
نحو تعليم مدني عادل لكل المصريين: تساؤلات حول دور وزارة التعليم
نادر شكري
الاربعاء ٢٣ يوليو ٢٠٢٥
نادر شكري
الحقيقة أننا نحلم جميعًا بـ دولة مدنية حديثة، تقوم على المواطنة، والعلم، والانتماء، لا على التفرقة أو التمييز. لكن ما يجري حاليًا داخل وزارة التربية والتعليم يثير الكثير من المخاوف والتساؤلات حول تداخل غير مبرر بين الطابع المدني والتوجه الديني داخل واحدة من أهم الوزارات في الدولة المصرية.
فبدلًا من التفرغ لتطوير المدارس الحكومية، ودعم المعلمين، وتحسين البنية التحتية، ومراجعة المناهج لتتماشى مع طموحات الجمهورية الجديدة، نرى السيد وزير التربية والتعليم ينشغل بأدوار ليست من اختصاص وزارته، مثل دعم حضانات المساجد، وتوقيع بروتوكولات مع وزارة الأوقاف في هذا الإطار، رغم أن هذا الدور يقع بطبيعته ضمن اختصاص المؤسسة الدينية، لا وزارة مدنية مثل التعليم.
والأمر لا يقف عند هذا الحد؛ فقد أعلن الوزير عن تكليف معلمي وزارته باستقبال الأطفال داخل المساجد في الفترة الصباحية، وتجهيزها بالوسائل التعليمية والألعاب، في مشهد يثير العديد من علامات الاستفهام.
نحن لا نعترض على قيام المؤسسات الدينية – سواء المساجد أو الكنائس – بدورها التربوي، فهذا حق أصيل ومفهوم، لكن ما نرفضه هو تحول وزارة التربية والتعليم إلى ذراع دينية بشكل غير مباشر، وهو ما يخالف جوهر دورها كمؤسسة تعليمية مدنية تخدم جميع المصريين دون تمييز.
كان الأجدر – والأكثر اتساقًا مع المبادئ الدستورية – أن تكون مبادرة الوزير في إنشاء حضانات تعليمية تابعة للوزارة تستوعب الأطفال من كافة الخلفيات الدينية والثقافية. هذا ما كنا سنتفهمه وندعمه. أما أن يتكرر نفس النهج الذي بدأ سابقًا بجعل مادة التربية الدينية مادة تضاف للمجموع، ثم تبعتها مبادرة "الكتاتيب"، واليوم حضانات داخل المساجد، فهو توجه يثير القلق حول مستقبل شكل التعليم في مصر: هل نتجه نحو تعليم مدني حديث؟ أم إلى نموذج موازٍ للتعليم الديني داخل مؤسسات الدولة المدنية؟
وإذا كان هناك مواطنون يرحبون بالتعليم الديني، فهناك المعاهد الأزهرية والمدارس الدينية، وهي اختيار حر ومتاح. لكن لماذا تُصر وزارة التربية والتعليم، بكل ما تحمله من مسؤولية مدنية ووطنية، على الدخول في هذا المسار؟
ثم إن كان لابد من دعم الحضانات بالوسائل التعليمية أو الألعاب أو التجهيزات، فهذا أمر مقبول، بشرط أن يكون على قدم المساواة بين حضانات المساجد وحضانات الكنائس، وإلا فإننا أمام إخلال واضح بمبدأ المواطنة والعدالة.
وفي النهاية، ننتظر من وزير التعليم إجابة واضحة: هل هذه الإجراءات جزء من مشروع مدني موحّد يشمل كل المصريين؟ أم أننا نُكرّس تدريجيًا واقعًا جديدًا لتعليم ديني داخل مؤسسات يفترض أن تكون مدنية؟