الأقباط متحدون | ظاهرة «غسيل المُخ» بين الإسلاميين
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٢١:٠٣ | السبت ١٢ مايو ٢٠١٢ | ٤ بشنس ١٧٢٨ ش | العدد ٢٧٥٨ السنة السابعة
الأرشيف
شريط الأخبار

ظاهرة «غسيل المُخ» بين الإسلاميين

بقلم: سعد الدين إبراهيم | السبت ١٢ مايو ٢٠١٢ - ١٢: ٠٩ ص +03:00 EEST
حجم الخط : - +
 

«الإيمان» هو الاعتقاد بلا دليل أو بُرهان. هذه إحدى مقولات علم الاجتماع الدينى.
وقد استحضرت تلك المقولة التى تعلمناها عن أحد أساتذتنا الأجلاّء، د. مصطفى الخشاب، منذ نصف قرن، وأنا أتابع المشاهد المُتتالية لأنصار الشيخ السلفى حازم صلاح أبوإسماعيل، الذى استبعدته اللجنة العُليا للانتخابات بسبب كذبه حول الجنسية الأمريكية للسيدة والدته. ورغم الأدلة، الواردة من المصادر الرسمية الأمريكية والمصرية، بما فى ذلك نُسخ من جوازات السفر والبطاقات الانتخابية الأمريكية لوالدته، إلا أن أنصار الشيخ السلفى يُصدقونه، ولا يُصدقون أى أطراف أخرى.
وقد استرعى انتباهى أن شاباً سلفياً من أنصار الشيخ حازم صرّح لإحدى القنوات الفضائية، فى قمة أزمة جنسية الوالدة (رحمها الله)، بـ«أن الشيخ لا يكذب ولا يخطئ»!
وللوهلة الأولى، اعتقدت أن ذلك النصير أو المُريد، ربما غلبه حماس الشباب والاعتزاز بتأييد الشيخ، فخلع عليه صفات، هى من صفات الأنبياء والقديسين، ولكنى صادفت أنصاراً آخرين، فى الثلاثينيات وأوائل الأربعينيات من العُمر، يُردّدون نفس الشىء حول مناقب الشيخ حازم.
 
وفى الأحوال العادية، يُطلق العُلماء على هذه الظاهرة تعبير «الكاريزما»، أو «نورانية» القيادة، ومما لا شك فيه أن الشيخ حازم هو قيادة كاريزمية مُلهمة بالنسبة لأنصاره، ولذلك فهم يؤمنون بكل ما يفعل، ويُصدقون كل ما يقول، حتى لو كانت الأفعال لا تتفق مع الأقوال، وحتى لو كانت الأفعال والأقوال معاً لا تتفق مع الواقع. وحتى مع نكسات أو هزائم هذا الزعيم، فإن الأتباع والمُريدين يجدون لذلك ألف مُبرر ومُبرر، فالمهم هو ألا تُخدش صورة هذا الزعيم، أو تهان كرامته، فبالنسبة لهم تتوحد الصورة والأصل، وتلفهما معاً تلك الهالة النورانية.
 
وكان أقرب نموذج سابق للقيادة الكاريزمية، فى تاريخنا العربى والمصرى، هو الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، الذى لم ينتصر عسكرياً فى أى مواجهة مع أعدائه، الأقربين أو الأبعدين، ولكنه كان قد انتصر سياسياً على الأقربين، ضد الملك فاروق وطبقة «الباشوات» و«البكوات» من أركان النظام الملكى الذى ورثته مصر، منذ عهد محمد على الكبير (١٨٠٥/١٨٤٠)، فألغى النظام الملكى كُلية، وأعلن مصر «جمهورية»، وكذلك قضى على طبقة كبار المُلاك، الذين سمّاهم «إقطاعيين» فى ذلك الزمان، ووزع الأراضى التى صادرها منهم على الفلاحين المُعدمين.
 
كما أنه نجح فى مواجهة أعدائه الأبعدين، بالضغط على بقايا الاحتلال البريطانى فى منطقة قناة السويس حتى أجبرهم على الجلاء، ثم أمّم شركة القناة نفسها، وكانت إلى ذلك الوقت (٢٦ يوليو ١٩٥٦) مملوكة للفرنسيين والإنجليز. ولما شنّوا عليه حربين بالمُشاركة مع إسرائيل، نجح عبدالناصر فى تعبئة الرأى العام المصرى والعربى، والآسيوى- الأفريقى- اللاتينى لإدانة عدوان تلك الدول، واستصدر من الأمم المتحدة من القرارات، ما أجبر المُعتدين على الجلاء عن منطقة القنال، التى كانوا قد نجحوا فى إعادة احتلالها.
 
المهم أن عبدالناصر نجح فى تحويل الهزيمة العسكرية عام ١٩٥٦ إلى انتصار سياسى، ورفع ذلك من مكانته عربياً وعالمياً. ومع ماكينة دعاية هائلة، تصدرتها إذاعة «صوت العرب»، أصبح لعبد الناصر تلك الهالة الكاريزمية الكبيرة. وأصبح لعبدالناصر أنصار ومحبون ومُريدون بالملايين، داخل مصر وخارجها. وأصبح هؤلاء الملايين يصدقون كل شىء يقوله «عبدالناصر»، فهو، فى نظر المُحبين، لا يكذب ولا يُخطئ، ولا ينهزم.
وكذلك حينما هُزم هزيمة نكراء على يد إسرائيل فى يونيو ١٩٦٧، لم يُصدق الملايين، الذين آمنوا بالرجل، أنه هُزم، إلى أن خاطب «عبدالناصر»، بنفسه الرأى العام، لكى يعترف بالهزيمة، ويعرض استقالته.
 
ورغم ذلك الاعتراف الصريح بالهزيمة، رفض المُريدون والأنصار قبول ذلك الاعتراف أو قبول استقالة «عبدالناصر»، وخرجت جماهير مليونية فى مصر والوطن العربى، ترفض تنحى «عبدالناصر»، وتُطالبه بالاستمرار لغسل عار الهزيمة. أى أن مُريدى القيادة الكاريزمية ينطبق عليهم القول الشعبى المأثور: «حبيبك يبلع لك الزلط.. وعدوك يتمنى لك الغلط» وأكثر من ذلك نسج المحبون والمُريدون قصصاً وروايات يُفسّرون بها الهزيمة، التى كانت خلاصتها من وجهة نظرهم أنها «مؤامرة آثمة»، شاركت فيها القوى الغربية «الحاقدة»، وقامت إسرائيل بالتنفيذ!
ومن طُرفه، أطلق «عبدالناصر»، وماكينته الإعلامية، على تلك الهزيمة تعبير «نكسة»، وتوعد «عبدالناصر» بأن يُناضل إلى آخر رمق حتى نهاية حياته، لإزالة آثار العدوان. ورحل الزعيم المُلهم بعد ثلاث سنوات، قبل أن يُحقق ما وعد به. وترك هذه المُهمة لنائبه محمد أنور السادات، الذى حقّقها جُزئياً فى حرب أكتوبر ١٩٧٣.
 
خلاصة القول أن من شأن الزعامات الكاريزمية المُلهمة، أن تُصيب تابعيها بما يُشبه «عمى الألوان»، أو «التنويم المغناطيسى»، وهو ما أعطاه عُلماء النفس الاجتماعى مُصطلح «غسيل المُخ» (Brain Washing). وتتم عملية غسيل المُخ هذه على مرحلتين: الأولى تتم فيها الإزالة التدريجية للأفكار والمُعتقدات السابقة، بالترهيب (مثل زرع الخوف من الشياطين أو من جهنم وبئس المصير)، أو الترغيب (مثل الوعد بجنّات تجرى من تحتها الأنهار). ويكون البشير أو النذير بهذا أو بذاك، هو نبياً أو قديساً، أو من أولياء الله الصالحين.
وكان عالم الاجتماع الألمانى ماكس فيبر (Max Feber) هو أول من لفت الانتباه إلى هذا النوع من القيادات الكاريزمية، التى تظهر عادة فى المراحل الانتقالية- قُبيل، أو أثناء، أو بعيد الثورات. فتلك فترات يختلط فيها الحابل بالنابل، ويشتد القلق، ويبحث الناس عن من يُهديهم سواء السبيل، ويُنير لهم الطريق.
ويبدو أن الشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل يمتلك، حقاً أو وهماً، تلك الصفات الكاريزمية التى تجعل أنصاره لا يرون إلا طلعته البهية، ولا يسمعون إلا صوته المُغرد.
 
فلا حول ولا قوة إلا بالله
 
semibrahim@gmail.com
نقلا عن المصري اليوم




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :