
لقاء البابا لاون والمتروبوليت أنطونيوس: حوار بين روما وموسكو في ظل الحرب والتوجّسات
محرر الأقباط متحدون
الاثنين ٢٨ يوليو ٢٠٢٥
محرر الأقباط متحدون
للمرة الأولى منذ انتخابه، استقبل البابا لاون الرابع عشر في القصر الرسولي يوم 26 يوليو المتروبوليت أنطونيوس، المسؤول عن العلاقات الخارجية في بطريركية موسكو، في لقاء ترقّبه العالم المسيحي لما يحمله من رسائل متناقضة بين رغبـة الفاتيكان في تعزيز التواصل وتوجّس الكنيسة الروسية من أيّ تقارب غير محسوب.
روما الأكثر حرصًا… وموسكو تتحفّظ
تؤكد مصادر كنسية أنّ الحوار الأرثوذكسي – الكاثوليكي يعيش اليوم حالة من عدم التوازن، إذ تبدو روما الطرف الأكثر رغبة في تطوير العلاقات، فيما تتعامل موسكو ببرودة حذرة، مفضّلة التركيز على أولوياتها الداخلية، خاصة في ظلّ الحرب الأوكرانية وما تفرضه من تعقيدات كنسية وسياسية.
إشارات سابقة في قداس التنصيب
ظهر هذا التباين بوضوح في حفل تنصيب البابا لاون الرابع عشر في 18 مايو الماضي، حيث اكتفت بطريركية موسكو بإيفاد المتروبوليت نستور، مطران أبرشية كورسون وأوروبا الغربية، ممثّلًا عنها، في وقت شارك فيه زعماء الكنائس الأرثوذكسية الأخرى على أعلى المستويات، إذ حضر البطريرك المسكوني برثلماوس شخصيًا. أمّا البطريرك كيريل، فلم يحضر ولم يوفد حتى المتروبوليت أنطونيوس، رئيس قسم العلاقات الكنسية الخارجية.
رسالة موسكو: حوار بلا اندماج وبشروط واضحة
في اللقاء الذي جمع البابا لاون بالمتروبوليت أنطونيوس، شدّد الأخير على تمسّك بطريركية موسكو بثوابتها الرافضة لأيّ شكل من أشكال الاندماج مع الكنيسة الكاثوليكية، معتبرًا أنّ الحوار بين الجانبين ضروري، لكنّه يجب أن يبقى واقعيًا ومشروطًا بمعالجة جذور الخلافات التاريخية. وأبرز أنطونيوس في هذا السياق العقبة الأساسية المتمثّلة في الدور الذي تؤدّيه الكنيسة اليونانية الكاثوليكية في أوكرانيا، الخاضعة مباشرة للفاتيكان، متّهمًا إيّاها منذ عقود بالاستيلاء على المعابد الأرثوذكسية، وصولًا إلى دعم قوانين معادية للوجود الأرثوذكسي الأوكراني في الوقت الراهن. كما جدّد المتروبوليت التأكيد على أنّ هدف موسكو هو إزالة أسباب التوتّر وضمان سلام حقيقي، وهو الموقف ذاته الذي شدّد عليه الرئيس الروسي في اتّصاله مع البابا بتاريخ 4 يونيو.
روما تراهن على التواصل… وموسكو تضع حدودها
في المقابل، يسعى الفاتيكان إلى تصوير اللقاء باعتباره خطوة محورية لإعادة إطلاق العلاقات، لكن القراءة الروسية تختلف جذريًا؛ إذ تؤكّد أنّ اللقاء لا يعني إطلاق مسار جديد للوحدة، بل مجرد قناة لمناقشة المشكلات المعلّقة.
ويرى مراقبون أنّ هذه الرسائل تعكس الفارق الكبير في الأولويات: بالنسبة لروما، التقارب مع موسكو ورقة مهمة في السياق العالمي، أما بالنسبة للكنيسة الروسية، فالرهان الأكبر هو تثبيت الداخل الأرثوذكسي في وجه الضغوط السياسية والقانونية التي تواجهها في أوكرانيا.
قارب الوحدة يصطدم بواقع السياسة
وبينما يواصل الفاتيكان الدعوة إلى تعزيز التعاون، تبقى مسافة كبيرة تفصل بين الرغبة والواقع، في ظلّ نزاعات تاريخية وصراعات راهنة تجعل الحديث عن «وحدة قريبة» مجرّد أمنية، فيما يواصل الطرفان التمسّك بمواقفهما على ضفّتي الحوار الأرثوذكسي – الكاثوليكي.
وإن هذا اللقاء بين البابا لاون والمتروبوليت أنطونيوس لم يكن مجرّد بروتوكول ديني، بل محطة تحمل رسائل سياسية في زمن تتشابك فيه الأزمات الدولية مع الملفات الكنسية. ففي ظلّ الحرب الأوكرانية والضغوط على الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، تسعى موسكو إلى حماية مصالحها الكنسية والوطنية، فيما يرى الفاتيكان في التواصل مع روسيا فرصة للحفاظ على قنوات الحوار في عالم مضطرب. وبين الرغبة في الانفتاح والحاجة إلى التوازن، يبقى هذا اللقاء مؤشرًا على أنّ الدين لا يزال لاعبًا حاضرًا في الساحة الجيوسياسية، وأن الحوار بين العاصمتين الروحيتين قد يفتح الباب أمام تفاهمات أوسع تتجاوز الحدود الكنسية إلى قضايا السلام والاستقرار.