السبت ١١ يونيو ٢٠١٦ -
٥٨:
٠٥ م +02:00 EET
إعداد/ماجد كامل
المقصود بترجمة الفولجاتا هي الترجمة الشعبيىة للكتاب المقدس باللغة اللاتينية التي قام بها القديس جيروم ( 347- 420 م تقريبا ) حيث رأي ان الترجمة اللاتينية القديمة التي ظهرت في القرن الثاني الميلادي لغتها صعبة ؛ففكر في عمل ترجمة شعبية تكون أكثر سهولة عرفت بالترجمة الفولجاتا ؛وهي كلمة لاتينية معناها شعبية (ومنها جاءت كلمة "Folk" في اللغة الانجليزية بمعني شعب ومنها أشتق علم الفولكلور وهو علم ثقافة الشعوب ؛ ومنها أيضا جاءت العربة الفولكس في اللغة الإلمانية ومعناها العربة الشعبية ) ولقد كان لهذه الترجمة دور كبير في انتشار المسيحية في كل البلاد الأوربية ؛كما أن كل الترجمات إلي اللغات الأوربية المختلفة (الإنجليزية – الفرنسية – الأسبانية – الإلمانية – الايطالية ..... الخ ) قد تأثرت جدا بهذه الترجمة .وقبل أن نكتب عن ترجمة الفولجاتا يجدر بنا أن نوضح القيمة الفكرية واللاهوتية للقديس جيروم ؛فهو يعتبر واحد من أهم أربعة آباء في تاريخ الكنيسة اللاتينية وهم :- "القديس أمبروسيوس أسقف ميلانو" ( 339- 397 م) "؛والقديس أغسطينوس أسقف هيبو والمعروف بأبن الدموع" (354- 430 م )؛ والقديس غريغوريوس الكبير أسقف رومية (540- 604 م ) " وهو طبعا غير الثلاث القديسين المعروفين بأسم غريغوروس وهم غريغوريوس الناطق بالآلهيات (329- 390 م) والقديس غريغوريوس أسقف نيصص (335- 394 م تقريبا ) والقديس غريغوريوس الأرمني (257- 337 م تقريبا ) والمعروف بأسم المنور " . أما الرابع فهو القديس جيروم صاحب الفولجاتا موضوع مقالنا .
وبداية العمل في هذه الترجمة كان في عهد البابا داماسوس الأول (366-384 م) بابا روما ؛ وكان القديس جيروم ( ويعرف أيضا بالقديس أيرونيموس) يعمل سكرتيرا لهذا البابا ؛ ولقد أشتهر القديس جيروم بالعلم الغزير ؛ فكلفه البابا بالقيام بعمل ترجمة لاتينية جديدة تتلافي الصعوبات الموجودة في الترجمة اللاتينية الكلاسيكية ؛ فبدأ العمل في ترجمة الأربعة الأناجيل في عام 382 م ؛وتلاها أعمال الرسل وبقية العهد الجديد . ثم توجه إلي أورشليم لتأسيس دير للرهبان والراهبات هناك ؛وهناك فكر في ترجمة العهد القديم ؛فتعلم اللغة العبرية ؛ وأستعان ببعض الحاخامات اليهود الذين ساعدوه في ترجمة أسفار العهد القديم ؛ فبدأ في ترجمة سفر المزامير ؛واستفاد من ترجمة الهكسابلا التي قام بها العلامة ـالسكندري الشهير ـأوريجانوس ( 185- 254 م تقريبا) . ثم قام بعد ذلك بترجمة سفر أيوب ؛وأسفار سليمان الحكيم (الأمثال – الجامعة – نشيد الأناشيد ) وفي عام 404 م بدأ في ترجمة أسفار (القضاة – راعوث- أستير) ثم بدأ بعدها في ترجمة طوبيا ويهوديت والحكمة والمكابيين وباروخ والمكابيين الأول والثاني .ولقد قام العلامة كاسيودوروس (توفي عام 580م ) بجمع عمل جيروم في كتاب واحد ؛وأقدم مخطوطة موجودة حاليا تحتوي علي ترجمة الفولجاتا موجودة حاليا في أحدي الأديرة الإنجليزية وترجع إلي عام 715م تقريبا ؛ولقد حلت الفولجاتا محل الترجمة اللاتينية الكلاسيكية تدريجيا . ولقد ذكر القديس جيروم في مقدمة الترجمة التي وضعها للأسفار (الأمثال – الجامعة – نشيد الأنشاد )؛ وفي محاولة للرد علي الهجوم الي وجه إلي هذه الترجمة من أحد النقاد فقال "ليس هدفنا من هذه الترجمة أن نقضي علي القديمة ؛ومع ذلك إذا قرأ صديقنا بعناية فسيجد أن ترجمتنا أوضح ؛إذ أنها مثل العصير الذي لم يفسد بصبه ثلاث مرات في أوعية مختلفة ؛بل أخذت توا من المعصرة وخزنت في وعاء نظيف ؛فأحتفظت بمذاقها ". وفي ترجمته لسفر أيوب كتب في المقدمة وقال "هذه الترجمة لا تحذو حذو أي مترجم قديم بل ستجدها تورد حينا الكلمات الدقيقة ؛ وحينا المعني ؛وحينا آخر كليهما معا نقلا عن الأصل العبري والعربي ؛وأحيانا السرياني ". وفي مقدمة ترجمته لسفري طوبيا ويهوديت كتب وقال "بالرغم من أن اللغة الكلدانية قريبة جدا من العبرية ؛ إلا أني قد أستعنت بأمهر المتكلمين باللغتين الذين تمكنت من الوصول إليهم ؛وأعطيت للموضوع يوما كاملا من العمل الجاد ؛وكانت طريقتي أن أفسر باللاتينية بمساعدة سكرتير ؛كل ما قاله لي المترجم بكلمات عبرية " .
ولقد أعتمد مجمع ترنت المنعقد في 8 أبريل 1546 ترجمة الفولجاتا كترجمة رسمية معتمدة للكنيسة الكاثولوكية حيث نص علي الآتي (الترجمة اللاتينية البسيطة للكتاب المقدس في مقابل الترجمات العديدة ؛هي النص الرسمي المعتمد للكنيسة الكاثولوكية دون رفض أو منع للترجمة السبعينية أو اللغات الأصلية للكتاب المقدس العبرية منها للعهد القديم واليونانية للعهد الجديد ؛وكل من لا يعترف بجميع الكتب الموجودة في الفولجاتا يعتبر محروما ). ولقد أصدر البابا سكتوس الخامس (1585- 1590 ) بابا روما في ذلك الوقت طبعة جديدة منها في ثلاثة مجلدات كبيرة ؛وكان ذلك في عام 1590 .كما أصدر البابا كليمنت الثامن (1592- 1605 )طبعة جديدة منقحة عام 1592م . وفي مجمع الفاتيكان الثاني الذي أنعقد خلال الفترة من (1959- 1965 ) أكد علي قيمتها وأهميتها ؛ ثم قام البابا بولس السادس( 1963- 1978 ) البابا رقم 262 في سلسة باباوات كنيسة روما بتشكيل لجنة لتنقيح الترجمة الفولجاتا فيما عرف بالفولجاتا الجديدة Neo –Vulgata وذلك في ضؤ التقدم الكبير الذي أحرزته دراسات الكتاب المقدس ؛ ولقد ساهم في هذه الترجمة الجديدة المنقحة العديد والعديد من العلماء الكاثوليك وغير الكاثوليك أيضا ؛ ولقد ظهرت طبعة منقحة في أكتوبر 1977 ؛ وأخيرا ظهرت الطبعة الجديدة المنقحة الكاملة ؛ بمقدمة للبابا يوحنا بولس الثاني( 1978- 2005 ) البابا رقم 263 في سلسلة باباوات كنيسة روما ؛ وكان ذلك في 25 أبريل 1979 .
والجدير بالذكر أن الأتحاد الدولي للمترجمين THE International Federation of the Translators والذي يعرف اختصارا ب( I .F .T ) والذي تأسس عام 1953 ؛ قد أعتبر يوم 30 سبتمبر من كل عام ( وهو تذكار نياحة القديس جيروم ) هو اليوم العالمي للترجمة كما تقرر اعتبار القديس جيروم هو شفيع المترجمين ؛ وذلك ـأعتبارا من عام 1991 .
نشر بمجلة الكلمة في شهر يونية 2016
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع