عرض / سامية عياد
اجتذبا الكثيرين بسبب التناقض الظاهر بين طريقة كل منهما قبل وبعد الرهبنة ، كلاهما أفاق على أن الحياة عبارة عن منام سيتلاشى ، وأنه لن ينفع الإنسان سوى خير يقدمه ليجده أمامه ، فدخلا بالفكرة الى حيز التنفيذ ، أنهما القديس أرسانيوس الذى قرر ترك البلاط الملكى متجها الى الإسقيط المقدس ، والقديس موسى الأسود الذى اتجه الى البرية يبحث عن الإله الحقيقى.
يحدثنا نيافة الأنبا مكاريوس الأسقف العام بالمنيا عن هذان القديسين قائلا: لقد كان هدفهما واحد هو الرب يسوع ، لكن اختلف منهجيهما لتحقيق هذا الهدف ، فموسى الذى كان لصا عنيفا يكره الناس وهم يهربون منه ، يصبح مضيافا لطيف المعشر ، ساترا خطاياهم ، والذى كان لقبه "الشيطان الأسود" استأسد فى حربه مع الشيطان ، حتى أن الآباء نصحوه أن يخف فى قتاله معهم!.
أما أرسانيوس الذى كان مترفا متنعما فى القصر ، عالما فى روما مكرما فى القسطنطينية ، معلما للملوك ، فقد سار طعامه الخبز اليابس والقليل من البقول وشرابه قليل من الماء مع كثير من الدموع ، وبعد أن كان خطيبا مفوها ، أصبح مثالا للصمت ، والذى لم يجدوا أفضل منه معلما فى روما صار مولعا بالتعلم من الآخرين .
وبينما اتسم تدبير القديس أرسانيوس بالصرامة ، يقابل الزائرين فى حدود ضيقة ، ونادر ما يتكلم ، فقد استقبل موسى زائريه وتجاوز مرة قانون الصوم من أجل قانون المحبة ، كلاهما ايضا واجه حرب أفكار عنيفة ، فكان موسى يصرخ للرب "إنى أريد أن أخلص ولكن الأفكار لا تتركنى" ، بينما أزعجت أرسانيوس الأفكار فتنقل عدة مرات بين اماكن متعددة ، لقد قبل القديس موسى الأسود أن يقتل بيد البربر وصار الشهيد الأول فى شيهيت ، بينم القديس أرسانيوس يوصى بعدم الاهتمام بجسده بعد نياحته ، بل طلب إليهم أن يجروه بحبل الى قمة الجبل لعل الوحوش والجوارح تنتفع به .
على الرغم من اختلاف منهجيهما الا إن كل منهما قدم شهادة للمسيح ، فاجتذبت سيرة القديس موسى للمسيح الكثير من اللصوص الخطاة الذين قرأوا سيرته لاحقا ، إذ صار نموذجا فى التوبة القوية ، بينما اجتذب القديس أرسانيوس العديد من شباب روما والقسطنطينية الأرستقراطيين .