الحقيقة التى باتت واضحة وضوح الشمس هى هذا الكَّم من الكراهية لكل ما يمت بِصِلَةٍ بالأقباط المصريين المسيحيين بصفة خاصة ، وأيضاً لكل ما يمت بِصِلَةٍ للمسيحية بصفةٍ عامة ؟!

بقلم:رشدى عوض دميان
حلقة جديدة من حلقات مسلسل الإفتراءات والسباب والشتيمة والإزدراء أذيعت الأسبوع الماضى على قناة فضائية عربية من المفترض أنها من القنوات الإخبارية الرائدة التى تطرح وتناقش كافة الأمور السياسية والإقتصادية والإجتماعية ، والمفترض فيها أيضاً أن يكون الطرح والمناقشة  بأسلوبٍ راقٍ مُتحضر ومُتَمَدْيِن ، وأيضاً بصورة علمية وتفصيلية مدروسة من كل النواحى وقائمة على الحوار بين كافة الأطراف المعنية ، ولا أدرى لماذا واكبت هذه القناة بالذات القنوات الفضائية الأخرى وركبت موجة التعرض لمعتقدات الآخرين وإهانتهم والمساس بهم ومحاولة النيل من رموزهم وقياداتهم الدينية بمناسبة وبدون مناسبة !! بل وبالتدخل الغير محسوب وبالشطط الغير مرغوب فى شئونهم الطقسية والعقائدية الخاصة بهم ؟!

شاهدت هذه الحلقة من حلقات برنامج بلا حدود فأصابتنى بمرض على مرضٍ ، وبغَثَيَانٍ على غَثَيَانٍ ، حزنت على ما أصاب محراب العلم والبحث الأكاديمى على يد أستاذ جامعى يتقوَّل بكلامٍ أقل ما يوصف به هو أنه دربٌ من العَتَهِ والجنون ، وأسفت على أمانة الكلمة ومصداقيتها عندما تم وَأْدها على لسان إذاعى تبدو ملامح التعقل والرزانة على مُحَيَّاه فقط ؟! ولكنه يجيد التلاعب بالكلمات وتحويرها بحسب ما يُريدها هو أن تكون عليه ، فكان وكأنه كمن يسكب البنزين على النار لكى تزداد إشتعالاً !!
وعلى الرغم من كل المحاولات التى بَذَلها كِلاً من مقدم الحلقة وضيفه لكى يبدوان كما لو كان قلبيهما يقطران دماً حزناً وأسىً على ما أصاب وسوف يصيب الشارع المصرى من خللٍ ومن دمارٍ بسبب ما إتهما به الأقباط المصريين بأنهم وراء إشعال نار الفتنة الطائفية فى مصر ، إلاَّ أن ما أبداه الأستاذ الجامعى خاصة كان برهاناً أكيداً على أن الكراهية للأقباط هى المحور الذى دارت عليه حلقة هذا البرنامج ؟! لقد كانت حقاً حلقة مُفْرَغَة بلا حدود أدبية وأخلاقية ، وبلا أصول وقواعد علمية ، ولا حتى بالإستناد على حقائق تاريخية وواقعية لكى تشمل وتغطى كافة الأبعاد التى تعرضت لها ، ووجدتنى كما لو كنت أقرأ فى صحيفة صفراء تعرض بعض من موادها المسمومة وتخلط الحابل بالنابل ، تجئ بالمبتدأ من الشرق ثم تربطه بخبرٍ من الغرب ؟!  ولا تضع   فى الإعتبار أن يكون هناك من لا تنطلى عليهم مثل تلك الأكاذيب ، ولا تضع فى الحسبان أن يكون هناك أناس يعطون للعقل مساحة كافية لتفكير متعمق ، ولفحص الأمور بِكُلِّ الهدوء والرَوِّيَّةٍ ، بدون تشنج وصراخ زاعق !!

على مدى ساعة من الزمان جلس إثنان من المدعين على منصة قضاءٍ نصبوها لأنفسهما ، وحسبا ذواتهما وكأنهما من حماة الديار ضد الغزاة من الكفَّار !! وبكل صلفٍ وكبرياء بدأت المحاكمة الهزلية التى عقداها فى استوديو التصوير ، ولدهشتى وجدت أن المذنب قد أصبح هو المجنى عليه والمجنى عليه قد أصبح من عُتاة الأشرار ، بل والأدْهى والأمَّر أن المذنب قد تحول إلى قاضٍ وجلاَّدٍ فى نفس الوقت ؟! وعلى الرغم من عدم إعترافى بشرعية منصبيهما اللذان منحاه لأنفسهما ولكنى توقعت منهما - على الأقل - أن يُطَّبِقَا القواعد والأنظمة القانونية المعتادة ، ولكنهما لم يلتزما حتى بأبسط الأعراف الآدمية والإنسانية ، وجدتهما وقد تجاهلا كل غزوات العهود والأزمان الغابرة ، ونسيا أو تناسيا أحداث ومذابح الأيام الحاضرة ، أغفلا أو تغافلا عن مخططات خطف الفتيات القاصرات وإجبارهن على إنكار إيمانهن ، وعن التفرقة الواضحة فى التعامل مع الأقباط فيما يتعلق بكل أمورهم الدينية والإجتماعية والتعليمية والوظيفية ، تجاهلا ونسيا وتغافلا عن كل ذلك وغيره الكثير والكثير وراحا يكيلان للمجنى عليهم الإتهامات بدون أدلة أو حجج أو أسانيد  وظلاَّ يلوحان ويهددان بما سوف يقع عليهم ( الجناة ) من ويلات ودمار وثبور ومن عقوبات وإذلال وخراب وكل عظائم الأمور !!
ربما قد نسيا سهواً النصوص - المُنْزَلة - التى تحثهما على الجهاد ضد كل من لا يسير على دربهما وضد كل من لا يؤمن بما يؤمنان ، وأيضاً ربما قد نسيا سهواً الخُطَبْ التى تصرخ وتتضرع أن يحل الموت والدمار على أعداء الله الفُجَّار ، وأن يصبح بنيهم وبناتهم من اليتامى ، وأن تصبح زوجاتهم وأمهاتهم من الأرامل والثكالى !! ربما قالا لأنفسهما أن كل هذه المسبَّات والدعوات إنما هى صادرة عن أناس لا تعرف أصول الدين حق المعرفة ، وأنهم مجرد مجموعة من الغوغـاء التى تردد الكلمات والشعارات بدون وعىٍ أو فهمٍ ، ربما قد أسقطا كل هذه الإدعاءات بحسب وجهة نظرهما ، ولكنهما قد تناسيا عمداً ما قام به كبار العلماء الدارسين لأصول الدين والغُلاة من المتشددين على مدى ما يقرب من الأربعين عاماً عندما أُفْسِحتْ لهم كل مجالات الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية ، وهذه الأخيرة بالذات باتت أعداد مشاهديها تفوق أعداد مشاهدى مباريات كرة القدم !! يتابعون بكل شغفٍ وإهتمام كل ما يقوله أحد هؤلاء الدعاة - الذى أصبحت له شخصية كاريزماتية - كان لها أشد وأعمق التأثير على الملايين من البسطاء من عامة الشعب ، بل وعلى يعض الشخصيات التى تشغل المناصب السلطوية والتنفيذية ، كما كان لها تأثير من نوع خاص على بعض الشخصيات التى كانت قد حُشِرَتْ حَشْراً فى المجال الفنى ؟! هذا التأثير قد سيطر أيضاً على أصحاب المؤسسات الصناعية والإقتصادية ، وبفضل هذا الداعية بالذات فقد تغير وجه الشارع المصرى تماماً - وياليته كان قد تغير إلى الأحسن - !!
هذا الداعية الذى حذا حذوه وسار على نهجه العشرات من الدعاة الآخرين وهؤلاء أيضاً أصبح لهم الملايين من مُرِيديهم الذين يحرصون ليس فقط على الإستماع لهم ومشاهدة برامجهم التى باتت تموج بها القنوات الفضائية فى كل أرجاء العالم ، ولكن أيضاً التصديق لكل ما يدعونه ويتقولون به من إدعاءات باطلة على كل من لا يتبعهم ويتفق معهم ؟! 
للأسف وجدت أنكما قد تناسيتما كل ذلك وغيره عمداً وبكل الإصرار !!

يا سيدى الأستاذ الجامعى صاحب المناصب الهامة والمؤثرة فى مُجْريات الواقع الدينى لهؤلاء البسطاء من الناس ، وأنت أيضاً با سيدى الإذاعى الذى يتابع برامجك ويتأثر بآرائك ووجهات نظرك - أيَّاً كانت - أيضاً الكثير من الناس على إختلاف ثقافتهم ومعرفتهم ومعلوماتهم ، أنتما  من تراب هذا الوطن الضارب فى أعماق التاريخ ، وتعلمان جيداً حقائق الأمور ، فقط أرجو أن أحيلكما إلى ما سطره هذا التاريخ فهو خير شاهد على الحقيقة الثابتة والمطلقة التى لا تحتمل زيفاً ولا تأويلاً ، هذه الحقيقة التى ربما تكون كمشرط الجراح الذى يستأصل ورماً خبيثاً إستشرى فى العقل والفكر على مدى ردح من الزمان ليس بقليلٍ !!
كما أنكما تعرفان جيداً كم هى نسبة الأقباط إلى إجمالى عدد السكان ، لذلك لم يكن هناك أى داعٍ لكل تلك التناقضات فى ذكر النسبة الصحيحة الغير معلنة رسمياً والتى لن تُعلن أيضاً رسمياً ؟!

للأسف أن الذى أعلنتماه أنتما - رسمياً - هى الكراهية التى - بلا حدود - لأقباط مصر!!