ماجد منصور
في الأفراح المصرية هناك ثلاث ظواهر فلكلورية شهيرة هي: عواجيز الفرح، ومتاعيس الفرح، وكدابين الزفة.
فبجولة قصيرة بين الحضور، تستطيع أذناك التقاط حوارات 'عواجيز الفرح' وما يُسهل ذلك أنهم بسبب الضوضاء من ناحية، ولأن سمعهم ثقل بفعل الشيخوخة من ناحية أخري فهم يتحدثون بصوت مرتفع يمكن تفسيره بوضوح.
وهؤلاء لا يخلو حديثهم من النقد لكل الأشياء، بداية بفستان العروس وتسريحتها، وبدلة العريس الذي يتناولون ماضيه وعلاقاته القديمة المتعددة بشلة النادي، والنميمة بحق أفراد عائلتي العروسين، مرورا بالسؤال الاستنكاري الخبيث عن مصدر الإنفاق الضخم علي الفرح والجوازة كلها، بينما أصناف الطعام الموضوعة علي البوفيه العامر بما لذ وطاب، يرونها تفتقر إلي الكميات والتنويعات اللائقة، برغم هذا الصرف الباهظ، وصولا في النهاية للتشكيك في إمكانية استمرار هذه الزيجة.
وفرقة العواجيز- التي أقصدها هنا- غالبا ماتري بعيون أغشاها الزمن بتأثير 'الكتاراكت' وعقول تراجعت من تحت راس السكر وارتفاع ضغط الدم، وقلوب ضعفت نتيجة لضيق بعض الشرايين، وخروج البعض الآخر من الخدمة.
وهم يوقنون أن أيام النجومية قد ولت، ولكنهم يحاولون عل وعسي، وعشما في استعادة الأضواء نجدهم دائما مايرددون دون ملل: أن الخبرة هي العنصر الحاسم في أي معادلة. وهم محقون بلا جدال فيما يتعلق بالثوابت، أما المتغيرات التي تداهمنا كل ساعة، وتتحور باستمرار في الشكل، وتتطور في التكوين، وتتعقد وتتشابك مع بعضها البعض، فكيف ومتي وممن اكتسبوا مايدّعونه من خبرات؟! فالخبرة تأتي بالممارسة، في حين أن الأوضاع التي نعيشها تعد من المستجدات بالنسبة لكل من هم علي قيد الحياة، مما يعني أنه لا يوجد من يمتلك الخبرة المكتملة فيما يجري، فالجميع يجتهد ويحاول، يخطئ ويصيب أملا في الوصول إلي قاعدة أو نظرية تفرز حلولا قاطعة ومضمونة لمجابهة الظرف الآني، وقد تكون صالحة في المستقبل حال تكرار أو تشابه الظروف، ولا غني في سبيل ذلك عن استخدام آليات تكنولوجية متطورة، لم يلحقوا هم منها إلا الموبايل التاتش، ويادوب علي أد الاتصال والرد علي المكالمات.
ومن الشائع في الأفراح أيضا أن 'العروسة للعريس، والجري للمتاعيس' والمتاعيس كُثُرْ، منهم الأعزب لضيق ذات اليد، أو من لم يعثر بعد علي بنت الحلال المناسبة، وأيضا من مضي به صاروخ العمر سريعا فندرت فرص الزواج أمامه، أو هكذا يعتقد، وكذلك الأعزب العازف عن الموضوع من أصله. وجميعهم يعيشون حلم ليلة العمر فقط أثناء فاعليات الفرح، ثم يعودون إلي مضاجعهم فرادي ليحتضنوا الوسادة الخالية حتي صباح أو عصر اليوم التالي، متعايشون مع إخفاقاتهم المعتادة.
والنوع الآخر من المتاعيس متزوج والطبيعي أنه متزوج ويعول، أو بالأصح ليعول، وحين آثر استعادة ذكريات ليلة الدخلة ظل يحملق في لا شيء بنظرة عابسة وابتسامة بلهاء، يسرح في حال العروسين وحياتهم التي ستبدأ توا بشهر عسل، لن يخلو من الدلال والغزل، ومنوعات من المناوشات اللطيفة، عليعينات من المشاحنات الخفيفة، المهم أن رحلة جديدة سوف تنطلق بزوجين من محطة السعادة، بينما الغلبان ياعيني مروح مع الحاجة أم العيال ليستكملوا خناقة الضهرية علي فردة الشراب الضايعة واللي اضطروا لتأجيلها عشان خاطر يحضروا الفرح علي أساس فاصل ونواصل.
والنمط الثالث المنتشر في أفراحنا هو جماعة 'كدابين الزفة' الذين يتسابقون في تقديم أنفسهم علي أنهم أقارب العروس المقربون، وأصدقاء العريس المخلصون، وذلك طمعا منهم في هبرة لحمة، وورك ديك أو فرخه علي بعضها، ده غير المكرونة بالبشاميل والرز المعمر، وياسلام بقي لو طبق جمبري مع حبة فوسفور مشكل، وبعدها يضرب له طاجن 'أم علي' بالمكسرات علي حتة كنافة بالقشطة، وبالمرة لو فيه 'منكر' تبقي عنب أوي.
دول صنف من كدابين الزفة يمتاز بالطفاسه كل همه يفول التانك، ويعمر الطاسه.
وهناك الصنف الأخطر والأمكر من كدابين الزفة، هدفه الجلوس علي مائدة واحدة مع أهل العروسين، محتميا في قدرته الفذة علي خداعهم، وبالطبع لا يفوته إلتقاط الصور، والمقاطع التذكارية مع العروسين في الكوشة.
والمشهد السياسي في مصر يعج بأعداد غير مسبوقة من الأنماط الثلاث، خاصة مع اقتراب موعد فرح 'العمدة' علي بنت الأكابر، ربة الصون والعفاف، سليلة الحسب والنسب التي وعلي مايبدو أنها حسمت أمرها، واختارت عريسها، وما بقي إلا موافقة الأهل وتوقيع الشهود في دفتر الشيخ مأذون.
وكلامي لعريسنا اللي عليه العين: أنت الآن واثق من رغبة العروس في الإقتران بك، وهو بالمناسبة ليس.. ليس زواج قسريًا أو إضطراريًا كما يحلو لبعض المتحذلقين أن يسموه، وليس لأنك حليوة وحنين وألف عروسه تتمناك.. لا عروستنا ست العرايس كلهم، وأغلي عندنا من أي غال، وبرضه مش من قلة العرسان.. البلد مليانه رجاله. عروسنا تحبك ولا نريد إلا عزها، ونحن أهلها فاعلم أننا باختيارنا لك نضع أرواحنا وأرواح أبنائنا ثمنا لهذه الثقة لأنك لو توانيت، أو أخللت باتفاقاتنا معك، وتعهداتك لنا 'لا قدر الله' ضعت وضعنا معك، وإن كانت عروسنا قد خصتك بكل هذا الحب، دونا عن سائر الرجال، فليس أقل من أن تضعها في حدقة عينك، وتتوج بها رأسك، ولن نقبل إلا أن تكون لها حارسا أمينا، وخادمًا مطيعًا.
توسمنا فيك نبل الغاية، وطهارة الذمة، وعفة النفس، وشجاعة القلب فلا تخذلنا، واعلم أنك لو خيبت ظننا فيك فقد خسرتنا، وأنت تدرك المصير آنذاك.. نعدك بالصبر عليك، وعلي أنفسنا، وعلي ظروفنا إلي أبعد مدي، وعندما نصل إلي كل محطة في رحلة الآمال الكبري، سنحتفل معا ونتهلل معا، ونغني معا.
ولو أخفقت بحسن نية بسبب تكتل التحديات، وجسامة المهمات سنربت علي كتفيك ونشد علي يديك، اطمئن وراك رجالة. ولكن احذر أن تستهين بالحب، فالإهمال أو التباطؤ في قضايا الظلم، والفقر، والجهل، والمرض، والبطالة، والفساد، والتمييز، والمرور، والنظافة، والأمن.. كلها صور مختلفة من الإستهانة. أنت يامن استجاب لنبضات قلوبنا، وإشارات عقولنا قبل أن تسمع صرخات حناجرنا، وتري أمواج حشودنا، أنت تعلم أنك في عيون الناس بطل وتلك هي أزمتك، وأزمتنا معك، لأننا لن نرتضي منك إلا تصرفات البطل، وأفكار البطل، وهيئة البطل، ودرع البطل، وسيف البطل.
لا فضل لمخلوق عليك، فاحرص علي أن تظل أسير فضل الله وحده. أرجوك: إياك و'فن الممكن' فإن جاز لك الخضوع لهذا المبدأ السقيم في الأوقات الطبيعية، فلا ينبغي أن تضع له أدني اعتبار الآن ونحن في أعقاب ثورتين، وأصبحنا علي البلاطة، بل ورهنا البلاطة كمان، تعامل بمنطق 'إيش ياخد الريح من البلاط!!' أو 'ضربوا الأعور علي عينه.. ' تخلص فورا.. اليوم وليس غدا من عواجيز ومتاعيس الفرح، وكدابين الزفة، لا تلقي لهم بالا، ولا تعشمهم بمناصب، فسيتهمونك باطلاً بالغدر والخيانة، إن قمت بإقصائهم فيما بعد وسندفع نحن فاتورة اغتياظهم، وإحباطهم، فخلصنا منهم ومن ألاعيبهم وخلص نفسك من عبئهم.