بقلم: مادلين نادر
نتابع بشكل شبه يومى الجدل الذى يُثار حول قضايا مجتمعية مختلفة، ودائمًا ينصب الجدل حول آراء رجال الدين. ومن أكثر الموضوعات التى أثارت جدلاً واسعًا فى الأيام القليلة الماضية، هو الدليل الإسترشادى لقانون أحوال شخصية للمسلمين أكثر عدالة، والذى وضعته بعض الجمعيات والمؤسسات الأهلية العاملة فى مجال حقوق المرأة.
ومن يتابع الآراء المتضاربة، والجدل حول هذا الموضوع، والقضايا التى تم تناولها فى الدليل، يجد أن هناك نسبة ليست بقليلة تقول: إن المقترحات التى وردت بالدليل، والتى تم تناولها فى المؤتمر الصحفى بنقابة الصحفيين مؤخرًا؛ للإعلان عن بنود الدليل المُقترحة ضد الشرع، ولكن فى ذات الوقت إذا تمعنت فى الآراء التى ترفض هذا الدليل الإسترشادى بشدة، تجد أنهم يدافعون وفقط عن حقوق الرجل، وليس عن  الشرع وتطبيقه كما يقولون.
 وهذا الأمر يظهر جليًا، سواء على مستوى رجال الدين المتخصصين أو نسبة كبيرة من المواطنيين بشكل عام، هذا بالإضافة إلى الجدل المجتمعى بين الناس، والذى ظهر بشكل واضح فى تعليقات القراء على الأخبار والموضوعات التى تناولت هذا الدليل بعد الإعلان عنه فى مؤتمر صحفى بنقابة الصحفيين يوم الاثنين الماضى. يكفى أن نستعرض بعض منها لنستشعر الموقف الرافض للرفض فى حد ذاته، دون أن تكون الآراء موضوعية.

بالإضافة إلى نقطة أخرى أكثر أهمية ألا وهى، أن بعض التقارير الصحفية جاءت بآراء مخالفة عما تم طرحه بالفعل فى المؤتمر الصحفى، منها على سبيل المثال أن الأستاذة "فريدة النقاش"، قالت: إن فكرة الثروة المشتركة فكرة مستوردة، وغريبة علينا، ولا تتناسب معنا...وهذا عكس ما أشارت إليه الأستاذة "فريدة" فى المؤتمر حيث قالت: "ما الخطأ أو المشكلة فى أن نقتبس من الخارج أمرًا أو أفكارًا إيجابية تصب فى صالح الأسرة المصرية فى النهاية؟ ونحن لسنا الوحيدين الذين نطالب بذلك الأمر، فلقد نفّذت المغرب ذلك؛ ففى المادة رقم (49) للقانون المغربى نصت على الثروة المشتركة، واقتسام الثروة التى تنشأ بعد الزواج بين الزوجين. وكذلك ما أشارت إليه جريدة اليوم إياه من مطالبة "فريدة النقاش" بأن تكون قوانين الأحوال الشخصية مستندة إلى الشرع وليست قوانين مدنية. وهذا عكس ما طالبت به "فريدة النقاش" فى المؤتمر، حيث تساءلت مستنكرة: لماذا نريد أن يتم العمل فى كافة القضايا بالقوانين المدنية فيما عدا قضايا الأحوال الشخصية؟!!

حقيقة الأمر، لست أعلم لمصلحة من يتم تغيير ما ورد بهذا المؤتمر، وإضفاء أشياء غير حقيقية إلى الدليل الذى تم الإعلان عنه داخل المؤتمر؟! هل لمجرد الفرقعة الصحفية؟! أم لإحباط كل محاولة جديدة وجدية لتعديل قوانين الأحوال الشخصية؟!!!
  لست أدرى، ولكن الذى أعلمه جيدًا أن مثل هذه الموضوعات وتناولها فى الصحف بهذا الشكل من السطحية والمغالطات، يتسبب فى مشكلات مجتمعية عديدة، ويزيد من الآراء المتشددة والساخطة دون علم بحقيقة الأمور.
 نتيجة لمثل هذه المغالطات، وجدنا ثورة غاضبة ورافضة من قبل القراء لهذا الدليل دون أن يقرأؤه أو حتى يعرفوا مضمونه الحقيقى؛ ففى أحد الموضوعات التى تناولت هذا المؤتمر فى جريدة اليوم السابع، تجد أن تعليقات القراء التى تجاوزت المئة تعليق تتجه بشكل أساسي إلى الرفض والتهكم من هذا الدليل، والقائمين على إعداده دون أسباب منطقية، أو قراءة، أو معرفة حقيقية وواقعية للدليل، أو بمعنى آخر من منطلق مصلحة الرجل وفقط..
فكل شىء لا يصب فى مصلحة الرجال من وجهه نظر بعض الرجال فهو إذًا مخالف للشرع والدين..!!!
وإذا تجولنا معًا فى بعض هذه التعليقات الساخطة والغاضبة، سنتأكد من ذلك..وهذه بعض النماذج من التعليقات:
 "الله يخرب بيوتكم...إيه اللى عايزين تعملوه ده؟ هى ناقصة..عايزين تمشوا الأسرة المسلمة على النمط الغربى؛ علشان تخرب أكثر ما هي خربانة، عايزين يقيدوا شرع ربنا بتعدد الزوجات؛ إرضاء للغرب الكافر الذي يسعى لهدم قيم الإسلام من خلال الأسرة، ربنا المنتقم من أي شخص وضع هذه التعديلات، أو يوافق على هذه التعديلات- وسلملى بقي علي العوانس مع قانون الأحوال الشخصية الجديد، هما عوزين إن الست لما تُطلق تقسم مع طالقها الثروة بتعته، وأنا بقول بتعته وإنشاء الله دي في نص إيه في الشريعه الإسلامية؟ الناس نسيت إن الإسلام المصدر الرئيسي للدستور؟ وكما أستاذن علشان أتجوز تاني ليه؟- يا من تريدون خير هذا البلد، أولاً تعدد الزوجات بالنسبة للرجال هذا تشريع إلهى من لم يرضى به فهو رافض لأمر الله- الدستور المصري، والحمدلله، ينص على أن الإسلام هو الدين الرسمى للدولة والشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، مما يعنى أن المقترحات المضحكة دى غير دستورية، وغير قانونية- هذا القانون ما هو إلا تخريب لدين الإسلام،  وتخريب لشريعة الله، وهؤلاء الحقوقيون ما هم إلا مخربون للدين."

 كان الهدف من إصدار هذا الدليل بشكل أساسى هو إيجاد مجال واسع لمناقشة إشكاليات قانون الأحوال الشخصية الحالى، ومناقشة مقترحات قد تكون أفضل لتغيير البنود الحالية للقانون..لكن للأسف الشديد إن بعض الصحف بتناولها غير الموضوعي، والملىء بالمغالطات، أثارت الرأى العام ضد هذا الدليل والأفكار المُقترحَة به، وأجهضت  فى يومين مجهود استمر لثلاث سنوات للعديد من الجمعيات العاملة فى مجال حقوق المرأة...
كم نتمنى أن تعود هذه الصحف لتناقش بجدية وموضوعية هذا الدليل  دون مغالطات؛ عسى أن يكون سببًا فى تغيير الوضع الحالى فيما يتعلق بقضايا الأحوال الشخصية للأفضل، بدلاً من مخالفة الشرع والدين دون قراءة حقيقية ومستنيرة لهذا الدليل.