
أقباط المهجر بين الوطنية ومحاولات الاختراق
شريف منصور
الاثنين ١٨ اغسطس ٢٠٢٥
بقلم: م. شريف منصور
منذ خروج أول جالية قبطية إلى الخارج، ظلّت الهوية الوطنية جزءًا لا يتجزأ من وجودهم. أقباط المهجر حملوا مصر في قلوبهم أينما ذهبوا، لا بفضل الحكومة، بل رغماً عنها. والدليل أن معظم نشاطاتهم في الخارج كانت دائمًا ثقافية، اجتماعية، إنسانية، أو سياسية مرتبطة بالعدالة وحقوق الإنسان، بعيدًا عن أي محاولة لتقويض الوطن.
لكن الحكومة المصرية، منذ عقود، لم تستوعب هذه الحقيقة. تعاملت مع أقباط المهجر كملف أمني بحت.
• الأجهزة حاولت الاختراق مرارًا.
• جربوا أن يضعوا وجوه “قبطية” في الواجهة: وزراء أو وزيرات للهجرة من الأقباط. ظنّوا أن مجرد وجود لقب “قبطية” في المنصب سيجعل أقباط المهجر ينصاعون، لكن التجربة فشلت تمامًا.
بعدها خرجوا بمشروع “اتكلم عربي” بزعم إحياء الوطنية المصرية (العربي يحي الوطنية المصرية أكبر نكته) عند أبناء الجيل الجديد. لكن المشروع كان يحمل بصمة دينية واضحة، بدليل أن شيخ الأزهر نفسه هو الذي روج له، وكأن الوطنية في مصر لا تمر إلا من بوابة الأزهر! وهنا سقط القناع: ليست مبادرة وطنية، بل محاولة لخلط الدين بالوطنية كما تعوّد النظام أن يفعل دائمًا.
واليوم، ومع فشل كل تلك الأساليب، رجعوا إلى الطريق الأخطر: تجنيد “أقباط ذميين” يسعون وراء الشهرة، أفراد يقبلون أن يلعبوا دور “كوبري” تمر من فوقه الأجهزة. واحد بولاية أمريكية، وآخر في كندا، الهدف؟ كسر وحدة أقباط المهجر من الداخل، وتشويه صوتهم الحقيقي. وتحدث بالحرج عن أسماء مسيحيين ذميين حتي النخاع في وسائل التواصل الإجتماعي.
حتى على المستوى الدبلوماسي، المشهد مضحك:
• السفير المصري في أوتاوا كان يظهر في قداس عيد الميلاد بأوتاوا ليعطي صورة “الانسجام”.
• لكن فجأة تحوّل تركيزه إلى تورونتو، لأن أعداد الأقباط هناك أكبر، ولأن “اللعبة السياسية” أهم من أي شعور حقيقي بالانتماء أو المشاركة.
⸻
مثال حي: المدرسة القبطية
ولكي لا يبقى الكلام في إطار التحليل فقط، هناك مثال صارخ:
مدرسة العائلة المقدسة القبطية، التي وقفت ضد الغش في امتحانات الثانوية العامة.
• المدرسة تعرضت لهجوم لفظي ومحاولة اعتداء من بعض أولياء الأمور والطلاب، فقط لأنها أصرت على تطبيق القانون ومنع الغش.
• بدل أن تكرمها الدولة، أو حتى تدافع عنها، صمتت الحكومة تمامًا.
• وزير التعليم نفسه – الذي تطارده فضيحة تزوير شهادة الدكتوراه – لم يتدخل لا للدفاع عن المدرسة ولا لتكريم إدارتها.
إذاً، عندما يتمسّك قبطي بالقانون ويخدم الوطن بضمير، تتركه الدولة وحيدًا في الميدان.
أما إذا كان “قبطي ذمي” يلمّع صورة النظام في الخارج، فهنا تنهال عليه الأضواء والتكريمات.
⸻
الخاتمة القاطعة:
وهنا يطرح السؤال الذي لا يجرؤ أحد على طرحه علنًا:
لماذا لا تكرم الحكومة المصرية قبطيًا واحدًا من الشعب القبطي في الداخل مثلما تفعل مع الذميين من أقباط المهجر؟
• هل رأينا الدولة تكرم طبيبًا قبطيًا في قرية نائية خدم الناس بسنين عمره؟
• أو معلّمًا قبطيًا علّم أجيالاً كاملة رغم قلة الإمكانيات؟
• أو عاملًا قبطيًا شريفًا ساهم في نهضة محلية؟
الجواب واضح: الدولة لا تكرم إلا من يخدم صورتها أمام الغرب.
أما القبطي الحقيقي الذي يعيش بين الناس ويتحمل التمييز يوميًا، فمكانه النسيان والتجاهل.
وكأن الحكومة تقول: “القبطي المقبول هو فقط الذي يلمّع صورتنا، لا الذي يفضح واقعنا.