الأقباط متحدون - الأقباط في حرب أكتوبر.. شراكة الدم والوطن والانتصار
  • ٠١:٤٣
  • الثلاثاء , ٧ اكتوبر ٢٠٢٥
English version

الأقباط في حرب أكتوبر.. شراكة الدم والوطن والانتصار

نادر شكري

مساحة رأي

٠٣: ١١ ص +03:00 EEST

الثلاثاء ٧ اكتوبر ٢٠٢٥

نادر شكرى
نادر شكرى
نادر شكري 
لم تكن حرب أكتوبر 1973 مجرد معركة عسكرية لاسترداد الأرض والكرامة، بل كانت ملحمة وطنية عظيمة شارك فيها المصريون جميعًا، مسلمين وأقباطًا، كتفًا بكتف ويدًا بيد وروحًا بروح تحت علم مصر الشامخ الذي لم ولن ينكسر. جسّد أبناء الوطن خلالها أسمى معاني الوحدة الوطنية، ليؤكدوا للعالم أن الدم المصري لا يعرف تفرقة، وأن الوطن حين يُستدعى لا يُسأل فيه عن دين أو مذهب.
 
شارك الأقباط في معركة العبور مشاركة فاعلة وبطولية، سواء في صفوف المقاتلين على الجبهة أو في الصفوف الداخلية الداعمة للمجهود الحربي، مقدمين نماذج خالدة من الفداء والإيمان الوطني الذي لا يعرف إلا مصر.
 
بطولات خالدة في ميادين القتال
من بين الأبطال الذين سطروا أسماءهم بحروف من نور، يأتي اسم الفريق فؤاد عزيز غالي، أحد أبرز قادة الجيش الثاني الميداني، الذي قاد معارك ضارية لتحرير مدينة القنطرة غرب، واستطاع بمهارة وحنكة أن يُدمّر 37 دبابة إسرائيلية، ويُعيد المدينة إلى أحضان الوطن في السابع من أكتوبر 1973.
 
كما يبرز اسم اللواء باقي زكي يوسف، المهندس العبقري صاحب الفكرة التاريخية باستخدام خراطيم المياه لهدم خط بارليف الحصين، وهو الابتكار الذي غيّر مجرى الحرب وساهم في نجاح العبور العظيم.
 
أما اللواء أركان حرب شفيق متري سدراك، فهو أول ضابط كبير يستشهد في حرب أكتوبر أثناء قيادته لواء المشاة الذي اخترق خط بارليف. استشهد هذا البطل في اليوم الرابع من الحرب بعد أن قاد رجاله في أشرس المعارك بسيناء، ليظل اسمه رمزًا للفداء والتضحية.
 
وفي سماء النصر، تحلق أرواح أبطالنا من سلاح الطيران مثل الشهيد الطيار ألبير متري، الذي استشهد في الضربة الجوية الأولى، وكان ضمن أول من واجه العدو في لحظة المجد والعبور. كذلك العميد رسمي مراد، رئيس عمليات إحدى فرق المشاة، الذي استشهد في 19 أكتوبر أثناء أداء واجبه الوطني.
 
ومن الأبطال الذين خلدهم التاريخ أيضًا الشهيد الرقيب جرجس عياد روفائيل، الذي رفض الإعفاء من الخدمة العسكرية رغم كونه العائل الوحيد لأسرته، واختار أن يبقى في صفوف القتال حتى استُشهد، مؤكدًا أن حب الوطن يعلو على كل اعتبار.
 
نماذج أخرى من العطاء الوطني
لا يمكن أن تُذكر بطولات الأقباط دون الإشارة إلى أسماء مثل اللواء مهندس نصري جرجس قائد وحدة الرادار المسؤولة عن اكتشاف الطائرات المعادية، واللواء طيار مدحت قلادة صادق أفضل قائد قاعدة جوية، والعميد ميخائيل سند ميخائيل من قوات الردع الصاروخي، واللواء فكري بباوي الذي أصيب إصابة بالغة أثناء المعارك، فحمله زملاؤه المسلمون لمسافة طويلة تحت وابل من النيران لإنقاذ حياته، في مشهد إنساني خالص يجسد وحدة الدم والمصير.
 
ويضاف إلى هؤلاء اللواء أركان حرب طيار جورج ماضي عبده رئيس أركان الدفاع الجوي لاحقًا، واللواء أركان حرب صليب بشارة رئيس هيئة البحوث العسكرية، وغيرهم من الرموز التي لم تُفرّق بينها العقيدة أو الانتماء.
 
من أرض المعركة إلى جبهة الروح
لم تكن البطولات قاصرة على الجبهة العسكرية فقط، فقد وقفت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بكل ثقلها إلى جانب الدولة والجيش، حيث أعلن قداسة البابا شنودة الثالث وقتها كلمته الخالدة: «مصر ليست وطنًا نعيش فيه، بل هي وطن يعيش فينا». كانت الكنائس في مختلف أنحاء مصر تقيم الصلوات والدعوات من أجل النصر، تمامًا كما كانت المساجد تمتلئ بالمصلين الذين يدعون الله أن يحمي الوطن ويؤيد جيشه.
 
شارك الأقباط المدنيون أيضًا في حملات التبرع للمجهود الحربي، وقدموا كل ما يستطيعون دعمًا لجنودهم البواسل، في صورة من أروع صور الوحدة الوطنية والتكافل.
 
وحدة الدم والمصير
كانت حروب مصر عبر تاريخها تجسيدًا لروح واحدة تجمع أبناءها، ففي خنادق القتال لم يكن هناك تمييز بين مسلم ومسيحي. يروي أحد القادة أنه قبيل بدء المعركة قرأ سورة الفاتحة بصوت مرتفع، فطلب منه أحد الجنود الأقباط أن يفعل ذلك ليقرأ معه، في مشهد بليغ يجسد وحدة الروح والعقيدة الوطنية.
 
لقد أثبتت مشاركة الأقباط في حرب أكتوبر أن مصر لا تنتصر إلا حين تتوحد قلوب أبنائها، وأن الدم الذي رُوي به تراب سيناء كان مصريًا خالصًا لا يسأل عن دين أو مذهب. ففي الخنادق، كان الجميع جندًا للوطن، يقاتلون من أجل الأرض والعِرض والكرامة.
 
دروس خالدة للأجيال
تظل مشاركة الأقباط في حرب أكتوبر علامة مضيئة في سجل التاريخ المصري، ودليلًا على أن قوة مصر الحقيقية في وحدتها وتماسكها. وكما قاتل الأقباط والمسلمون جنبًا إلى جنب في معركة العبور، فإنهم اليوم يواصلون معًا معركة البناء والتنمية، حاملين راية مصر الموحدة التي لا تنكسر.
 
إن حرب أكتوبر لم تكن فقط لحظة عسكرية فارقة، بل كانت درسًا أبديًا في الوطنية الصادقة، شارك في كتابته كل مصري بدمه وعرقه وإيمانه.
 
تحيا مصر… وطنًا و
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع