محرر الأقباط متحدون
"إنَّ جامعة اللاتيران تحتل مكانة خاصة في قلب البابا، والبابا يشجعكم على أن تحلموا بأحلام كبيرة، وتتصوروا فسحات ممكنة للمسيحية في المستقبل، وتعملوا بفرح لكي يتمكن الجميع من اكتشاف المسيح، ويجدوا فيه الكمال الذي يطمحون إليه" هذا ما قاله قداسة البابا لاوُن الرابع عشر في كلمته في افتتاح السنة الأكاديمية الجديدة في جامعة اللاتيران الحبرية

افتتح قداسة البابا لاوُن الرابع عشر صباح اليوم الجمعة السنة الأكاديمية الجديدة في جامعة اللاتيران الحبرية، مؤكّدًا الدور المحوري الذي تؤدّيه هذه المؤسسة في خدمة الكنيسة وتوجيه التفكير الكنسي المعاصر. وفي كلمة شاملة ألقاها أمام الأساتذة والطلاب والعاملين، ثمَّن الأب الأقدس الإرث التاريخي العريق للجامعة التي تدخل عامها الدراسي المئتين والثالث والخمسين، مشدّدًا في الوقت نفسه على الحاجة الملحّة إلى تجديد الحضور الكنسي في ميادين الثقافة والمعرفة والتنشئة.

قال البابا لاوُن الرابع عشر يسعدني أن أكون بينكم اليوم، في جامعة اللاتيران الحبرية، لافتتاح العام الأكاديمي المئتين والثالث والخمسين منذ تأسيسها. إنها مناسبة مميزة، ننظر فيها بامتنان إلى التاريخ الطويل الذي سبقنا، فيما نتطلع أيضاً إلى الرسالة التي تنتظرنا، وإلى الدروب التي علينا اكتشافها، وإلى الخدمة التي نحن مدعوون لتقديمها للكنيسة في واقع اليوم وأمام تحديات المستقبل. نظرة امتنان إلى الماضي، ولكن أيضاً عيون وقلوب متجهة نحو المستقبل، لأن هناك حاجة للخدمة القيّمة التي تقدمها الجامعة.

تابع الأب الأقدس يقول إن كل جامعة هي في الواقع مكان للدراسة، والبحث، والتنشئة، والعلاقات، والتواصل مع الواقع الذي تنتمي إليه. وبشكل خاص تشكّل الجامعات الكنسية والبابوية، التي أقامها أو وافق عليها الكرسي الرسولي، جماعات يتم فيها بلورة "الوساطة الثقافية الضرورية للإيمان، والتي، من خلال التعبير عن نفسها في تفكير منفتح على الحوار مع المعارف الأخرى، تجد مصدرها الأساسي والأبدي في يسوع المسيح".

أضاف الحبر الأعظم يقول من بين المؤسسات الأكاديمية، تتمتع جامعة اللاتيران برابط خاص للغاية مع خليفة بطرس، وهذه سمة أساسية لهويتها ورسالتها منذ نشأتها، عندما أوكل البابا أكليمنضس الرابع عشر عام ١٧٧٣ مدرسة اللاهوت في المعهد الروماني إلى الإكليروس الأبرشي، طالبًا أن تعتمد هذه المؤسسة على البابا لتنشئة كهنتها. ومنذ تلك اللحظة، حافظ جميع البابوات اللاحقين على علاقة مميزة وعززوها مع ما أصبح يُعرف بجامعة اللاتيران الحالية. ومن بين هؤلاء، الطوباوي بيوس التاسع، الذي وضع التنظيم الحالي للكليات الأربع: اللاهوت، والفلسفة، والقانون الكنسي، والقانون المدني، مع صلاحية منح الدرجات الأكاديمية في كلا القانونين؛ لاون الثالث عشر، الذي أسس معهد الآداب العليا؛ بيوس الثاني عشر، الذي أقام المعهد البابوي الرعوي في الجامعة؛ القديس يوحنا الثالث والعشرون، الذي منح الجامعة لقب جامعة؛ والقديس بولس السادس، الذي، وإذ كان أستاذًا في هذه القاعات سابقًا، زار الجامعة بعد انتخابه مباشرة وأكد مجددًا على العلاقة الوثيقة بينها وبين الكوريا الرومانية. وقد أكد القديس يوحنا بولس الثاني على هذه العلاقة الخاصة، قائلًا: "أنتم تمثلون، بصفة خاصة، جامعة البابا: وهو لقب مشرّف بلا شك، ولكنه مرهق في الوقت عينه". وبكلمات لا تقل محبة، أعاد البابا بندكتس والبابا فرنسيس تأكيد هذا الرابط؛ وقد أراد الأخير إنشاء دورتين دراسيتين: في علوم السلام وفي الإيكولوجيا والبيئة.

تابع الأب الأقدس يقول إذ أجدد وأؤكد كل ما أنشأه ومنحه أسلافي المكرمون، أرغب في الإشارة إلى المهمة الخاصة لجامعة اللاتيران الحبرية في الظروف الراهنة. هذه الجامعة، على عكس المؤسسات الأكاديمية المرموقة الأخرى، بما فيها الرومانية، ليس لديها موهبة مؤسس لتحرسها وتعمقها وتطورها، ولكنّ توجّهها الخاص هو تعليم البابا. وبالتالي، فهي بحكم طبيعتها ورسالتها، تشكل مركزًا مميزًا يتم فيه بلورة تعليم الكنيسة الجامعة وقبوله وتطويره ووضعه في سياقه. ومن هذا المنطلق، هي مؤسسة يمكن لعمل الكوريا الرومانية أن يستند إليها أيضًا في عمله اليومي. وفي الوقت عينه، ينفتح التفكير الأكاديمي، المستوحى من الموهبة البطرسية، على آفاق متعددة التخصصات، ودولية، وثقافات مشتركة. تجد هذه المهمة تطبيقًا متميزًا لها في الكليات الأربع والمعهدين الموجودين في هذا المقر، وفي المعاهد الثلاثة ad instar facultatis، التي لها مقرات خارجية: المعهد البابوي الأوغسطيني لدراسة علم الآباء، التابع للأوغسطينيين؛ الأكاديمية البابوية ألفونسيانا لدراسات اللاهوت الأخلاقي، التابعة لرهبنة الردنتوريستي؛ المعهد البابوي كلاريتيانوم للاهوت الحياة المكرسة، التابع لرهبنة الكلاريتيان. يضاف إلى ذلك ٢٨ معهدًا مرتبطًا بألقاب مختلفة في ثلاث قارات - أوروبا وآسيا وأمريكا - بكلية اللاهوت ومعهد القانونين: واقع واسع ومتنوع، تعبير عن غنى ثقافات وخبرات، وفي الوقت عينه، وعن السعي إلى الوحدة والأمانة للتعاليم البطرسية.

أضاف الحبر الأعظم يقول أيها الأصدقاء الأعزاء، نحن اليوم بحاجة ماسة إلى التفكير في الإيمان لكي نتمكن من التعبير عنه في السيناريوهات الثقافية والتحديات الحالية، ولكن أيضًا لمواجهة خطر الفراغ الثقافي الذي يصبح أكثر انتشارًا في عصرنا. وبشكل خاص، تُدعى كلية اللاهوت إلى التفكير في وديعة الإيمان وإبراز جمالها ومصداقيتها في السياقات المعاصرة المختلفة، لكي تَظهر كطرح إنساني بالكامل، قادر على تغيير حياة الأفراد والمجتمع، وإطلاق تغييرات نبوية فيما يتعلق بمآسي وعوز زمننا، وتشجيع البحث عن الله. هذه المهمة تتطلب أن يتم إيصال الإيمان المسيحي ونقله في مختلف مجالات الحياة والعمل الكنسي، ولهذا السبب أرى أن الخدمة التي يؤديها المعهد الرعوي هي ذات أهمية حيوية.

تابع الأب الأقدس يقول في جامعة اللاتيران، يجب أن توجَّه دراسة الفلسفة إلى البحث عن الحقيقة من خلال موارد العقل البشري، المنفتح على الحوار مع الثقافات، ولاسيما مع الوحي المسيحي، من أجل التنمية المتكاملة للشخص البشري في جميع أبعاده. إنه التزام مهم، أيضًا في مواجهة الموقف الذي يتسم أحيانًا بالاستسلام الذي يميز الفكر المعاصر، وكذلك فيما يتعلق بالأشكال الناشئة للعقلانية المرتبطة بما بعد الإنسانية والتحول الإنساني. إن كليَّتي القانون، القانون الكنسي والمدني، اللتان تميزان جامعتنا منذ قرون، مدعوتان لدراسة وتدريس القانون من خلال التقدير الأوسع للمقارنة بين الأنظمة القانونية للأنظمة المدنية ونظام الكنيسة الكاثوليكية. وبشكل خاص، أشجعكم على دراسة وفهم العمليات الإدارية بعمق، التحدّي المُلحّ للكنيسة.

أضاف الحبر الأعظم يقول أخيرًا، تستحق كلمة خاصة، دورتا دراسة علوم السلام والإيكولوجيا والبيئة، اللتان ستتخذان مع مرور السنين تشكيلًا مؤسساتيًا أكثر تحديدًا. إن القضايا التي تتناولانها هي جزء أساسي من التعليم الحديث للكنيسة، والتي، إذ أقيمت كعلامة للعهد بين الله والبشرية، هي مدعوة لتنشئة صانعي سلام وعدالة يبنون ملكوت الله ويشهدون له. إن السلام هو بالتأكيد عطيّة من الله، ولكنه يتطلب في الوقت عينه نساء ورجالًا قادرين على بنائه كل يوم ودعم العمليات نحو إيكولوجيا متكاملة على المستويين الوطني والدولي. ولذلك، أطلب من جامعتي مواصلة تطوير وتعزيز هاتين الدورتين الدراسيتين على المستوى المشترك والمتعدد التخصصات، وإذا لزم الأمر، دمجهما بمسارات أخرى.

تابع الأب الأقدس يقول هذا كلّه يتعلق بالمهمة التربوية للجامعة بشكل عام، ولكن أود أيضًا أن أتخيل معكم جامعة اللاتيران كمكان - كما قلت في البداية - له عيون وقلب موجهان نحو المستقبل، وينطلق في التحديات المعاصرة من خلال بعض الأبعاد الخاصة التي أسلّط عليها الضوء باختصار: الأول هو هذا: على المبادلة والأخوة أن تكونا في صميم التنشئة. اليوم، لسوء الحظ، غالبًا ما تستخدم كلمة "شخص" كمرادف للفرد، وسحر الفردية كمفتاح لحياة ناجحة له عواقب مزعجة في كل مجال: يتم التركيز على الترويج للذات، وتغذية أولوية الأنا، ويصعب التعاون، وتنمو الأحكام المسبقة والجدران إزاء الآخرين ولاسيما إزاء من هم مختلفين عنا، ويتم الخلط بين خدمة المسؤولية والقيادة الانفرادية، وفي النهاية، يتكاثر سوء التفاهم والصراعات. تساعدنا التنشئة الأكاديمية على الخروج من نزعة المرجعية للذات وتعزز ثقافة المبادلة، والغيرية، والحوار. ضد ما تسميه الرسالة العامة "Fratelli tutti"، "فيروس الفردانية الراديكالية"، أطلب منكم أن تنمّوا المبادلة، من خلال العلاقات القائمة على المجانية والخبرات التي تساعد على الأخوّة والمقارنة بين الثقافات المختلفة. إن جامعة اللاتيران البابوية، الغنية بوجود طلاب وأساتذة وموظفين من القارات الخمس، تمثل عالمًا مصغرًا للكنيسة الجامعة: لذا، كونوا علامة نبوية للشركة والأخوَّة.

أضاف الحبر الأعظم يقول أما البعد الثاني الذي أود أن أذكّر به هو المنهجية العلمية، التي يجب تعزيزها والدفاع عنها وتطويرها. غالبًا لا تحظى الخدمة الأكاديمية بالتقدير الواجب، كذلك بسبب الأحكام المسبقة الراسخة التي للأسف تحوم حتى في الجماعة الكنسية. هناك أحيانًا فكرة بأن البحث والدراسة لا يخدمان أغراض الحياة الواقعية، وأن ما يهم في الكنيسة هو الممارسة الرعوية أكثر من الإعداد اللاهوتي أو البيبلي أو القانوني. لذلك فالخطر هو الوقوع في إغراء تبسيط القضايا المعقدة لتجنب عناء التفكير، مع خطر السقوط في الابتذال أو التقريب أو التزمُّت، حتى في العمل الرعوي ولغاته. إن البحث العلمي وعناء البحث هما ضروريان. نحن بحاجة إلى علمانيين وكهنة مؤهلين وأكفاء. ولذلك، أحثكم على عدم التهاون بشأن المنهجية العلمية، والمضي قدمًا في البحث الشغوف عن الحقيقة والمواجهة الدقيقة مع العلوم الأخرى، ومع الواقع، ومع مشاكل ومتاعب المجتمع. وهذا الأمر يتطلب أن يكون لدى الجامعة أساتذة مؤهلون، يوضعون في الظروف - الرعوية والقانونية والاقتصادية - التي تمكنهم من التفرغ للحياة الأكاديمية والبحث؛ وأن يكون الطلاب متحفزين ومتحمسين، ومستعدين للدراسة الدقيقة. ويتطلب أن تتحاور الجامعة مع مراكز الدراسة والتعليم الأخرى، لأنه في هذا المنظور المشترك والمتعدد التخصصات يمكن الشروع في مسارات لم تُكشف بعد.

تابع الأب الأقدس يقول أما البعد الثالث الذي أذكره باختصار هو الخير العام. إنَّ هدف العملية التعليمية والأكاديمية، في الواقع، يجب أن يكون تنشئة أشخاص يمكنهم، بمنطق المجانية والشغف من أجل الحقيقة والعدالة، أن يكونوا بناة عالم جديد، عالم متضامن وأخوي. يمكن للجامعة ويجب عليها أن تنشر هذه الثقافة، لتصبح علامة وتعبيرًا لهذا العالم الجديد والسعي لتحقيق الخير العام.

وختم البابا لاوُن الرابع عشر كلمته بالقول أيها الأعزاء، إن عالم لاهوت مرموق من هذه الجامعة، الأستاذ مارتشيلو بوردوني، يؤكد في إحدى تأملاته حول العلاقة بين الكريستولوجيا والانثقاف، أنه من الضروري تحمُّل مسؤولية مهمة التفكير في الإيمان و"الحوار مع العالم، وتاريخه المتغير والذي غالبًا ما يستفز إيمان المسيحي أمام المشاكل الجديدة وأوضاع الحياة الجديدة، يشكل ساحة التدريب لهذا الالتزام الذي هو عناء المفهوم". أتمنى لكم أن تواصلوا سبر غور سر الإيمان المسيحي بهذا الشغف وأن تتمرنوا دائمًا في ساحة الحوار مع العالم، ومع المجتمع، ومع تساؤلات وتحديات اليوم. إنَّ جامعة اللاتيران تحتل مكانة خاصة في قلب البابا، والبابا يشجعكم على أن تحلموا بأحلام كبيرة، وتتصوروا فسحات ممكنة للمسيحية في المستقبل، وتعملوا بفرح لكي يتمكن الجميع من اكتشاف المسيح، ويجدوا فيه الكمال الذي يطمحون إليه. شكرًا لكم! وعامًا دراسيًا سعيدًا!