الأقباط متحدون - لا لهدمها: كنيسة رشيد ليست جدارًا من حجر.. بل تراث نتحمل مسئولية حمايته. فالتاريخ لا يقدر بمال
  • ٢١:٢٧
  • الأحد , ٣١ اغسطس ٢٠٢٥
English version

لا لهدمها: كنيسة رشيد ليست جدارًا من حجر.. بل تراث نتحمل مسئولية حمايته. فالتاريخ لا يقدر بمال

نادر شكري

مساحة رأي

٢٣: ٠٧ م +03:00 EEST

الأحد ٣١ اغسطس ٢٠٢٥

بقلم- نادر شكري
ما جرى في كنيسة العذراء الأثرية برشيد لا يمكن اعتباره مجرد نزاع قانوني عابر بين أطراف، بل هو في جوهره امتحان حقيقي لاحترام دولة القانون وحماية ذاكرة مدينة كاملة، 

القانون وُضع ليُحتكم إليه لا ليُلتف حوله. حين يقوم طرف في نزاع قضائي لم تُحسم إجراءاته بعد، بمحاولة هدم ما تبقى من معالم الكنيسة، مستخدمًا آلات حفر، ودون إذن من مجلس المدينة أو إخطار الجهات الأمنية أو انتظار تقرير لجنة الخبراء المنتدبة من المحكمة، فإن هذا السلوك يُعد انتهاكًا صريحًا لهيبة القانون، بل واعتداءً على حق المجتمع بأسره.

القانون لا يعرف أشخاصًا بعينهم، ولا يمنح حصانة لمطامع، وإلا سقطت قيم العدالة التي يقوم عليها.

•  الكنيسة معلم وهوية
هذه الكنيسة ليست مجرد مبنى ديني، بل هي جزء من ذاكرة رشيد، إلى الحد الذي حمل الشارع الرئيسي اسمها: شارع كنيسة الروم. هدمها أو تشويهها يعني قطع جزء من تاريخ المدينة، وإلغاء شاهد حي على تنوعها الحضاري والإنساني.

إن حماية التراث ليست رفاهية، بل واجب وطني؛ لأن التراث هو ما يميز المدينة أمام أبنائها وزوارها، وهو ما يمنح الأجيال المقبلة صلة بجذورهم.

•  المال والمطامع لا تعادل التاريخ
قد يرى البعض أن للأرض قيمة مالية أو استثمارية، لكن ما قيمة المال أمام ذاكرة الشعوب؟ المباني تُشترى وتُباع، أما التاريخ فلا يُشترى ولا يُباع. كل حجر في هذه الكنيسة يروي قصة عمرها قرون، قصة عن تعايش، عن عمران، عن فنون معمارية تحمل بصمة أجيال سابقة.

إن التضحية بهذا التراث من أجل مطامع شخصية هو خسارة لا تعوض، ليس للأقباط فقط، بل لرشيد ومصر كلها.

•  زيارة عام 2008
أتذكر زيارتي لكنيسة العذراء في عام 2008، حين تمت أول محاولة للتعدي عليها وهدمها. كان الكاهن جالسًا داخل الكنيسة، ومدارس الأحد قائمة بداخلها، وقد قمت بتفقد معالمها الجميلة ومنارتها الفريدة التي تم هدمها فيما بعد.

شعرت آنذاك بعبق التاريخ وروعة البناء في هذه الكنيسة العريقة، التي كانت تتزين بأيقونات القديسين وقباب من زمن مضى.

•  عبق التاريخ وشهادة الناس
كما أخذت جولة حولها بين المتاجر الملاصقة لسور الكنيسة من الخارج، وتحدثت مع المواطنين – وغالبيتهم من المسلمين – الذين رووا لي تاريخ هذه الكنيسة، حتى إن الشارع حمل اسمها: شارع كنيسة الروم، وزراها المتنيح نيافة الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومطروح وصلي فيها ودشن مذبحها.

وقد أوضحوا أنهم يستأجرون محالهم التجارية من الكنيسة منذ سنوات طويلة، ويعيشون وكأنهم حصن يحميها، إذ يروي كل واحد منهم حكايته مع الكنيسة منذ كان طفلًا، ليكون شاهدًا على أحد أبرز معالم المدينة.

•  مناشدة للحفاظ على المعلم
اليوم، نحن أمام مسؤولية جماعية: على القضاء أن يثبت أن العدالة لا تنحاز إلا للحق، وعلى الأجهزة التنفيذية أن تحمي الموقع من أي عبث جديد، وعلى المجتمع المدني والإعلام أن يرفع الصوت عاليًا دفاعًا عن هذا التراث.

مناشدة مخلصة تُوجَّه إلى الدولة، إلى القيادة السياسية، إلى كل مسؤول غيور: احموا كنيسة العذراء برشيد، فهي ليست دار عبادة فقط، بل شاهد حضاري ومعلم تاريخي.

•  كنيسة عريقة تستحق الحماية
في زمن تتسابق فيه دول العالم على تسجيل معالمها الأثرية في قوائم التراث العالمي، من العيب أن نهدم بأيدينا ما يميز مدننا، ونحوّل الذاكرة إلى ركام.
رشيد تستحق أن تبقى مدينة التاريخ والحضارة، لا ساحة لصراعات ومطامع، وكنيستها العريقة هي رمز لهذا الحق.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع