مدحت بشاي
صرح الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة مؤخراً أن نصيب المواطن المصري في ميزانية وزارته 16 قرشاً ، والرجل لا يطرح حلولاً لدعم تلك الميزانية لأنه يمكن يرى أن الوقت غير مناسب
والحقيقة أن من أسباب تدهور تلك الميزانية فصل قطاع الآثار عن وزارة الثقافة عن الوزارة ، وما تحققه المتاحف والمواقع الأثرية من دخل مادي كان يدعم إلى حد كبير تقديم مشاريع ثقافية ، ولكنني أرى أن التمترس الغريب خلف سبل الأداء النمطي وإدارة المنظومة الثقافية بشكل حكومي تقليدي بليد هو السبب الرئيسي في عدم نمو نصيب الفرد في ميزانية وزارة الثقافة ..
أولاً : تراجع الإعلام عن الأنشطة الثقافية الجادة والناجحة جماهيرياً ، وأذكر في هذا الإطار حالة إصرار صفوت الشريف الوزير الأشهر للإعلام على تهميش مساحات الإعلام عن الأنشطة الثقافية نظراً لحالة المنافسة الخايبة بين وزيري الإعلام والثقافة في مجال الظهور على الساحة وعبر سنوات كثيرة تواجدا فيها في تشكيلات حكومية متعاقبة ..
وكان وزير الثقافة فاروق حسني كثيراً ما يعرب عن دهشته لغياب أنشطة وزارته على الخريطة البرامجية للتليفزيون المصري ، وحتى عندما تم تخصيص قناة للثقافة وأخرى للتنوير ( التي تم إغلاقها بغباوة قرار رغم نجاحها النسبي عن القناة الثقافية ) لم يكن هناك خطة لتقديم أنشطة الوزارة بشكل جذاب وجماهيري ، وإلى حد مطالبة فاروق حسني في نهاية وجوده الحكومي بإنشاء قناة للوزارة تتولى وزارته إداراتها وإعداد خططها الإعلامية ..
ثانياً : رغم نجاح تجارب تسويق وبيع الأنشطة الثقافية في عدد من التجارب والمحاولات على مستوى القطاع الخاص وأشهرها تجربة " ساقية الصاوي " لم يحاول مسؤول حتى في مجال قطاع الثقافة الجماهيرية أن يستفيد من معطيات نجاح تلك التجربة في تحقيق تواصل معقول مع الشباب وأيضاً تحقيق العائد المادي المحفز دون مبالغة تشجيعاً للتواصل مع طالبي تلك الخدمات
ومن جانب آخر وجود موارد مالية للصرف على قطاعات ثقافية تشكو من الميزانيات الضعيفة ..
ثالثاً : الخيارات السيئة لقيادات العمل الثقافي ، وفي هذا السياق سعدت لتصريح وزير الثقافة الحالي باعترافه أن هناك اضطرار لاختيار قيادات من خارج الوزارة يتم تقديمها بناء على دراية حقيقية ووعي بمتطلبات تطوير العمل الثقافي والتنويري ( على ألا يكون على أساس الدرجة الأكاديمية فقط ، فيتم اختيار أستاذ جامعي لم يساهم بأي شكل من الأشكال في إثراء العمل الثقافي فيكون بمثال رئيس قطاع الثقافة الجماهيرية الأستاذ الدكتور الذي استشهد في عهده عشرات المبدعين على مسرح قصر ثقافة بني سويف !! ) ..
منذ 40 سنة كنت أقضي معظم يومي كشاب وطالب ثانوي يهوى ممارسة الرسم والنحت بقصر ثقافة كفر الشيخ ، وبناء على دعوة من وزارة الثقافة للمشاركة في معرض فنون تشكيلية على مستوى قصور ثقافة الجمهورية تم اختيار لوحة وتمثال من أعمالي ضمن الأعمال الممثلة لشباب القصر في المعرض .. وفي اليوم المحدد لسفر الأعمال كان لي حظ السفر مع سائق العربة الضخمة التابعة للوزارة والمشرف الفني للقصر
وباستثناء طريقة وضع الأعمال في السيارة و عدم تغليفها بالشكل الذي يضمن حمايتها من تبعات النقل ، فقد كانت المفاجأة ، وقوف السيارة وحديث هامس بين السائق والمشرف الفني للقصر وبعدها نزلا وغابا عني فترة ثم صعدا مرة أخرى وواصلنا مسيرتنا ، وعند الوصول لموقع العرض في القاهرة ( قصر ثقافة جاردن سيتي ) كانت المفاجأة المرعبة ــ التي لن أنساها ــ بوجود عدد كبير من الماعز مع اللوحات وكان تخليص اللوحات والتماثيل من بين براثين القطيع بصعوبة ، و كان تدمير حلم شباب الفنانين بالمشاركة في المعرض الأول لهم إلا بمجموعة أعمال صغيرة أمكن ترميمها بصعوبة ، وسلملي على الثقافة الجماهيرية !!!