بقلم: رشدى عوض دميان
2. من هم النصارى؟ ومن الذى يدافع عنهم؟

استكمالاً للتعليق على حديث فضيلة الشيخ خالد الجندي فى برنامج المجلس على قناة أزهري والذي كنت قد بدأته بالتعليق على مفهوم الكيل بمكيالين، أرجو هنا أن أتناول بالتعليق أيضاً على ما قاله فضيلته بالحرف الواحد فى نفس الحديث: (... ندافع عن اخوتنا من النصارى قبل أن ندافع عن أهالينا من المسلمين)؟!

وأولاً أتساءل لماذا يُصِّر رجال الدين الإسلامى على تسمية المسيحيين بالنصارى ؟!
أعلم تماماً أن تسمية المسيحيين بالنصارى قد جاءت فى القرآن وفى الأحاديث ، كما تطلق الكتب الإسلامية مصطلح النصرانية على الديانة المسيحية بناء على قول القرآن : ( كما قال عيسى بن مريم للحواريين مَنْ أنصارى إلى الله ، قال الحواريون نحن أيضاً أنصار الله . ) سورة الصف 14 ، ولا أنكر أن بعض الكتب المسيحية قد استخدمت مصطلحى النصارى والنصرانية للإشارة إلى المسيحيين والديانة المسيحية أيضاً وذلك بسبب تأثير الثقافة الإسلامية والفكر الإسلامى على الكُتَّاب الذين وضعوها وبخاصة فى القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ؟! ونحن لا ننكر هذه التسمية لأن السيد المسيح نفسه كان قد نُسِبَ إلى مدينة الناصرة فَدُعِىَ نَاصِرِيَّاً أى نَذِيِرَاً مُكَرَّسَاً لفداء بنى الإنسان ، كما دُعِىَ أيضاً بالناصرى ، والإنجيل يشهد بذلك كما جاء فى بشارة القديس متى : ’’ وأتى وسكن فى مدينةٍ يُقالُ لها نَاصِرَة لكى يَتِمّ ما قيل بالأنبياء إِنه سَيُدْعَى نَاصِريَّاً ‘‘ 2 : 23  وأيضاً كما جاء فى بشارة القديس يوحنا :  ’’ فيلبس وجد نثنائيل وقال له : وجدنا الذى كتب عنه موسى فى الناموس والأنبياء يسوع ابن يوسف الذى مِن النَاصِرَة ِ. ‘‘ 1 : 45 ، كما أن اسم مدينة الناصرة قد جاء فى إنجيل العهد الجديد 29 مرة ، وهذا الإسم التاريخى لمدينة الناصرة يعنى المركز أو برج الحراسة ، ويعنى أيضاً الجبل المرتفع أو منحدر الماء إلى مجراه . ومن المعروف أن اليهـود يطلقـون علـى الديـانة المسيحية اسـم ( نـَتـْسُرُوت ) وهذا الإسم هو من جذر يقابل الجذر العربى لكلمة ( نصر ) المشتقة من اسم مدينة الناصرة التى ينتسب إليها السيد المسيح ، وهناك بعض الأبحاث عن أصل ومصدر إسم الناصرة التى تقول أنها آرامية أو سيريانية أو عبرية أو عربية ، ولكن معانيها تشتمل كلها على معنى الزهرة أو الزنبقة أو الغصن أو البرعم المتفتح أو رونق الشئ وإشراقه . كما أن معنى كلمة ناصر هو المخلص ، والناصرة هى مؤنث ( ناصر ) فى اللغة العربية ، والناصرة سُمِيَّت أيضا بمدينة البشارة وسُمِيَّت البيضاء لبياض مبانيها واراضيها ، كما سُمِيَّت بأم المغاور لكثرة المغاور المحفورة فى جبالها وصخورها . وفى معجم البلدان يذكر عن معناها أنها الناصرة وهى فاعلة من النصر ومنها اشتق إسم النصارى ، وهناك قول آخر يقول بأن معنى كلمة الناصرة هو النذير أو البشير والمسيح نفسه كان نَذِيرَاً وبَشِيِرَاً ، كما يقال أيضا بأن الإسم مشتق من كلمة ( نيزير ) التى تعنى التاج لأن مدينة الناصرة كانت تعتبر تاج منطقة الجليل وذلك لوجودها على مرتفعات عالية .
السيد المسيح لم يكن بحاجة لأن يأخذ لنفسه صفات ومعانى ومُسَمَيَّات مدينة الناصرة ، ولكننا نجد أن الله دائماً بسابق علمه ومعرفته ، وهو الذى خلق الإنسان عاقلاً لكى يفحص ويعرف - ويؤمن إن أراد ؟! - نجده يعطيه رموزاً وعلاماتٍ لكيما يَتَفَكَّر فيما عسى أن تكون هذه العلامات ولأى معنى ترمز ؟!
من هو هذا الملك الذى يُولَد فى مذودٍ للبقر ؟! من هو هذا الراعى الذى نزل من السماء وبشرت الملائكة الرعاة الأرضيين بميلاده ؟! وعلى ماذا كانت ترمز هدايا المجوس من حكماء المشرق الذين جاءوا ليسجدوا له ولماذا كانت هداياهم عبارة عن ذهباً ولباناً ومراً ؟! لماذا يهرب الملك السمائى من وجه الشر الذى تمثل فى هيرودس الملك الأرضى لليهود ؟! ولماذا يهرب إلى أرض مصر بالذات ؟!
الرموز والإشارات كثيرة جداً لكل من يريد أن يفحص ويدقق ويعرف ، ومن له أذنان للسمع فليسمع ؟!
فى تفسير هذه العبارة ( من له أذنان للسمع فليسمع ) ، يقول القديس جـيروم على قـول إشعياء النـبى : ’’ أعطانى الرب أذناً ‘‘ إش 50 : 4 لتفهم ماذا يقول لنا الله ؟ لقد أعطانى الرب أذنًا ، لذلك يجب أن تكون لى أذن القلب أيضاً لكى تسمع رسالة الله ، فما نسمعه بأذاننا إنّما يجب علينا أن نسمعه فى قلوبنا أيضاً ، ولذلك كما نصرخ نحن فى قلوبنا قائلين : أيها الآب ، وهى صرخة صامتة ، لكن الرب الآب يسمع حتى الصوت الصامت !! هكذا وبنفس الكيفية الصامتة يُحَدِّث الرب قلوبنا لكى نفهم ونؤمن .
وعودة إلى مدينة الناصرة التى نُسِبَ إليها السيد المسيح ودُعِىَ بيسوع الناصرى ، وبالتالى سُمِّىَ الذين آمنوا به بالنصارى ؟! ولماذا لم يُنْسب إلى أية مدينة أخرى ؟ ولماذا يحمل إسم مدينة الناصرة كل هذه المعانى ؟! وما هى الرموز التى تشير إليها والمعانى التى قُصِدت منها وبها ؟ ولنسأل أنفسنا من هو هذا المركز الذى تمركز عليه مفهوم خلاص البشرية كلها من عقوبة الموت الأبدى ؟ من هو هذا البرج الحصين الذى تهرب إليه كل نفس تسعى للنجاة من براثن الشيطان رئيس هذا العالم ؟! من هو هذا الجبل المرتفع على كل قوات إبليس وأعوانه من جنود الشر ؟! ومن هو هذا النبع الذى تَنْحَدَر منه المياه إلى مجاريها لكى ترتوى منه كل نفس تتوق للخلاص ؟! وأيضاً من هو هذا البُرْعُم المتفتح والغصن والزهرة ؟ ومن هو الرونق والإشراق ؟ من هو النذير والبشير واَلْمُخَلِّص ؟ أليست كل هذه المعانى والرموز تعنى وتشير إلى السيد المسيح الذى تجسد ووُلِدَ فى مذودٍ للبقر ؟ أليس الناصرى هو اَلْمُخَلِّص الذى أعطى للبشرية كلها عربون الفداء والخلاص ؟!
ما ذكرته هنا هو أقل القليل جداً من الكثير والكثير جداً من المعانى والرموز التى يريد الله بها من الإنسان أن يفحص ويَتَفَكَّر ويسأل ، وعلى ذلك أؤكد بأننا لا نعترض على تسميتنا بالنصارى ، بل إن هذه التسمية هى فخرٌ وإنتصارٌ لنا وتاج على رؤوسنا ، لأن يسوع المسيح نفسه قد تسمى بها .       
وأعود إلى تساؤلى عن هذا الإصرار على تسمية المسيحيين بالنصارى ؟! والسبب فى تساؤلى هذا هو أننى ألاحظ أن هذه التسمية تأتى دائماً فقط على لسان رجال الدين الإسلامى عندما يتحدثون عن المسيحيين وعن الديانة المسيحية ؟! ولماذا لا تأتى هذه التسمية على لسان فرد عادى من المسلمين اللهم إلاَّ نفر قليل منهم ؟!
أجدنى أفسر هذا الإصرار على أنه نوع من عدم الإعتراف بالديانة المسيحية التى أسسها السيد المسيح ، ذلك لأن القرآن كثيراً ما ذكر هذه التسمية ( النصارى ) فى معرِض الآيات التى تعترض على أن المسيح هو ابن الله الظاهر فى الجسد ؟! مثل ما جاء فى سورة التوبة 30 : ( قالت اليهود عُزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قَول الذين كفروا من قبْل قاتلهم الله أنى يُؤْفَكُون ) . وأيضاً ما جاء فى سورة المائدة 72 : ( لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بنى إسرائيل اعبدوا الله ربى وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار ) . وأيضاً فى سورة المائـدة 14 : ( ومن الذين قالوا إنَّا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظّا مما ذكِّروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئُهم الله بما كانوا يصنعون ) . والآيات التى جاءت فى القرآن والتى تتعرض لصميم الإيمان المسيحى وترفضه هى آيات كثيرة جداً ؟! ومن هنـا جاءت هذه النبرة ( نصرانية ونصارى ) فى الخطاب الإسلامى عند الإشارة إلى الديانة المسيحية وإلى من يؤمنون بها من المسيحيين ؟! 
كما ذكرت قبلاً ، إننا لا نخجل ولا نرفض أن نُدْعَى بالنصارى ، كما لا نتأفف ولا نتضايق من وصف الديانة المسيحية بالنصرانية ، ولكننى أتساءل فى نفس الوقت ؟ لماذا لا يُسَّمِى المسيحيون المسلمين بالقُرَشِيِّين أو بالمكِيِّين مثلاًً ، إستناداً إلى نسب النبى محمد إلى قبيلة قريش وإلى مكان مولده فى مكة ؟! مجرد تساؤل فقط ؟!
أما عن أنكم تدافعون عنا نحن النصارى فهذا والله هو العَجَبُ العُجَابْ !! وصدقنى لن أجد مثالاً حياً على عدم صدق كلمتك هذه وهى أنكم تدافعون عنا ( نحن النصارى ) قبـل أن تدافعـوا عن أهليـكم من المسلمين غير حادثة قتل ستة من الشباب ( النصارى ) وهم خارجون لتوهم من كنيسة مطرانية نجع حمادى بعد الإنتهاء من صلوات قداس الإحتفال بليلة عيد الميلاد المجيد يوم الأربعاء 6 يناير 2010 ؟!
وبدون أى أو أدنى تعليق منى ... !! فقط أسوق لك هذه الآيـة من الإنجيل فى سفر الخروج 13 : 13 ، 14 ’’ لا تخافوا . قفوا وانظروا خلاص الرب الذى يصنعه لَكم اليوم .... الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون . ‘‘
أمَّا إذا كنتم تدافعون حقاً عن اخوتكم من النصارى ، أليس فى ذلك مخالفة منكم للحديث النبوى كما جاء وتَأَيَّدَ فى حادثة النصرانى الذى كان قد خاصم على بن أبى طالب أمير المؤمنين ، وهذا الأخير كان قد رفض الجلوس بجانب النصرانى فى مجلس القضاء قائلاً : سمعت رسول الله يقول : ( لا تصافحوهم ولا تبدؤوهم بالسلام ولا تعودوا مرضاهم ولا تصلوا عليهم وألجئوهم إلى مضايق الطريق وصَّغِّرُوهم كما صغَّرَهم الله ) !! 

وعفواً يا فضيلة الشيخ خالد الجندى ، أولاً أنا أُقَدِّرُ لك حَمِيَّتَكَ وشهامتك ونُبْلِ أخلاقك نحو اخوتك من النصارى ؟! ولكن كلمتك هذه بالذات التى قلت فيها : ( ندافع عن اخوتنا من النصارى قبل أن ندافع عن أهلينا من المسلمين ) تذكرنى بمقولة مفادها أن الصدق فى الحديث هو فى التحدث عن الموضوع الصحيح فى الوقت الصحيح ، وفى تجنب وتفادى التحدث عن الموضوع الخطأ حتى لو كان هناك ما يُغْرِى ويدفع على ذكره أو حتى الإشارة إليه من قريب أو من بعيد ، وهذه المقولة تفيد أيضاً بأن الحديث الجاد هو نتاج ما يقوله اللسان والعقل الحكيم معاً ، أما مجرد القيل والقال ، فهذا نتاج ما يتفوه به اللسان فقط !!
وإلى لقاء آخر فى المقالة التالية للتعليق على المحور الثالث من حديثك وهو :
( هل توجد فعلاً تيارات تنصيرية وتبشيرية فى مصر ) ؟