الأقباط متحدون | بين الأصالة والتزييف
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ١٧:٠٤ | الثلاثاء ٢٨ ديسمبر ٢٠١٠ | ١٩ كيهك ١٧٢٧ ش | العدد ٢٢٥٠ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

بين الأصالة والتزييف

الثلاثاء ٢٨ ديسمبر ٢٠١٠ - ٣٠: ٠٨ ص +03:00 EEST
حجم الخط : - +
 

بقلم: منير بشاى
 هل يتمتع الأقباط فى بلدهم مصر بحقوق مواطنة كاملة حقيقية أصيلة أم مجرد شكل الحقوق ومظهرها الخارجى فقط؟
 من القصص التى ما تزال عالقة بذاكرتى، من مقررات الدراسة الثانوية، هذه التى  وردت فى كتاب المطالعة لمادة اللغة الفرنسية. تقول القصة أن ولدا فقيرا كان يسير فى الطريق ويحمل فى يده رغيفا من الخبز، وإستوقفت الولد رائحة شهية تفوح من مطعم كان يشوى الكباب على أسياخ فوق الفحم المشتعل. وقف الولد قليلا يتمتع بالرائحة  وأخذ يأكل رغيفه على رائحة الكباب. لمح صاحب المطعم الولد فأمسك به وإقتاده إلى داخل المطعم مصرّا على أن يتقاضى منه ثمن تمتعه بالرائحة. وهنا خطرت للولد إجابة ذكية، فأمسك بعملة معدنية وألقاها على الطاولة الرخامية فأحدثت رنينا. وقال للرجل ها أنت قد أخذت حقك وهو رنين المال نظير ما أعطيتنى من رائحة الطعام.

 أتذكر هذه القصة مرارا كلما تأملت فى أساليب تعامل الدولة مع حقوق الأقباط وإدعائها أنها تعطيهم حقوقهم كاملة. ولكن ما تعطيه لهم فعلا غالبا ما يكون شكل الحقوق وليس جوهرها، الصورة وليس المضمون، التزييف وليس الأصل، مجرد الرائحة لطعام لا يسمن ولا يغنى من جوع.
 خذ مثلا حق التمثيل النيابى الذى كان دائما سبب شكوى مريرة من الأقباط. فى الدورة قبل الأخيرة كان تمثيل الأقباط فضيحة كبيرة اذ كان يبلغ أقل من نصف فى المائة. وكان المتوقع أن تصلح الدولة هذا الغبن فى الإنتخابات الأخيرة، فماذا فعلت؟  وضعت الدولة ثقلها وراء ثلاثة أقباط، فتمكنوا من النجاح، ورسب جميع الباقين. ثم عينت الدولة سبعة أقباط آخرين من الموالين لها من ضمنهم "المفكر القبطى" الذى يمكن إعتباره معادى للأقباط وليس مواليا لهم. وفى المقابل إستبعدوا النائبة القبطية الجريئة الوحيدة التى كانت تتكلم عن قضايا الأقباط وهى د. جورجيت قلينى. والنتيجة أن الأقباط الذين يبلغ تعدادهم حوالى ۱٥% من اجمالى تعداد السكان يمثلون بمجرد ۲% من النائبين. وهؤلاء النواب الأقباط لا يحملون للأقباط أى نوع من الولاء فولائهم الحقيقى هو لمن عينهم وهى الدولة.  وهم لا يشعرون بآلام الأقباط ولا يتكلموا بلسانهم. وبمعنى آخر هم مجرد رائحة، ويظل الأقباط دون تمثيل نيابى حقيقى.
 
وتعالوا بنا نرى كيف عالجت الدولة شكوى الأقباط فى موضوع الوظائف العليا. كان الأقباط يطالبون أن يعين بعضهم فى الوظائف القيادية فإستجابت الدولة وعينت لهم محافظا قبطيا فى قنا وهو اللواء مجدى أيوب. وقد ثبت أن هذا المحافظ القبطى أسوأ من سابقه المسلم وأن المسيحيين فى محافظته يذوقون منه المر.
 أما بناء الكنائس فهى مشكلة الأقباط المزمنة منذ دخل العرب مصر. ويبدو أن منظر القبة والصليب يصيب البعض بنوع من الإرتكاريا. وآخر المساجلات مع الدولة فى هذا الشأن كان بخصوص بناء كنيسة فى العمرانية. ولكى يخرج المحافظ نفسه من المأزق صرّح للمسيحيين هناك بمبنى يستخدموه للعبادة ولكن تم تسجيله على انه مركز للخدمات ليسهل عملية استخراج الترخيص. وقال للمسيحيين بعد حصولهم على الترخيص "مبروك عليكم الكنيسة". والمعروف أن هذا هو المخرج الذى بنيت عن طريقه كنائس كثيرة فى مصر. ولكن عندما حاول الأقباط فى العمرانية وضع قبة صغيرة فوق المبنى قامت القيامة وجاءت جيوش الأمن المركزى لوقف المبنى الخطير الذى يهدد الأمن القومى للبلاد. وقامت معركة بين جيش منظم مسلح بالذخيرة الحية ومواطنين عزل وإنتصرت طبعا قوات الأمن وألحقت بالعدو خسائر فادحة فقتل إثنان وجرح العشرات. وحتى الآن لا يعرف مصير تلك الكنيسة التى تحمل إسم مركز خدمات خصوصا بعد قيام جامع بين يوم وليلة على بعد أمتار منها. والسؤال هل ستطبق الشروط العشرة للعزبى باشا ويخسر الأقباط حتى مجرد رائحة كنيسة يتعبد فيها أهل العمرانية؟
 
تعامل القضاء مع الأقباط هو مثال آخر. والطريقة المتبعة أصبحت مكررة ومعروفة. تحدث أزمة للأقباط مع الدولة مثل ما حدث فى موضوع كنيسة العمرانية. بعدها تقبض الشرطة على عدد كبير من الأقباط ويبدأ التحقيق معهم واحدا بعد الآخر. ويستمر تجديد حجز المقبوض عليهم فترة بعد الآخرى. بعض هؤلاء يمثلون العائل الوحيد لأسرهم. والبعض الآخر طلبة يحرموا من حضور المحاضرات وقد تضيع عليهم فرصة الدخول فى الإمتحانات. ويحس الأهل بالمأساة فيقدموا إلتماسات للمسئولين للإفراج عن المسجونين الأبرياء. وبعد جهد كبير تتظاهر الدولة بالرحمة فتفرج عن البعض. وتستمر التوسلات فيعودوا ليفرجوا عن جزء من البعض الآخر. وتبقى الدولة بعدد آخر لمناسبة هامة مثل عيد الميلاد الذى تقدمه للأقباط كهدية للعيد يتقبلها الأقباط بالشكر والإمتنان (مع أنهم لم يأخذوا شيئا) وتتحول المصيبة بقدرة قادر إلى أفراح. وتنسى المشكلة الأصلية كما نسيت مشكلات أخرى قبلها. وينتظر الأقباط حتى تظهر مشكلة جديدة لتتكرر القصة.
 الأمثلة كثيرة ولكن المغزى من هذا كله أن الدولة لديها المقدرة الخارقة على التظاهر بأنها تعطى الأقباط حقوقهم كاملة بينما هى لا تعطيهم شيئا أو أنها تعطيهم مجرد الفتات الذى لا قيمة له. قال الأسقف ديزموند توتو زعيم الحقوق المدنية للسود فى جنوب أفريقيا: لا يكفينى الفتات من الحقوق التى يلقيها على كنوع من الشفقة من يعتبرون نفسهم أسيادى، أنا أريد الوجبة كاملة.

 ويالمثل، لن يرضى الأقباط بمجرد رائحة الطعام، ولن يكفيهم الفتات المتساقط. ولن يقبلوا بغير الوجبة الكاملة للحقوق، كمواطنين أصلاء، وليس كمواطنين من الدرجة الثانية، خاصة أنهم أصل مصر، ويدفعون الثمن كاملا، وليس مجرد رنين العملة...

Mounir.bishay@sbcgloal.net
لوس أنجلوس




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
تقييم الموضوع :