الأقباط متحدون - مقال لقداسة البابا تواضروس الثاني في مجلة الكرازة : كُلُّ مَا يَصْنَعُهُ يَنْجَحُ
  • ٠٩:٠٥
  • الثلاثاء , ٥ اغسطس ٢٠٢٥
English version

مقال لقداسة البابا تواضروس الثاني في مجلة الكرازة : كُلُّ مَا يَصْنَعُهُ يَنْجَحُ

مقالات مختارة | البابا تواضروس

٤٠: ٠٦ م +03:00 EEST

الثلاثاء ٥ اغسطس ٢٠٢٥

البابا تواضروس
البابا تواضروس

مقال لقداسة البابا تواضروس الثاني في مجلة الكرازة : كُلُّ مَا يَصْنَعُهُ يَنْجَحُ
من الكلمات المحبوبة عند سائر البشر وفي كل زمان وفي كل مكان كلمة “النجاح” أو “ناجح”، وهي كلمة تعني الكثير إذ يقف وراءها عمل وجهد وسهر واهتمام وتركيز واشتياق وأحلام، وبالطبع وقت ومال وتعب. وطبعًا ليس المقصود النجاح الدراسي فقط ولكن النجاح بكل صوره ومشاهده عبر مسيرة الحياة سواء دراسيًا.. اجتماعيًا.. أسريًا.. صحيًا.. عمليًا.. روحيًا.. اقتصاديًا.. إلخ.

واللافت للنظر أن المزمور الأول، والذي يعتبر فاتحة سفر المزامير، وهو الذي نصليه في بداية صلاة باكر في كل صباح، يذكر هذه الكلمة منسوبة إلى الرجل أو الإنسان المطوب والمبارك في حياته وسلوكه ونقاوته، ويشبهه بالشجرة المغروسة على مجاري (قنوات) المياه (النعمة) والتي تعطي ثمرها في حينه وورقها لا ينتثر (أي دائمة الخضرة) وكل ما يصنعه ينجح.. وهذه بركة الرب ونعمته التي يسبغها على الإنسان.. 

إن النجاح رحلة حياة وليس مجرد مرحلة في الحياة وهو بذلك يحتاج إلى ثلاثة: 

أولاً: الله، الذي يعطي نعمة ومعونة ويد قوية.

ثانيًا: الزمن، أي تقدير الوقت واستغلاله بكل نظام.

ثالثًا: الإنسان الملتزم، فالنجاح لا يأتي صدفة ولا بالحظ.

وإذا كانت الأمور كذلك فإن للنجاح عائلة مكونة من أب وهو العمل الجاد، وأم هي الأمل والرجاء، وابن هو الاهتمام المستمر، وابنة هي النظام والالتزام. 

وكما يقول المزمور فإن “الَّذِينَ يَزْرَعُونَ بِالدُّمُوعِ يَحْصُدُونَ بِالابْتِهَاجِ” (مز 125: 5).

وكثيرًا ما أذكر للشباب أن أفضل شيء في الدنيا هو “المذاكرة” وأجدهم يعترضون عليّ بشدة. ثم أقول لهم: بلاش، أفضل شيء هو الامتحانات!! فيعترضون مرة ثانية ورافضين لهذه المقولة، ثم أقـــول لهـــــــم: بلاش، أفضل شيء هو النجاح، فيتهللون ويفرحون ويوافقون بشدة. ووقتها أذكر أمامهم أن النجاح وليد الامتحانات والامتحانات وليد المذاكرة فكأن المذاكرة هي الطريق إلى النجاح وتحقيق الآمال. 

وأود أن أذكر أن النجاح يحتاج عوامل مساعدة حتى يأتي إلى الإنسان، ومن أهم هذه العوامل هو “التشجيع” وبث الثقة في الإنسان. إن تشجيع الآباء والأمهات أو المدرسين أو الخدام والآباء في الكنيسة هو أحد عوامل النجاح، وربما هو العامل الأول الذي يجعل الإنسان واثقًا في نفسه وفي مجهوده.

أتذكر وقت أن دعيت للخدمة وأنا راهب في دير الأنبا بيشوي وبعد رسامتي كاهنًا، أن ذهبت إلى المتنيح الأنبا صرابامون أسقف ورئيس الدير وذكرت أمامه مخاوفي من الخدمة في العالم. فقال لي “إنت شاطر يا أبونا”. وكأن هذه الكلمات القليلة حملت إليّ طاقة عمل وقوة ورجاء وثقة في النفس، لا أتجاوز الحقيقة إن قلت إن صدى هذه الكلمات ما زال في أذني.

لذلك أرجو أن يهتم المربون بالتشجيع دائمًا لأي إنسان وأن يبتعدوا عن تكسير المجاديف أو التنمر أو تقليل القيمة أو التنبؤ بالفشل أو الرسوب إلى آخر هذه الأمور المحبطة والتي لها تأثیر سلبي عمیق ربما يظل يرافق الإنسان في حياته ومسيرة عمره.

إن مجالات النجاح عديدة: فهناك النجاح الدراسي أو نجاح العمل، مثلما نقرأ عن يوسف الصديق الذي كان ناجحًا لأن الرب كان معه (تكوين 39: 2)، وكذلك دانيال النبي والذي قيل له: “أَيُّهَا الرَّجُلُ الْمَحْبُوبُ سَلاَمٌ لَكَ تَشَدَّدْ تَقَوَّ” (دانیال 10: 19). 

وهناك نجاح الفضيلة أو نجاح الحياة الروحية مثلما نقرأ عن داود النبي مرتل إسرائيل الحلو وصاحب المزامير المعزية والقديس الأنبا أبرآم صديق الفقراء والذي صار مثالاً للعطاء بمقولته الشهيرة: “لا حُزنا ولا عُوزنا”.

وكذلك هناك نجاح التوبة والجهاد الروحي كما رأينا حياة القديس بولس الرسول والذي كان نصف عمره الأول بعيدًا عن المسيح بل ومضطهدًا للمسيحيين وصار في النصف الثاني سفيرًا ورسولاً وكارزًا قويًا. وكذلك القديس موسى القوي في توبته القوية. 

ومن أمثلة الناجحين الرائعة في الكتاب المقدس: نحميا والذي طلب النجاح “أَعْطِ النَّجَاحَ الْيَوْمَ لِعَبْدِكَ وَامْنَحْهُ رَحْمَةً أَمَامَ هذَا الرَّجُلِ” (نحميا 1: 11)، وعندما قاومه الأشرار قال لهم: “إِنَّ إِلهَ السَّمَاءِ يُعْطِينَا النَّجَاحَ، وَنَحْنُ عَبِيدُهُ نَقُومُ وَنَبْنِي” (نحميا 2: 20). 

إن النجاح يحتاج الأمانة في القليل لكي ما يتمتع الإنسان بالكثير ويحتاج إلى السلوك النقي وأن يعتبر الإنسان إن عطية الله بأي صورة هي الأفضل دائمًا له.

إنني أهنئ كل أبنائنا وبناتنا الناجحين والمتفوقين في المراحل الدراسية، وكذلك الناجحين في حياتهم الروحية والعملية، وأرجو لهم الاستمرار في رحلة النجاح متذكرًا قول القديس أغسطينوس: “وضعت قدمي على قمة العالم عندما صرت لا أخاف شيئًا ولا أشتهي منه شيئًا”. 

مبروك النجاح . 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع