الأقباط متحدون - بيوت
أخر تحديث ٠١:٠٨ | الأحد ٦ اكتوبر ٢٠١٣ | توت ١٧٣٠ ش ٢٦ | العدد ٣٢٧٣ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

بيوت

الكاتبة سحر الموجي
الكاتبة سحر الموجي
فى الحلم رأيت نفسى أرقد على سرير فى حجرة كالحة الزرقة والمحاليل معلقة فى ذراعى وإلى جانبى ممرضة تحشر أقراص الدواء فى حلقى. هل أنا مريضة؟ أو خارجة للتو من عملية جراحية؟ دخلتْ إلى الغرفة امرأة فارعة الطول ترتدى جلبابا من الكتان وتحمل بؤجة غريبة الشكل. اقتربتْ من الممرضة وأزاحت يدها بعيدا عن فمى وهى تقول بنبرة حازمة: «سآخذها إلى البيت». فتحت عينىّ، لكننى لم أتيقظ تماما، ظللت أطفو بين هنا وهناك. وكانت الأسئلة تحوم حول رأسى.
 
هل البيت هو الجدران الأربعة والسقف فوق رؤوسنا؟ أم أنه الجدران عندما تصبح «سكنا» للروح، والأركان عندما تحتضن الألوان التى نحبها وقطع الذكريات. ولن يهم أبدا إن كان البيت يعكس الغنى أو رقة الحال، لقد رأيتُ بيوتا تحوى الثمين لكنها ميتة كمخزن أحد المتاحف، وعرفتُ بيوتا بسيطة تحكى عن أصحابها بحنان! ولكننى فكرتُ أن البيت يمتد أحيانا إلى خارج البيت. فشارع المعز لدين الله الفاطمى هو بيتى الذى أفضل أن أزوره ليلا بعد أن تنام المحال وتهدأ الجلبة. وتلك الغابة السويسرية التى زرتها مرة واحدة، وأعرف أننى لن أراها ثانية، هى بيتى أيضا، لأننى هناك- وحدى تماما فى الخلاء تحت الأشجار القديمة- فى صحبة الطيور وبضع أرواح هائمة- شكرت الله على كل شىء- على الوجع والفرح ونعمة الحياة- ووعدته أن أتقبل كل ما سوف يجىء.
 
وقد يكون البيت أيضا هو هذا المكان الغامض بالداخل- تلك المساحة نصف المعتمة حيث يمكننى أن أكون وحدى تماما- لكننى لست بوحيدة- وأرى نفسى كأننى لست أنا. أتأمل حياتى كلها وأستطيع التوقف عند أى نقطة، أنحنى لألتقط قطع الماس التى كانت فى الأصل دموعى. أرانى منذ عشرة أو عشرين عاما وأعرف أننى قد كبرت واقتربت أكثر من روحى. فى هذا الكهف المسحور لا مكان للندم على شىء مضى أو يوم رحل. أنظر إلى الوراء فقط كى أفهم. أقابل أشباحى، وأسامح بعضهم. وألتقى الأحبة، من لا يزال هنا ومن ذهب. نتكلم ونضحك كثيرا ونحن نحتسى الشاى بالنعناع الأخضر ساعة العصارى فى شرفة بيت جدتى. وهل من الممكن أن يصبح شخصٌ ما بيتا لنا؟ ربما يحدث هذا عندما نعثر على من يحتضن روحنا، يحبنا كما نحن ويقبل ضعفنا وحماقاتنا فيجعلنا نحب أنفسنا. قد يكون أبا أو صاحبا أو حبيبا هذا الذى نُسقط فى حضوره كل الأقنعة، نستمتع معه بالصمت ونستكين فى دفء القرب، نتركه يقرأ الأسى القديم وراء ابتساماتنا ويشم رائحة الأرض المغسولة بالندى والزهور التى تتفتح مع كل ربيع يمر علينا.
 
تنفست بعمق وارتياح وأنا أفتح عينيّ. هل زرتُ بالفعل كل هذه البيوت فى طرفة عين! وللحظة ظننتُ أننى رأيتها- تلك التى جاءتنى فى الحلم وقالت إنها ستصطحبنى إلى البيت- فابتسمت لها.

نقلا عن المصري اليوم

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع