الأقباط متحدون - بطريركية أورشليم تكشف الحقائق الكاملة حول أزمة دير سانت كاترين في سيناء
  • ١٥:٣٦
  • الاثنين , ١١ اغسطس ٢٠٢٥
English version

بطريركية أورشليم تكشف الحقائق الكاملة حول أزمة دير سانت كاترين في سيناء

محرر الأقباط متحدون

أقباط مصر

١٤: ١١ ص +03:00 EEST

الاثنين ١١ اغسطس ٢٠٢٥

دير سانت كاترين
دير سانت كاترين

محرر الأقباط متحدون
 في إطار تطورات الأوضاع المرتبطة بدير القديسة كاترين بجبل سيناء، أصدرت بطريركية أورشليم بيانًا ودراسات تناولت فيه خلفيات القضية وتطوراتها، مؤكدة التزامها الثابت بالوحدة الكنسية وحرصها على صون الوضع القانوني والتاريخي للدير. ويأتي هذا البيان في ظل الجدل القائم حول وضعه القانوني والإداري، حيث قدّمت البطريركية سردًا شاملًا للأحداث الراهنة، وأرفقته بدراسة علمية موسّعة أعدّها البروفيسور فلاسيـوس إيوانيس فيذاس، أستاذ فخري بجامعة أثينا، توضح الأبعاد التاريخية والقانونية للعلاقة التي تجمع الدير بالبطريركية عبر العصور.

حيث أفاد البيان أن سيادة المتروبوليت داميانوس رئيس أساقفة فاران وجبل الطور ورئيس دير القديسة كاترين بجبل سيناء كان قد وجّه رسالة إلى غبطة بطريرك أورشليم البطريرك ثيوفيلوس الثالث، طالبًا تدخله للمساعدة في حل قضية الدير. وجاء في نص رسالته:

 "نثق في حكمتكم الرشيدة، وأنكم أبونا وبطريركنا الذي أكنّ له، كأسقف، كل الاحترام والمحبة والتقدير".

وأضافت البطريركية أنها استجابت فورًا لهذا الطلب، وبعد اتصال هاتفي، أوفدت لجنة ثلاثية من أبرز أعضاء أخوية القبر المقدس، ضمت: المطران أريستارخوس رئيس أساقفة قسطنطينة، والأرشمندريت جيرونيموس وكيل القبر المقدس في اليونان، والأرشمندريت خريستوذولوس أمين سر المجمع المقدس، إضافة إلى البروفيسور ثيودوروس يانغو أستاذ القانون الكنسي، وذلك لمعالجة القضية بحكمة وروح أخوية.

 تسريب رسالة مزعومة وإدانة رسمية:
انتظر الوفد البطريركي الأورشليمي ثلاثة أيام بصبر ومحبة حتى يتمكن المطران دميانوس من استقبالهم، وتم تحديد اللقاء يوم 7 أغسطس 2025 في الساعة السابعة مساءً.

وخلال اللقاء، علموا أن هناك رسالة مزعومة منسوبة إلى المطران دميانوس نُشرت في الصحافة، تحمل مضمونًا مخالفًا لرسالته الأولى فيما يخص الولاية الروحية لبطريركية أورشليم، وهو ما لم يحدث قط، وتؤكد البطريركية أن الرسالة لا أساس لها من الصحة.

حيث أكدت البطريركية أن هذه الرسالة "ملفقة ولم تُرسل قط"، ووصفتها بأنها محاولة خبيثة لشق وحدة الكنيسة والأمة، داعيةً إلى تجاهل الشائعات والتمسك بالحوار البنّاء.

وجاء في البيان:
> "إن البطريركية، وفية للمبادئ الكنسية، لا تدخل في مهاترات أو تعليقات على منشورات مشبوهة تمسّ كرامة المؤسسات المقدسة، وتحاول زرع الانقسام في الصف الأرثوذكسي اليوناني، وقد تضلل حتى شيوخًا أجلاء معروفين بغيرتهم الكنسية. وتوضح أن مثل هذه المنشورات تدل على جهل بالقوانين الكنسية والحقوق الثابتة التي تقرّ بأحقية بطريركية أورشليم في ولايتها القانونية.".

هذا وقد حرصت اللجنة الثلاثية، متجاهلةً الشائعات، على مواصلة الحوار بروح المحبة في المسيح، فتشاوروا مع معاوني المطران دميانوس ومع السيد جورج كالانتزيس، الأمين العام لوزارة الشؤون الدينية وممثل الحكومة اليونانية، ودعوا المطران، بوصفه شخصية تاريخية في الرهبنة الأرثوذكسية، إلى حوار هادئ وسلمي لحل المشكلة وصون وحدة الكنيسة والأمة.

أجواء اللقاء والمشاورات الجانبية: 
التقت اللجنة البطريركية مع المتروبوليت داميانوس بعد ثلاثة أيام من الانتظار، حيث جرى حوار اتسم بالمحبة المسيحية، وتمت مشاورات مع معاونيه، ومع السيد جورج كالانتزيس الأمين العام لوزارة الشؤون الدينية في اليونان. ودعت اللجنة سيادته، بوصفه شخصية رهبانية تاريخية، إلى العمل على حل الأزمة بروح السلام وصون وحدة الكنيسة.

 العائق الأخير في المفاوضات مع الحكومة المصرية:
تشير مصادر مطّلعة إلى أن قضية ملكية الأماكن المخصصة للعبادة في دير القديسة كاترين بجبل سيناء هي العقبة الأخيرة أمام التوصل إلى اتفاق شامل بين الحكومة المصرية والدير.

وقد تم التوافق مؤخرًا على منح الدير شخصية اعتبارية قانونية، وحماية مقتنياته بتسجيلها كـ"مجموعة خاصة" في مصر، فيما لا يزال ملف الملكية قيد النقاش، مع وجود أمل في التوصل إلى صيغة مرضية.

 خطوات المتروبوليت داميانوس الداخلية:
وبالتوازي، قام المطران دميانوس بخطوتين بارزتين:

1. رسالته إلى بطريرك أورشليم البطريرك ثيوفيلوس، ردًا على ما اعتبره "سوء فهم واضح" في تصريحاته بشأن ولاية البطريركية على الدير، مشيرًا إلى السجل التاريخي "السجِّيل" الصادر عن بطريركية القسطنطينية، الذي ينص صراحة على أن دير سيناء لم يخضع في أي وقت لأي بطريرك، لا الإسكندرية ولا أنطاكية ولا أورشليم، بل ظل مستقلًا ذاتيًا، حرًا، وغير خاضع لأي سلطة بطريركية "إلى أن يدور الشمس في فلكها". كما أكد أنه لم يطلب مطلقًا تدخل بطريرك أورشليم، بل رفض أساسًا لجوء الرهبان المتمرّدين إليه، معتبراً أي تدخل من البطريركية "غير مقبول وتعديًا على الدير المستقل".

2. استدعاء 14 راهبًا من أصل 15 وقّعوا على طلب عزله، للتحقيق معهم بتهم كنسية جسيمة، منها: التكتل الفئوي، عقد اجتماعات غير قانونية، التآمر على الرئيس الروحي للدير، اغتصاب سلطته، العصيان، والتمرّد. أمّا الراهب الخامس عشر، بامفيلوس، فقد غادر الدير منذ سنوات إلى أحد أديرة جبل آثوس.

 إضافة تاريخية حول الوضع القانوني للدير : 
أظهرت الدراسات الأكاديمية، ومنها دراسة البروفيسور فيذاس، أن دير القديسة كاترين بجبل سيناء يتمتع منذ نشأته في القرن السادس الميلادي بوضع قانوني فريد بين الأديرة الأرثوذكسية، إذ تأسس بأمر من الإمبراطور يوستينيانوس الكبير، وتمتع باستقلال ذاتي مباشر تحت رعاية الإمبراطور وبدون تبعية لأي بطريركية إقليمية. وقد أكد السجِّيل الصادر عن بطريركية القسطنطينية هذا الوضع الاستثنائي، مُقرًّا بأن الدير "حرّ ومستقل وغير خاضع لأي بطريرك إلى أن تدور الشمس في فلكها".

 وجاءت الدراسة التي أرفقتها البطريركية مستفيضة وموسّعة، وقد تضمّنت ما يلي:"
هذه دراسة أعدّها أستاذ جامعة أثينا، البروفيسور فلاسيـوس فيذاس، حول دير القديسة كاترين في جبل سيناء، وما استجدّ مؤخراً من أوضاع مرتبطة به.
"الدير المقدس في جبل سيناء"

إعداد: البروفيسور فلاسيـوس إيوانيس فيذاس
أستاذ فخري بجامعة أثينا

ظلّت قضية دير جبل سيناء مرتبطة دائماً بعلاقته الوثيقة وغير المنفصمة مع بطريركية القدس، سواء في فترة الاحتلال الصليبي وفرض البطريرك اللاتيني والهرمية الكنسية اللاتينية (1099–1268)، أو بعد طردهم مباشرة مع دخول حكم المماليك إلى مصر وسوريا وفلسطين (1268–1517). وقد جرى آنذاك الاعتراف بالحقوق الحجّية الثابتة، ليس لبطريركية القدس فحسب، بل أيضاً لدير جبل سيناء، إلا أنّ الضغوط الاقتصادية المتواصلة والاضطهادات الدورية حالت دون اكتمال نمو الكنيسة الأرثوذكسية وهيكليتها الكنسية القانونية في البطريركية.

وكان الإمبراطور البيزنطي يوستينيانوس الأول (527–565) قد سبق أن أقرّ الاستقلال الذاتي، والسيادة الكاملة، والحصانة المطلقة للدير الكبير في جبل سيناء، وكذلك لجميع الأماكن المقدسة الواقعة ضمن الاختصاص القانوني لبطريركية القدس، أي في فلسطين وجبل سيناء والأردن. ومع ذلك، أدّت الحربان العالميتان المدمّرتان في القرن العشرين (1914–1918 و1939–1945) إلى ضرورة تثبيت معاهدة باريس (1856) التي نصّت على الحماية الدولية للوضع القائم (Status quo) المعتمد في جميع المزارات المقدسة لبطريركية القدس ودير جبل سيناء.

وقد تم تثبيت هذا الوضع أيضاً بموجب المادة 63 من معاهدة برلين التكميلية (1878) التي أكدت صراحة: "لا يجوز إجراء أي تعديل على الوضع القائم للأماكن المقدسة"، كما تم تحديده بعد حرب القرم (1853–1856) ومعاهدة باريس (1856). وبموجب هذا المبدأ، ظلّ النظام الحجّي قائماً حتى بعد الحرب العالمية الأولى، حيث أقرّته "عصبة الأمم" عام 1925، ثم جرى تجديده بعد الحرب العالمية الثانية (1939–1945)، على الرغم من قيام دولة إسرائيل عام 1948، ورغم الضغوط المخالفة للقوانين التي مارسها بعض الناطقين بالعربية ضد رسالة بطريركية القدس في خدمة الحجّ، ما استدعى تعديل اللوائح الناظمة لعمل المزارات المقدسة، ليس فقط لضمان بقائها، بل أيضاً لتنظيم سير العمل الداخلي فيها.

وفي هذا الإطار، أفضت المفاوضات الصعبة بين بطريركية القدس وحكومة الأردن بشأن صياغة لائحة قانونية كنسية جديدة، إلى التوصل إلى صيغة مقبولة تحافظ على الحقوق المكرّسة دولياً لكلّ من البطريركية وأخوية القبر المقدس، وهو ما تمسّك به بحزم البطريرك  بنديكتوس (1958–1980)، الذي أقنع الملك حسين بإصدار اللائحة القانونية الكنسية المعمول بها حتى اليوم (1958)، والتي تغطي بالكامل الوضع القائم لمزارات البطريركية ودير جبل سيناء.

