القمص أثناسيوس چورچ.
تسمي الكنيسة فطر صوم يونان بالفصح؛ لأنه رمز لموت المسيح وقيامته في اليوم الثالث ، فالمسيح استعلن نفسه على فم الأنبياء قبل مجيئه بأجيال كثيرة؛ لأن الله تعهدنا بأنبيائه القديسين، وهو صاحب المبادرة في استعلان حقيقة نفسه، على أساس أنه يعلن ذاته على قدر مستوى نمو وترقي الوعي البشرﻱ وإدراكه على مدى الزمن.
فيبلغ بنا من الطفولة حتى نبلغ النضج التدريجي؛ وفقًا للاستعلان المتدرج. إنه إله استعلان ينتظرنا مهما كنا، وعلى أﻱ وضع نحن؛ ليعلن لنا سره، وليعطينا ملء الحياة مشخَّصة في عِشرة شخصه الإلهي الحبيب، ودعوته لنا في كرازة يونان النبي الكارز تكتسب أبعادًا ووعيًا جديدًا لكل من يقبل كلمة كرازته الأبدية، عندما أتى إلينا على الأرض وعاش بيننا صائرًا في شبه الناس ونادى ببشارة الملكوت والمصالحة بفصحه الجليل. إن الغلاف الذﻱ ظهرت فيه الكرازة والصورة التي نقبل بها بشارة الخلاص؛ تُلزمنا أن لا نؤجل أو ننشغل بالحقائق واستقراء النتائج والاستكشاف، بقدر ما تستلزم المخافة والطاعة واستعداد التوبة؛ لأن مسيحنا حاضر على الدوام وبغتة وأيضًا في كل أوان.
يأتي إلينا وينادينا ويقرع الباب بعد نهار الشقاء وأتعاب الزمن المضني؛ فهو تنازَل إلى أعماق الأرض وما تحت الأرض حتى إلى الجحيم؛ ليطلب كل غنمةٍ ضالة ويرفعها من الحضيض ويستردها إلى بيت الآب... أخلىَ نفسه وافتقر وتنازل من علو مجده وتذلل للغاية؛ من أجل حبه ومن أجل أن يكون في متناول إدراكنا، فشابهنا لنتشبه به وأخذ طبيعتنا ليخدم لنا الخلاص، ونتسم بسماته ونأتي إليه؛ بعد أن أتى هو إلينا؛ ليبتلع الخالد والباقي والدائم كلَ فانٍ وزائل وفاسد؛ وليغلب بحياته الموت الذﻱ فينا، ويفتدﻱ العالم كله بدم نفسه الشافي المحيي الماحق الموت؛ فصحنا الذﻱ ذُبح لأجلنا.
وهو الذﻱ مكث في باطن الأرض ثلاثة أيام وثلاثة ليالٍ، والذﻱ هاجت عليه أمواج بحر هذا العالم حتى الصليب، وهبط إلى مغاليق الأرض وسلب الجحيم وبشّر الأرواح الموجودة في السجن؛ وفتح الأبواب الموصَدة، وعاد إلى الحياة مرة أخرى؛ ليُخرج الحق إلى الأمم، ويمنحنا كنز ومعجزة خلاصنا التي أتمها لأجلنا... فكان الحوت ليونان بمثابه القبر للمسيح، وكما خرج يونان حيًا؛ هكذا خرج المسيح من القبر حيًا؛ بعد أن ذاق الموت بالجسد .
فلننظر كيف يعلمنا الله بالتدريج؛ ويمهد لنا كي نؤمن وكأننا نصعد على سُلَّم نكون فيه في درجة تقودنا إلى الثانية؛ لنبلغ إلى الأخيرة. إنها رسالة الله لنا وها قول الرب صار لجميعنا، حتى نقوم ونذهب ونبشر في مناداة الكرازة بإسمه؛ ولنحترس كي لا نهرب إلى ترشيش؛ لأن في الهروب ريحًا شديدة ونوءًا عظيمًا وانكسارًا لسفينة الحياة، ولنفحص أنفسنا كل واحد أمام الله، ولنطرح عنا الأمتعة التي تثقَّلنا بها للغاية والتي أغرقتنا، ولنرجع من هروبنا الذي أنزلنا إلى حضيض الجوف في الأسافل ، فجعل غفلتنا ثقيلة، بينما القرعة قد وقعت علينا ضمن خطة الله لخلاصنا، وسنكتشف أنه لا يمكننا الهروب أبدًا من حضرته، عندما نقر أننا السبب في الأنواء العاتية المحيطة بنا؛ صارخين لله حتى لا نهلك وحتى لا نعثر إخوتنا، وتكون علينا دماء برئية (نجني من الدماء يا الله إله خلاصي). خائفين الله؛ مقدِّمين له نفوسنا ذبيحة على مذبحة المقدس الناطق السماوﻱ؛ مع نذور الطاعة والتكريس والاتكال؛ لأن كل شيء قد أخضعه الرب لنا؛ وهو قد أعد الحوت العظيم واللُجج والطرق واليقطينة والظل والدودة والرياح والأفلاك والأزمنة والمناخ وكل شيء من أجل أن يخلصنا؛ وتدابيره التي تحوِّطنا لا يمكن أن يدركها أحد بسهولة .
إن العالم كله المحاط بالصخب والغرق وقوى الشر؛ جاء إليه مسيحنا ليكون له فصحًا : يكرز ويشفي ويقدس إلى التمام. فصحًا شريفًا؛ فصحًا برئيًا من العيب .. يهدئ العواصف وتطيعه الريح.. فصحًا قام لينقذنا؛ فصحًا محررًا إيانا من الجحيم كافة.. نصلي إليه وندعوه ونصرخ نحوه وننظر هيكل قدسه؛ من بعد إعياء مراعاة الأباطيل الكاذبة، فنحمده ونعترف له ونمجده وننذر له النذور من أجل نعمه الجزيلة .
فصحنا حي وقائم كأنه مذبوح، لا يري فسادًا؛ ويجعلنا نصير ما صاره هو لأجلنا، وقد افتدى ربوات الناس الذين لا يعرفون يمينهم من شمالهم. فصحنا يزيل غمنا فنراه ونفرح فرحًا لا يُنتزع منا. فصحنا لا يشاء هلاكنا وقد أعد كل شيء من أجل العُرس، وقد أبعد عنا معاصينا كبُعد المشرق عن المغرب، وهدم حصون وأعطانا السلطان وأطفأ السهام وبه وحده نغلب .
إن نبوءة يونان هي أشارة مبدعة إلى المصالحة التي كان الله مزمعًا أن يصنعها بين جميع أمم الأرض بدم صليبه؛ الذﻱ به صالح الشعب مع الشعوب والنفس مع الجسد، وما يونان النبي إلا رمز وآية لهذه المصالحة التي تمت بالآلام الفصيحة؛ التي تثبتت عندنا بالكلمة النبوية؛ والتي نفعل حسنًا إذا انتبهنا إليها كما إلى سراج منير في موضع مظلم؛ إلى أن ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح في قلوبنا.
http://frathanasiusgeorge.wordpress.com/