الأحد ٢٣ سبتمبر ٢٠١٢ -
٠٠:
١٢ ص +02:00 EET
بقلم : عزت بولس
كلنا نتذكر وبحسرةٍ شديدة صور التلاحم الشعبي الجميلة بين المسلمين والمسحيين في ميادين مصر، وكيف انتشرت في جميع وسائل إعلام العالم الصورة الحضارية الرائعة لشباب مصر الذين قاموا بالثورة في أيامها الأولى، وضحوا بأرواحهم لمباديء هم آمنوا بها. ولم يغِب عن ذاكرتنا كيف انتشر الشباب في جميع أنحاء مصر حاملين فرشات تلوين الأرصفة والمقشات لتنظيف الشوارع. وكيف تكاتف سكان العمارات، وكوَّنوا دوريات للحراسة، في تلاحم شهد، بل انبهر به العالم المتقدم. وانبهر العالم أيضًا بعبقرية المصري، وخفة ظله في توظيف الفكاهة كمحرك لخدمة أهدافه، بصورة لم تعهدها شعوب العالم من قبل، واستطاع أن يغزوا قلوب شعوب العالم بإصراره على تحقيق ما يربوا إليه بطريقته الفريدة. وظهرت أصالة الشعب المصري المختفية لعقود طويلة طافية على سطح الحياة، مُفاجِئة العالم بما لم يكن يتوقعه من شعب أشيع عنه السلبية، ووصموه بصفات الصبر والانصياع والخنوع وغيرها من الصفات المحبطة التي نعتونا بها وتداولناها بسذاجةٍ وطيبة، دون محاولة معرفة الغرض من بثها بيننا.
لقد أظهر شعبنا العظيم معدنه الحقيقي الثمين المتوطن في جينات كل مصري أصيل. وبدا للعالم جليًا أن المصري قادر على استعادة دورة الريادي الحضاري الذي أضاعته الغزوات المختلفة منذ مئات السنين، بعد أن ظنَّ الكثيرون أن حضارتهم اندثرت للأبد، وأنهم فقدوا مقومات القوة والرغبة للنهوض ببلدهم، وأدمنوا الانبطاح للأجنبي سواء أكان عربيًّا أو غربيًّا.
لكن هذه الصحوة الحضارية المفاجئة لم ترق لأمريكا وحلفائها الغربيين؛ لأنهم يريدون أن تظل هذه المنطقة تغط في بحر ظلمات العصور الوسطى؛ لكي لا يظهر منافس قوي لدويلتهم إسرائيل في هذه المنطقة.
ونحن هنا ليس بصدد التنديد بدولة إسرائيل، ولا نفي حقها في الوجود، ولكننا لا نستسيغ فكرة أن ينعم الإسرائيليون بكل مظاهر الحضارة والتفوق، بينما نظل نحن غائبين في ظلمات الجهل والفقر واستجداء المعونات والأموال لسد الرمق، واستهلاك ما يجود به الآخرون علينا من ابتكارات، ونصير فقط سوقًا لتوريد تقنياتهم واختراعاتهم.
وبالطبع لجأت أمريكا إلى اللعب بورقة الإخوان التي أخفتها عن الكثيرين سنينًا طويلة، وكشفت عن الورقة التي اعتقدوا أنها الورقة الرابحة اللي "هاتقش بيها"؛ لوأد الثورة المصرية.
وبالفعل وظفت أمريكا كل مالديها من إمكانيات لدعم "المد الإخواني"، منذ بدء ما سُمِّي بثورة 25 يناير التي بدأت كثورة، وصارت نكبة على الشعب المصري، المتطلع لحياة كريمة وعدالة اجتماعية. ونجحت السياسة "الأوبامية" في إدخال مصر والمصريين في صراعات طائفية، وشغلتهم عن تطلعاتهم المشروعة بـ"غيبيات التطرف"، فازدادت موجات الفتاوى شراسة منكلة بكل ما هو غير مواكب لفكرهم المتطرف. واستطاعت أمريكا مبدئيًّا بعبقرية الشيطان المتسلل إلى العقول المصرية في أن تصل بأهدافها الهادمة إلى مأربها، وساندتها نخبة من مدعي الثقافة في الوصول إلى ما وصلنا إليه اليوم من وضع، أقل ما يُوصف به أنه وضع سييء للغاية ينبيء بمستقبل مظلم.
ولم تمضِ أسابيع قليلة على تولي الأخوان السلطة، حتى بدا للأمريكان أن الورقة التي لعبوا بها لزرع التخلف في مصر، قد انقلبت على صاحبها، وملامح خسارة فادحة ظهرت بوادرها في الأفق، بعد أن استباح مجموعة من الإسلاميين أرض سفارتهم، ورفرفت أعلام القاعدة السوداء على سارية السفارة الأمريكية بالقاهرة. وكنتيجةٍ للغباء السياسي، خسرت الولايات المتحدة الأمريكية رصيدًا عاليًا من سمعتها وهيبتها وموقعها كدولة عظمى في سبيل تحقيق مصالح شلة بعينها.
هذا هو الوضع الحالي كما أراه ويراه كثيرون غيري، ويبقى الأمل في أن يتخلى متنازعو المناصب في الأحزاب الليبرالية عن أنانيتهم والتصارع فيما بينهم على مراكز رئاسية، ويتحدوا ليعملوا سويًّا لتكوين جبهة معارضة قوية، تستطيع فرض رؤيتها سلميًّا على ساحة السياسة المصرية، ويضعوا مصر على الطريق الصحيح لتصبح دولة تليق بمكانتها وبتاريخها. واضعين نصب أعينهم، أنهم أول ما سوف ينكوون بنار نظام دولة أحادية الفكر.
كلمة صادقة للإخوة المسلمين من الأقباط متحدون: "نحن نشجب بشدة وندين أية إساءة للدين المسيحي من شيوخ الفتاوى والقنوات التلفزيونية التي تبث الفتنة، كما ندين بنفس الشدة الفيلم الذي يسييء إلى رسول الإسلام، ونحن كجريدة مصرية، نؤمن أشد الإيمان بحرية الاعتقاد كما ورد في القرآن الكريم {فَمَنْ شاءَ فَلْـيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْـيَكْفُرْ} ولتحيا مصر وطنًا لكل المصريين.