الأقباط متحدون - البابا لاوُن يجري مقابلته العامة مع المؤمنين ويتحدث عن المغفرة التي يُعَلمنا إياها يسوع
  • ١٧:٢٣
  • الاربعاء , ٢٠ اغسطس ٢٠٢٥
English version

البابا لاوُن يجري مقابلته العامة مع المؤمنين ويتحدث عن المغفرة التي يُعَلمنا إياها يسوع

محرر الأقباط متحدون

مسيحيون حول العالم

٥٩: ١١ ص +03:00 EEST

الاربعاء ٢٠ اغسطس ٢٠٢٥

البابا لاوُن
البابا لاوُن

محرر الأقباط متحدون
المغفرة والمحبة التي تبلغ أقصى الحدود، كان هذا محور تعليم قداسة البابا لاوُن الرابع عشر اليوم الأربعاء خلال المقابلة العامة مع المؤمنين، وذلك انطلاقا من فعل مغفرة يسوع إزاء يهوذا الذي سيخونه.

أجرى قداسة البابا لاوُن الرابع عشر صباح اليوم الأربعاء ٢٠ آب أغسطس في قاعة بولس السادس في الفاتيكان مقابلته العامة مع المؤمنين. وتوقف في تعليمه عند ما وصفه بواحد من الأفعال الأكثر تأثيرا وإنارة في الإنجيل، أي حين ناول يسوع خلال العشاء الأخير اللقمة لمن سيخونه. وواصل الأب الأقدس أن هذه لم تكن فقط لفتة تقاسُم بل هي أكثر من ذلك بكثير، لقد كانت المحاولة الأخيرة للمحبة ألا تستسلم. ثم أشار البابا إلى أن يوحنا الإنجيلي وبحساسيته الروحية العميقة يروي لنا ما حدث بهذه الكلمات: "قبلَ عيدِ الفِصح، كانَ يسوعُ يَعَلمُ بِأَن قد أَتَت ساعَةُ انتِقالِه عن هذا العالَمِ إِلى أَبيه، وكانَ قد أَحَبَّ خاصَّتَه الَّذينَ في العالَم، فَبَلَغَ بِه الحُبُّ لَهم إِلى أَقْصى حُدودِه. وفي أَثْناءِ العَشاء، وقَد أَلْقى إِبَليسُ في قَلْبِ يَهوذا بْنِ سِمعانَ الإِسخَريوطيِّ أَن يُسلِمَه" (يوحنا ١-٢). وتوقف قداسته عند تعبير "فَبَلَغَ بِه الحُبُّ لَهم إِلى أَقْصى حُدودِه" وقال قداسته: هذا هو المفتاح لفهم قلب يسوع، محبة لا تتوقف أمام الرفض وخيبة الظن وحتى عدم العرفان.

وتابع الأب الأقدس أن يسوع كان يعرف الساعة لكنه لم يتكبد هذا بل اختاره، فهو يعلم اللحظة التي يكون فيها على محبته أن تجتاز الجرح الأكثر إيلاما، الخيانة، قال البابا وواصل أن يسوع وبدلا من الابتعاد أو توجيه الاتهامات أو الدفاع عن النفس يواصل المحبة، فيغسل الأقدام ويغمس الخبز ويناوله. ثم عاد البابا إلى كلمات يسوع "هو الَّذي أُناوِلُه اللُّقمَةَ الَّتي أَغمِسُها" (١٣، ٢٦)، وقال الأب الأقدس أن يسوع بهذا الفعل البسيط والمتواضع يحمل محبته حتى أقصى الحدود لا لأنه يتجاهل ما يحدث له، بل لأنه يرى بوضوح، فقد أدرك أن حرية الآخر حتى وإن ضاعت في الشر يمكن أن يصلها نور لفتة بسيطة، لأنه يعلم أن المغفرة الحقيقية لا تنتظر الندم بل تقدَّم هي أولا كهبة مجانية قبل ان تُقبل. 

تحدث البابا لاوُن الرابع عشر بعد ذلك عن يهوذا فقال إنه لم يفهم "فما إِن أَخَذَ اللُّقمَةَ حتَّى دَخَلَ فيه الشَّيطان" (٢٧) حسبما يروي لنا الإنجيل. وتوقف قداسته عند هذه العبارة فقال إن الشر الذي كان مختبئا حتى تلك اللحظة يظهر ما أن كشفت المحبة وجهها الأعزل. ولهذا أيها الأخوة والأخوات، فإن هذه اللقمة هي خلاصنا، قال البابا، لأنها تخبرنا أن الله يفعل كل شيء ليصل إلينا حتى في اللحظة التي نرفضه فيها. وهنا تكشف المغفرة قوتها وتُبرز الوجه الملموس للرجاء، فهي ليست نسيانا ولا ضعفا، بل هي القدرة على ترك الآخر حرا مواصلين محبته حتى النهاية. وأضاف الأب الأقدس أن محبة يسوع لا تنكر حقيقة الألم لكنها لا تسمح بأن تكون الكلمة الأخيرة للشر، هذا هو السر الذي يفعله يسوع من أجلنا والذي نحن أيضا مدعوون أحيانا إلى المشاركة فيه.

كم يُكسر من علاقات وكم من قصص تتعقد وكم من الكلمات تظل معلقة، تابع البابا لاوُن الرابع عشر، بينما يكشف لنا الإنجيل أن هناك دائما طريقة لمواصلة المحبة حتى حين يبدو كل شيء قد خرب بشكل لا يمكن إصلاحه. وواصل الأب الأقدس ان المغفرة لا تعني إنكار الشر بل منعه من أن يولِّد شرا آخر، لا تعني القول إنه لم يحدث شيء بل عمل كل ما يمكن كي لا تكون الضغينة ما سيقرر المستقبل.

عاد قداسة البابا بعد ذلك مجدَّدا إلى الإنجيل متوقفا عند خروج يهوذا من المكان "وكان قد أظلم الليل (٣٠). ثم ذكَّر بما قال يسوع فور خروج يهوذا "الآنَ مُجِّدَ ابنُ الإِنسان" (٣١). وواصل الأب الأقدس أن ظلام الليل كان لايزال هناك إلا أن نورا قد بدأ يسطع، وذلك لأن يسوع يظل أمينا حتى النهاية وهكذا فإن محبته هي اقوى من الكراهية.

نحن أيضا نعيش ليالٍ أليمة ومتعبة، واصل البابا، ليالي النفس، ليالي خيبة الظن، ليالٍ يجرحنا فيها البعض أو يخونوننا فتكون هناك تجربة الانغلاق على الذات وحماية أنفسنا ورد الضربة. إلا أن الرب يكشف لنا الرجاء في أن هناك دائما طريقا آخر، يُعَلمنا أن بالإمكان تقديم لقمة حتى لمن أدار لنا ظهره، أن بالإمكان الرد بصمت الثقة ومواصلة السير بكرامة بدون التخلي عن المحبة. ثم دعا الأب الأقدس إلى ان نطلب نعمة القدرة على المغفرة حتى حين نشعر بأننا غير مفهومين أو بأننا متروكون، ففي هذه اللحظات تحديدا يمكن للمحبة ان تبلغ ذروتها. وتابع البابا أن المحبة، وكما يُعَلمنا يسوع، تعني ترك الآخر حرا حتى في أن يخون، وذلك بدون التوقف عن الإيمان بأن حتى هذه الحرية الجريحة والضائعة يمكن إخراجها من خداع الظلام وإعادتها إلى نور الخير.

ثم أكد البابا لاوُن الرابع عشر أنه حين ينجح نور المغفرة في العبور من شقوق القلب الأكثر عمقا فإننا ندرك أن المغفرة لا تكون أبدا بلا فائدة، فحتى وإن لم يتقبلها الآخر وإن بدت بلا جدوى فإن المغفرة تُحرِّر مَن يهبها، تذيب الضغينة، تستعيد السلام وتعيدنا إلى أنفسنا. وختم قداسة البابا أن يسوع بلفتة مناولة الخبز البسيطة يرينا أن كل خيانة يمكنها أن تكون فرصة للخلاص في حال اختيارها كفسحة لمحبة أكبر، محبة لا تستسلم أمام الشر بل تهزمه بالخير مانعة إياه من أن يطفئ أصدق ما فينا، القدرة على المحبة.