بصوت منخفض، متردد قليلاً، يحكي أحمد، أحد متهمي القضية المعروفة إعلامياً بـ «حمام البحر»، لـ«المصري اليوم»، تفاصيل ما حدث له منذ القبض عليه بتهمة «ممارسة الشذوذ» وحتى تبرئته بقرار من محكمة جنح الأزبكية، الاثنين الماضي.
داخل حمام شعبي ضمن حمامات قليلة لا تزال تقدم خدماتها كموروث شعبي في القاهرة، كان أحمد، شاب في العقد الثالث من العمر، أمام ما لم يكن يخطر بباله منذ جاء للقاهرة في المرة الأولى من مدينته في الدلتا. لا يأتى إلى العاصمة سوى مرة أو مرتين أسبوعياً، في جولة لا تستغرق سوى ساعات نهارية قليلة يقضيها في شراء الأقمشة من منطقة «كلوت بك» ويعود بعدها إلى مقر عمله بإحدى ورش الملابس الواقعة بالمحافظة التي يسكن فيها.
في 7 من شهر ديسمبر الماضي، وفى زيارته الأخيرة للقاهرة، خطر على بال أحمد أن يذهب لواحد من الحمامات الشعبية بالمنطقة الوحيدة التي يعرفها في القاهرة. «المكان بابه مفتوح لأى حد يدخل عاوز ينظّف نفسه، والمنطقة شعبية وكلها تجار بتروح المكان عادى»، الانطباعات الأولية للمكان دفعت أحمد للدخول دون تردد بعد دفع 30 جنيهاً، لكنه لم يعرف أن صحفية ستأتى بصحبة قوة من قسم شرطة الأزبكية المجاور لتقبض عليه مع 34 آخرين بتهمة ممارسة الفجور داخل الحمام.
في الأسوع الماضى، حكمت محكمة جنح الأزبكية ببراءة المتهمين من التهمة التي وجهتها لهم النيابة بممارسة الفجور بمقابل مادى، فيما عُرفت إعلامياً باسم قضية «حمام البحر»، على خلفية بلاغ من مقدمة برامج على إحدى القنوات الفضائية عما وصفته بأكبر وكر لـ«الشذوذ الجماعى»، وقامت بتصوير عملية اقتحام الشرطة للحمام واقتياد رواد الحمام عرايا، الأمر الذي تسبب في موجة من السخط على الشبكات الاجتماعية وبعض القنوات الفضائية حول الأخلاقيات التي يجب أن يراعيها الإعلامى. وهو ما وصفته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بـ «انتهاك الحق في الخصوصية»، ومخالفة نص المادة 75 من قانون الإجراءات الجنائية، والتى تنص على اعتبار إجراءات التحقيق ذاتها والنتائج التي تسفر عنها من الأسرار، وهو ما خالفته قوات الشرطة بسماحها لإحدى الوسائل الإعلامية بتصويرهم واستغلال تلك المواد المصورة في التشهير بهم، بدعوى السبق الصحفى.
دقائق كانت تفصل بين أحمد ومغادرته من المكان بعد أن أنهى تنظيف جسده، «فجأة اقتحمت قوة من الشرطة الحمام وأمرونا ألا نتحرك، وبدأ عدد من أمناء الشرطة بإزالة المناشف اللى لابسينها، والمذيعة قامت بتصوير الموجودين في الحمام». يضيف أحمد: «أثناء اعتراض صاحب الحمام عن التصوير بسؤالها عن هويتها.. أجابت أنها الحكومة».
أثناء ذلك، كانت وصلات الاعتداء التي يقوم بها بعض أفراد الشرطة لا تشغل أحمد بقدر اهتمامه بتغطية وجهه خوفاً من أن يتعرض للتصوير، «حاولت إنى أدارى وجهى أثناء الضرب». في محضرى الضبط، قال المقدم أحمد حشاد، الذي قاد التحريات في القضية، إنه قبض على المتهمين وهم متلبسون بفعلتهم، في الوقت الذي ينفى فيه أحمد هذا ويقول: «إن كنا متلبسين فأين مقاطع الفيديو التي تم تصويرها ونحن نفعل ذلك؟.. ولماذا لم ترفق بمحضر التحقيقات؟».. أسئلة كثيرها يثيرها أحمد لم تجب عنها سوى المحكمة التي برأت المتهمين جميعاً، مستندة على تقرير الطبيب الشرعى الذي نفى وجود أي علامات ممارسة للجنس سواء منذ فترة قريبة أو بعيدة.
رغم ذلك، لم يشفع التقرير الذي سبق قرار البراءة في معاملة جيدة للمسجونين. يقول أحمد: «استقبلنا أفراد القسم بحفلة من الضرب والشتائم، وكلها تدور حول وصفنا بما اتهمتنا به الصحفية وتحريات الداخلية». في إحدى الوقائع التي يتذكرها أحمد، اقتاد أمين شرطة أحد المتهمين، ويدعى خالد، بالكلابش، ثم علقه على البوابة الحديدية للحبس وظل يضربه بعصا حديدية، ثم وضعها في مؤخرته. يقول: «كنا نريد إبلاغ المحامين بتلك الوقائع، لكن أمناء الشرطة كانوا يحضرون اجتماعنا معهم ويسمعون كل كلمة نقولها له»، لم يسلم أحد منا من الإهانات، الجميع كان يتعرض لمضايقات منذ الاستقبال داخل القسم حتى مغادرته للنيابة، أقل ما كان يحدث أن أمين شرطة يمسك بعصا ويضعها في مؤخرة أي شخص، ويعلق: «أشياء نخجل منها الآن لكنها حقيقة حدثت، لم نعامل كبنى آدمين، كنا نعامل كحيوانات».
المحكمة أشارت في حيثياتها إلى «خلوهم من المظاهر أو العلامات التي تدل على تكرار استعمالهم من الخلف لواطا بإيلاج، وهو ما يتنافى تماما مع ما قرره محرر المحضر ضابط الواقعة، من أن استخدام المزلجات يمكن ألا يحدث أي أثر من الإيلاج، فإن ما حواه تقرير الطب الشرعى قد انتهى إلى خلو منطقة الشرج من المظاهر أو العلامات التي تدل على تكرار استعمالهم لواطا من الخلف بإيلاج، وهو ما يتنافى مع ما قرره ضابط الواقعة من قيام المتهمين بالاعتياد على ممارسة الفجور».
في طريقهم إلى النيابة، تكبل الأيادى، ويقف المتهمون خارج القسم انتظاراً لوصول سيارة الترحيلات، وأثناء ذلك كانت العساكر تخبر المارة الذين يغلبهم الفضول «بأنهم متهمو قضية حمام البحر».. لكنها كانت أقل تأثيرا عليهم- بحسب أحمد الذي يضيف: «كان هذا هناك في النيابة على الرغم من كل الإهانات، لكن لم يأمرنا أحد أن نقلد أصوات الكلاب وننام على بطوننا أثناء مرور الضباط، كما كان يحدث كل يوم داخل الحجز».