بقلم : مدحت بشاى
«عيش ــ حرية ــ كرامة إنسانيةــ عدالة اجتماعية».. إنه شعارنا الذى رُفع فى ميادين الحرية إبان ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، ولم يتحقق من بنود الشعار سوى الاقتراب من بداية التحرك نحو هدف تحقيق الكرامة بعد اندلاع ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، عندما كان الذهاب إلى الظفر بالاستقلال فى اتخاذ القرار (مهما كانت التحديات الداخلية والخارجية) سبيلنا إلى تحقيق الكرامة الإنسانية، ويحدونا الأمل فى إشباع الاحتياجات الإنسانية، وتقليص فرص وقوع الظلم الاجتماعى، ليتوارى الفقر ويندحر الظلم، ولا للتهميش والإقصاء الاجتماعى، ونعم للتذويب النسبى للفوارق الطبقية، وبشكل خاص فى الحالات الجنونية الظالمة. نعم لتوفير فرص للجميع لتنمية الطاقات الإيجابية لدى مواطنينا، وأخيراً الوصول لسيطرة وطنية فى مجال اتخاذ القرارات باستقلالية الأحرار، وهو ما ذهب إليه بشهامة، ورجولة الفريق أول عبد الفتاح السيسى لفتح سبل ومنافذ انطلاق العمل الإبداعى دون حسابات تصل إلى حد الوصاية من الداخل أو الخارج. عندما أدرك شعبنا العظيم أن ثورة يناير تم الإجهاز على كل أحلام الناس فى إقامة دولة مدنية متحضرة خرجوا بالملايين ليقولوا «لا».. وتنادوا «يا جيشنا العظيم لن يحكمنا فصيل فاشل يُكرس الطائفية، ويخون العهود ويعود بنا وبالوطن إلى أزمنة التردى والتراجع الحضارى».. وكانت تلبية الجيش الرائعة، وتم وضع خريطة المستقبل، وتشكيل حكومة، وكان ما كان كرد فعل جنونى من جانب جماعات الترهيب والتفزيع وتجمعات الرعب اللا إنسانية ليصادروا حق الحياة الآمنة الطبيعية لسكان ميادين تمترسوا فيها يحملون السلاح، ولما ثار الناس فى بلادى تقدم الجيش والشرطة الصفوف ليضعوا نهاية لتوحش وهمجية جماعة قررت الانفصال عن وطن وشعب، ليدخلوا فى معارك الكراهية المجنونة مع الناس فى الشوارع وأمام المساجد، يهدمون الكنائس والأديرة ويحرقونها هى وبيوت ومتاجر الأقباط بعد أن يقوموا بعمل إشارات لتمييزهم عن جيرانهم المسلمين.. وهؤلاء أدعياء التدين الكاذب لم يذهبوا إلى الخمارات أو أوكار الدعارة وعلب الليل ليعلنوا غضبهم لتفشى أمراض الإيدز، والقيم غير الأخلاقية (ورغم أن ذلك غير مقبول)، بل ذهبوا إلى المتاحف ومكتبة الإسكندرية وبيوت إنتاج الثقافة والإبداع وصناعة الحضارة، والمستشفيات وبنك الدم وأقسام الشرطة!!
ورغم بشاعات ما تواجهه الحكومة المؤقتة فى حربها فى الداخل مع جماعات الإرهاب، فضلاً عن تحدٍ خارجى فرضته تلك الجماعات عبر تحالفها مع قوى الشر فى دول الشمال والغرب (اللى ما يجيلنا منه حاجة تسر القلب)، التى تريد أنظمتها أن تستبقى آلة الإرهاب الجهنمية لدينا، بل تدعمها وصولاً لتفتيت دول المنطقة، وإشاعة الفوضى فيها.
ورغم كل ما يحدث، فإننى أرى أن على حكومتنا أن تمضى فى تنفيذ خطة المستقبل بجدية، ودون افتعال المشاكل البينية، فليس لدينا ترف ضياع الوقت وإهدار الفرص، وبالتوازى ضرورة الذهاب إلى اتخاذ القرارات، التى من شأنها دعم وتحقيق العدالة الاجتماعية بين الناس، فمن شأن تحقيق نجاحات أولية فى هذا الصدد منح قبلة الحياة، والانتعاش للجماهير المنكوبة بجماعات التخلف والترهيب، فتتولد لديها مناعة ضد الضعف والخوف، ومن ثم القدرة على المقاومة.
عندما يتأكد أن ٤٠% من الشعب المصرى يقبع تحت خط الفقر فى مقابل حفنة قليلة من الأغنياء فاحشى الثراء يتحكمون فى ثروات البلاد، فإن ذلك يستوجب ضرورة رفع الدعم والتسهيلات لمصانع الكبار، بل ورد الشركات التى بيعت للقطاع الخاص، التى تدهور معها الاقتصاد، وتم تشريد آلاف العمال.. ويجعلنا أمام ضرورة إعلان الحد الأدنى والأقصى للرواتب، ووضع نظم تقشفية للإنفاق الحكومى (على سبيل المثال، هل يمكن أن تكون لمصر سفارات فى كل دول العالم تقريباً وبأعداد كبيرة، إلى حد بات بعض رموز وأساتذة الاقتصاد يطلقون النكات مثل أن لدينا سفارة فى الدولة الصغيرة جداً مساحة وكثافة سكانية يعمل فيها فريق دبلوماسى وإدارى يفوق عدده عدد سكان تلك الدولة!!).
وأرى على سبيل المثال فى مجال التعليم الجامعى ظاهرة غريبة يا دكتور حسام عيسى، وزير التعليم الجامعى، والمعنى بأمر دعم آليات العدالة الاجتماعية.. كيف لنا أن نتصور أن أبواب جامعاتنا الحكومية يدلفها معاً طلاب الجامعة من هم وفق مجموعهم، وطلاب التعليم المفتوح، والتعليم الموجه، وتدريس التخصص بلغة أجنبية، وطلاب برامج متميزة تبلغ رسوم الالتحاق بها الآلاف من الجنيهات للأغنياء فقط، ويحرم من الالتحاق بها الطالب المتفوق الفقير باستثناء منح قليلة يتم تخصيصها للمتفوق الفقير فى بعض الأحيان، ولكل نوعية من نوعيات تلك النظم التعليمية رسومها المميزة، فضلا عن المعاهد والكليات الخاصة خارج حرم الجامعات، التى تسود معظمها فوضى إدارية بقصد الربح والتجارة.. ما ينفعش التمييز يا وزيرنا على أساس القدرة المالية.. وفى سياق آخر كان قرار رفع رواتب أعضاء هيئة التدريس بشكل هائل فى مقابل تجاهل رفع رواتب العاملين، ولو بقدر ربع نسبة تلك الزيادة حتى للحاصل على درجات علمية عليا، مما نشأ عنه شرخ اجتماعى فى الأسرة الجامعية، التى من المفروض أن تتكامل أدوار أعضائها.. لابد أن يستشعر الناس فى بلادى أن العدالة الاجتماعية ليست مجرد شعار نغازل به شغف حلمهم بالعيش بكرامة، وإنما هى استحقاق حال لشعب عظيم بعد ثورة تلتها ثورة لتعيد مصر للمصريين ممن اختطفوها.
medhatbe@gmail.com