الأقباط متحدون - البابا لاون يدعو إلى تعزيز ثقافة المصالحة من أجل التصدي لـعولمة العجز السائدة اليوم في المجتمع
  • ٢٢:٠٥
  • السبت , ١٣ سبتمبر ٢٠٢٥
English version

البابا لاون يدعو إلى تعزيز ثقافة المصالحة من أجل التصدي لـ"عولمة العجز" السائدة اليوم في المجتمع

محرر الأقباط متحدون

مسيحيون حول العالم

٠٣: ٠٤ م +03:00 EEST

السبت ١٣ سبتمبر ٢٠٢٥

البابا لاون
البابا لاون

محرر الأقباط متحدون
وجه البابا لاون الرابع عشر مساء الجمعة رسالة إلى أهالي جزيرة لامبدوزا الإيطالية لمناسبة تقديم ترشيح المشروع المعروف باسم "بوادر الضيافة" ليُدرج على لائحة التراث الثقافي غير المادي لهيئة اليونيسكو. وتطرق في الرسالة إلى أهمية أن نعزز اليوم ثقافة المصالحة لأنها وحدها قادرة على مواجهة ثقافة العجز السائدة في مجتمعنا، كما ذكّر بزيارة البابا فرنسيس إلى الجزيرة الإيطالية عام ٢٠١٣، وبدعوته إلى إرساء أسس ثقافة التلاقي بغية التصدي لعولمة اللامبالاة.

استهل الحبر الأعظم رسالته موجهاً لأهالي لامبدوزا التحية المعهودة باللهجة المحلية، والتي استخدمها البابا الراحل فرنسيس عندما زار الجزيرة، وكانت تلك أول زيارة يقوم بها منذ انتخابه. ولفت البابا إلى أن هذه العبارة تعني النَفَس، موضحا أن الكلمة الواردة في الكتاب المقدس تُترجم أيضا إلى عبارة روح، ومن هذا المنطلق لفت إلى أن التحية التي يُرسلها إليهم عن بُعد هي بمثابة استحضار للروح القدس الذي هو نفَس الله.

بعدها أكد الحبر الأعظم أن ثمار الروح القدس موجودة بوفرة وسط أهالي الجزيرة، متذكرا ما كتبه القديس بولس الرسول إلى أهل تسالونيكي قائلا إنهم قبلوا الكلمة وسط محن كبيرة، وبفرح الروح القدس، فأصبحوا بذلك قدوة للمؤمنين كافة. وأضاف لاون الرابع عشر أن الموقع الجغرافي لجزيرتي لامبدوزا ولينوزا يجعل منهما بوابة لأوروبا، وهذا الأمر تطلب من السكان، خلال العقود الماضية، التزاماً كبيراً على صعيد الضيافة، ما نقلهم من قلب المتوسط إلى قلب الكنيسة. فأصبح إيمانهم ومحبتهم معروفَين لدى الجميع، وتراثاً غير مادي، لكنه واقعي.

هذا ثم لفت البابا إلى أنه يود أن يوجه لأهالي الجزيرة كلمة شكرٍ باسمه وباسم الكنيسة كلها على الشهادة التي يقدمونها، خاصاً بالذكر الجمعيات والمتطوعين ورؤساء البلدية المتعاقبين والإدارات الرسمية المحلية، كما عبّر عن امتنانه أيضا للكهنة والأطباء ورجال الأمن الذين أبدوا اهتماماً إنسانياً تجاه الأشخاص المحتاجين الذين نجوا من الغرق خلال رحلة يائسة بحثاً عن بصيص من الأمل. وأضاف أن سكان لامبدوزا هم رمز للإنسانية، مذكراً بأنه لا يمكن أن توجد العدالة بدون رأفة، ولا توجد أي مشروعية لما نقوم به إن لم نصغ إلى آلام الآخرين.

تابع لاون الرابع عشر يقول إن العديد من الضحايا الموجودين اليوم في أعماق البحر، ومن بينهم أمهات وأطفال، يطلقون صرخة نحو السماء ونحو قلوبنا أيضا، وقال إن ثمة العديد من الأخوة والأخوات المهاجرين الذين دُفنوا في لامبدوزا، ورفاتهم هي بمثابة بذور سوف ينبت منها عالم جديد. وهناك أيضا الآلاف من هؤلاء الأشخاص الذين يعيشون اليوم حياةً أفضل ولن ينسوا أبداً أعمال المحبة التي صُنعت تجاههم، وقد أصبح الكثيرون منهم عاملين في سبيل العدالة والسلام، لأن عمل الخير أمر مُعد.

بعدها أكد الحبر الأعظم أنه مع مرور السنوات يمكن أن يشعر الإنسان بالتعب، وهذا الأمر يمكن أن يطرح تساؤلات حول ما تم فعله، ويمكن أن يولّد انقسامات، فلا بد أن نتصرف معاً وأن نبقى متّحدين ومنفتحين على روح الله، موضحا أن الأعمال الخيّرة التي تمت قد تبدو قطرة ماء في البحر، لكن الأمر ليس كذلك إطلاقا.

لم تخل رسالة لاون الرابع عشر من الحديث عن عولمة اللامبالاة، وهي ظاهرة ندد بها البابا فرنسيس في لامبدوزا، ويبدو أنها تحولت اليوم إلى عولمة العجز إذ إننا نشعر بالحزن ونلزم الصمت ولا نتصرف إزاء الظلم وألم الأبرياء، ويسودنا الشعور بأنه لا يوجد شيء يمكن أن نفعله. وقال البابا إن عولمة العجز هي وليدة كذبة مفادها أن هذا هو مسار التاريخ الذي يكتبه المنتصرون، بيد أن الواقع مختلف تماما لأن التاريخ ينقذه الأشخاص الودعاء والصالحون والشهداء، الذين يتألق من خلالهم الخير، وتتجدد الإنسانية الأصيلة.

وذكّر البابا بريفوست بأن سلفه فرنسيس اقترح أن تواجَه عولمة اللامبالاة بواسطة ثقافة اللقاء، وأشار لاون الرابع عشر إلى أن عولمة العجز تتطلب منا أن نواجهها بثقافة المصالحة، التي هي طريقة مميزة للقاء. وأضاف أنه يتعين علينا اليوم أن نتلاقى ونضمد الجراح، ونطلب المغفرة على الشرور التي ارتكبناها، لافتا إلى وجود كم هائل من الخوف والأحكام المسبقة فضلا عن الجدران غير المرئية التي تفصل بيننا. وقال إن الشر يُنقل من جيل إلى آخر، ومن جماعة إلى أخرى، لكن الخير يُنقل أيضا ويبقى أقوى من الشر.

واعتبر البابا أن ممارسة الخير تتطلب منا أن نصبح خبراء في مجال المصالحة، وأن نرمم ما قد كُسر وأن نتعامل بحذر مع الذكريات الأليمة وأن نقترب من بعضنا البعض بصبر، وأن نتماهى مع قصص الآخرين ومعاناتهم، وأن نعترف بأن لدينا الأحلام والآمال نفسَها. وأكد الحبر الأعظم في هذا السياق أنه ليس هناك وجود للأعداء، إذ يوجد فقط أخوة وأخوات لأنها ثقافة المصالحة، وثمة حاجة لبوادر من المصالحة ولسياسات من المصالحة.

في ختام رسالته إلى أهالي جزيرة لامبدوزا الإيطالية دعا البابا لاون الرابع عشر الجميع إلى السير معا في الدرب المؤدية إلى المصالحة. وأكد أنه بهذه الطريقة تتكاثر جزر السلام، وتصبح ركائز للجسور، وهكذا يمكن للسلام أن يصل إلى جميع شعوب الأرض. وكتب أنه يوكل الجميع إلى شفاعة العذراء مريم نجمة البحار، ويمنحهم بركاته الرسولية، وسأل الله الكلي القدرة، الآب والابن والروح القدس أن يحل على الجميع.