحيون للتمييز أو الاعتداء، حتى بلغ عدد الحالات الموثّقة في قواعد بياناتها أكثر من ستة آلاف حالة.

وكشف التقرير أن أوكرانيا أصدرت في أغسطس 2024 قانونًا يسمح للقضاء بحلّ الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية إذا لم تفكّ رسميًا علاقتها بالكنيسة الروسية، وهو ما اعتبرته المنظمة تشريعًا يمهّد لحلّ أقدم وأكبر كنيسة في البلاد على أساس سياسي. 

وبيّن التقرير أن خبراء الأمم المتحدة ومنهم المقرر الخاص بحرية الدين أعربوا في أكتوبر 2025 عن «قلق بالغ» من استمرار ما وصفوه بالاضطهاد القانوني والمؤسسي بحق الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية، محذّرين من أن الإجراءات الرسمية «تحدّ من حرية العبادة والممارسة الدينية».

كما سلّط التقرير الضوء على انتقادات حقوقية وجِّهت للسلطات الأوكرانية بسبب رفضها الاعتراف بإعلان استقلال الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية الصادر في 27 مايو 2022، بالإضافة إلى عدم وجود متخصصين في الشؤون الكنسية داخل اللجنة الحكومية التي تولّت التحقيق في علاقات الكنيسة مع بطريركية موسكو، الأمر الذي اعتبرته المنظمة إخلالًا جوهريًا بالمعايير المهنية اللازمة للتحقيق في القضايا الدينية.

ويستند التقرير إلى مصادر رسمية من الشرطة الأوروبية، وتقارير منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بشأن جرائم الكراهية، ومعلومات المجتمع المدني، فضلًا عن الدراسات الخاصة التي أجرتها OIDAC، ليؤكد أن القيود القانونية المفروضة على الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية أصبحت واحدة من أبرز التحديات التي تواجه الحرية الدينية للمسيحيين في أوروبا خلال عامي 2024–2025.

وتبرز هذه التطورات المتلاحقة حجم القلق الدولي المتصاعد بشأن مستقبل الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية، إذ تتقاطع مواقف الفاتيكان وتقارير المنظمات الحقوقية الدولية عند نقطة واحدة: ضرورة حماية الحرية الدينية وعدم استخدام التشريعات أو الإجراءات الحكومية كوسيلة للضغط السياسي أو العقائدي على الكنائس. وبينما تتواصل النقاشات في الأوساط السياسية والكنسية، يبقى الملف مفتوحًا، بانتظار خطوات تضمن صون كرامة المؤمنين وحماية المؤسسات الدينية من أي استهداف لا يستند إلى أسس قانونية أو كنسية سليمة.