محرر الأقباط متحدون
استقبل البابا لاون الرابع عشر صباح اليوم السبت في الفاتيكان المشاركين في مؤتمر الأكاديمية الحبرية المريمية الدولية، ووجه لهم خطابا أكد فيه أن القديسة مريم هي امرأة اليوبيل وهي أيضا امرأة السينودسية، وقال إن والدة الرب ما فتئت اليوم تفتح الأبواب، وتبني الجسور، وتهدم الجدران وهي أيضا تساعد البشرية على العيش بسلام في إطار التناغم وسط التنوع. كما أكد أن الانفتاح على مجانية الله وحده قادر على جعل الأشخاص والشعوب والثقافات تسير معاً في درب السلام.
استهل الحبر الأعظم كلمته معبراً عن سروره للقاء المشاركين من المؤتمر الدولي، موجهاً تحية إلى رئيس الأكاديمية، والأمين العام، وأعضاء المجلس الإداري، ولفت إلى أن القديسة مريم، أمّ الكنيسة، تعلمنا كيف نكون شعب الله القدوس، ومن هذا المنطلق تكتسب الأكاديمية أهمية كبرى، إذ تشكل علية للأفكار والروحانية والحوار وتنظيم الدراسات في اللاهوت المريمي فضلا عن الخدمة وأعمال المحبة الأصيلة والمثمرة المستوحاة من هذا اللاهوت.
بعدها توقف البابا عند أعمال هذا المؤتمر السادس والعشرين، والذي تناول فيه المشاركون الوجه المريمي للكنيسة، متسائلين ما إذا كان من رواسب الماضي أم هو أيضا نبوءة للمستقبل، قادرة على تحريك الضمائر والقلوب التي غالباً ما تتأسف على مجتمع مسيحي لم يعد له وجود. وذكّر لاون الرابع عشر بأن المؤتمرين تطرقوا أيضا إلى الغايات والقِيَم التي يقترحها اللاهوت المريمي على المؤمنين في عالم اليوم، للتأكد ما إذا كانت هذه الغايات والقيم في خدمة الرجاء والتعزية اللذين ينبغي أن تعلنهما الكنيسة على العالم. ولفت إلى أن ضيوفه رأوا في اليوبيل والسينودسية عنصرين بيبليين ولاهوتيين لتسليط الضوء – بطريقة فاعلة – على دعوة والدة الرب ورسالتها.
وأضاف الحبر الأعظم أن مريم، التي هي امرأة اليوبيل، تبدو لنا قادرة دائماً على الانطلاق من جديد من خلال الإصغاء لكلمة الله، بحسب الموقف الذي تحدث عنه القديس أغسطينس في كتاب "الاعترافات" عندما لفت إلى أن الناس يستشيرون الآخرين، لكنهم لا يستعمون غالبا إلى الرد، أما الخادم الأمين فهو لا يحاول أن يسمع ما يريد سماعه وحسب، بل كل ما يريد أن يقول سيده. وأوضح البابا أن مريم هي أيضا امرأة السينودسية، وقد استسلمت بالكامل لعمل الروح القدس، الذي يدعونا للسير معاً كأخوة وأخوات، وبهذه الطريقة نتخطى الشكوك وانعدام الثقة والعداوة.
تابع لاون الرابع عشر كلمته لافتا إلى أن الكنيسة التي لديها قلب مريمي تدرك بشكل أفضل هرمية حقائق الإيمان، وتحاول أن تدمج بين العقل والعاطفة، بين النفس والجسد، بين ما هو عالمي وما هو محلي، بين الشخصي والجماعي، بين البشرية والكون. وهذه الكنيسة لا تتردد في طرح تساؤلات – قد تكون مزعجة أحيانا – على نفسها وعلى الآخرين، وفي السير على الدروب المتطلبة للإيمان والمحبة، كما فعلت القديسة مريم العذراء، عندما قالت للملاك ها أنا أمة الرب فليكن لي بحسب قولك.
بعدها شدد البابا على ضرورة أن تكون أعمال المحبة والرأفة المستوحاة من اللاهوت المريمي موجهة نحو خدمة الرجاء والتعزية، لافتا إلى أن هذا الأمر يحررنا من السطحية والتطرف، ويأخذ في عين الاعتبار الواقع البشري، انطلاقاً من الأوضاع التي يعيشها الأشخاص المهمشون والمقصيون، ويعطي صوتاً لكرامة الأشخاص الذين يُضحى بهم على مذابح الأوثان القديمة والحديثة.
وأكد لاون الرابع عشر في هذا السياق أنه يمكننا أن نرى في دعوة والدة الرب دعوة الكنيسة نفسها، مشيرا إلى أن اللاهوت المريمي مدعو إلى إيقاظ الاستعداد للانطلاق مجدداً من الله ومن كلمته ومن الاهتمام باحتياجات الآخرين بوداعة وشجاعة، هذا فضلا عن الرغبة في السير نحو الوحدة التي تنبعث من الثالوث الأقدس، كي نشهد أمام العالم كله لجمال الإيمان وخصوبة المحبة ونبوءة الرجاء الذي لا يخيّب. واعتبر الحبر الأعظم، في هذا السياق، أن التأمل في سرّ الله والتاريخ من خلال النظرة الداخلية للقديسة مريم يوفر لنا الحماية من البروباغندا والأديولوجيات والإعلام المريض، وكل ما يعجز عن حمل كلمات مجردة من السلاح، وتجرد من السلاح. وأكد البابا أن الانفتاح على مجانية الله وحده قادر على جعل الأشخاص والشعوب والثقافات تسير معاً في درب السلام.
مضى لاون الرابع عشر إلى القول إن الكنيسة تحتاج إلى اللاهوت المريمي، الذي ينبغي أن يُقترح على المعاهد الأكاديمية وعلى المزارات والجماعات الرعوية، والجمعيات والحركات ومعاهد الحياة المكرسة، كما أيضا في البيئات التي تُصنع فيها الثقافات المعاصرة، مع تقييم ما يمكن أن يقدمه الفن والموسيقى والأدب في هذا المجال. وذكّر الحبر الأعظم بأن الأكاديمية المريمية الدولية أطلقت، خلال السنوات الماضية، سلسلة من المبادرات الهادفة إلى طرح صورة ورسالة والدة الرب يسوع، كدرب للتلاقي والحوار بين الثقافات. وشدد البابا على أن مريم التي استسلمت بالكامل لعمل الروح القدس ما فتئت تفتح الأبواب، وتبني الجسور، وتهدم الجدران وتساعد البشرية على العيش بسلام في إطار التناغم وسط التنوع.
في ختام كلمته إلى المشاركين في أعمال مؤتمر الأكاديمية الحبرية المريمية الدولية شاء البابا لاون الرابع عشر أن يشكر ضيوفه على الخدمة الكنسية التي يقدمونها، والتي تذكّرنا دائماً بأن للكنيسة وجهاً مريمياً، وطريقة عيش مريمية. وأراد أن يهنئ أيضا من تم ترشيح أعمالهم الفنية والموسيقية للجائزة السنوية الدولية التي تحمل عنوان "مريم، درب السلام بين الثقافات". وتمنى البابا أيضا أن تبقى هذه الأكاديمية بيتاً ومدرسة وتظل منفتحة على جميع الأشخاص الراغبين في وضع دراساتهم المريمية في خدمة الكنيسة. وقال إنه يصلي من أجل ضيوفه ويمنحهم البركة الرسولية.