ويندرج دير جبل سيناء في هذا الوضع القائم، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال علاقته الدائمة ببطريركية القدس، وسائر البطريركيات الأرثوذكسية الشرقية، التي تتنسّق دائماً عبر البطريركية المسكونية، لمنع أي مطالب أو التباسات مخالفة للقوانين من قِبَل الرهبان المنتسبين للدير، وكذلك لضمان قيامهم بجولاتهم التقليدية في الكنائس الأرثوذكسية لجمع التبرعات اللازمة لدعم دير سيناء.

وقد حظي دير جبل سيناء باعتراف دولي من اليونسكو عام 2002 باعتباره معلماً تراثياً إنسانياً عالمياً بالغ الأهمية، ما جعله محمياً ليس فقط بموجب القوانين والاتفاقيات الدولية، بل أيضاً بموجب المعاهدات المعتمدة لدى معظم دول العالم (اتفاقيات جنيف، الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية، اتفاقية حماية التراث الثقافي والطبيعي العالمي، وغيرها). كما يحظى الدير بأهمية كبيرة في الأوساط الأكاديمية والعلمية، إذ إن ما يقتنيه من مخطوطات نادرة ونفيسة يُعدّ كنزاً حقيقياً للحجّاج والباحثين من مختلف أنحاء العالم.

وبناءً عليه، فإن جميع الاتفاقيات الدولية والقوانين الوطنية للدول المعنية بحماية المزارات المقدسة التابعة لبطريركية القدس ودير جبل سيناء، تحافظ على قدسية هذه الأماكن وتمنع أي تشكيك أو انتقاص أو تغيير في رسالتها التاريخية، بما في ذلك القرارات الجائرة وغير القانونية التي تسعى إلى إقصاء دير جبل سيناء وإضعاف إشعاعه الأرثوذكسي والعالمي، إذ إن أي استبعاد قسري له يقوّض جوهر رسالة الوضع القائم، محلياً ودولياً.

ومن هذا المنطلق، تبقى جميع الضمانات والمعاهدات الدولية المشار إليها سارية المفعول لحماية الوضع القائم لدير جبل سيناء، ولا يجوز لحكومة مصر – قانوناً وكنسياً – التدخل أو اتخاذ قرارات أحادية بشأنه، إذ إن مرجعيته تبقى لبطريركية القدس وللوضع القائم الخاص بالدير، ويُستبعد تماماً، وبشكل صريح وملزم، أي تدخّل من قِبَل الحكومة المصرية أو بطريركية الإسكندرية، وذلك تحت الإشراف المعتمد للبطريركية المسكونية.

 الخطوة المقبلة:
هذا وقد غادر وفد بطريركية أورشليم أثينا متوجهًا إلى القاهرة، ثم إلى سيناء برًا، حيث سيبذل أقصى جهوده لفتح قنوات التواصل بين الرهبان ورئيس الدير، أملًا في إنهاء الأزمة بروح المصالحة التي تدعو إليها الكنيسة.

وختمت البطريركية بيانها بالصلاة قائلة:
> "والرجاء لا يُخزي، لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المُعطى لنا" (رومية 5: 5).

 وبذلك، تؤكد بطريركية أورشليم من خلال بيانها ودراستها المستفيضة حرصها الثابت على حماية دير القديسة كاترين بجبل سيناء وصون مكانته التاريخية والروحية، في إطار التزامها بالحفاظ على الوضع القائم المعتمد دوليًا وكنسيًا. ويأتي هذا الموقف ليجدد التأكيد على عمق الارتباط بين الدير والبطريركية عبر القرون، وعلى استمرار التعاون مع البطريركيات الأرثوذكسية الشقيقة تحت رعاية البطريركية المسكونية، بما يحفظ لهذه المنارة الروحية العريقة رسالتها وإشعاعها في العالم.